Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر January 27, 2017
A A A
حرب الأخوة الأعداء
الكاتب: عمر معربوني - بيروت برس

205

ليست المرّة الأولى التي تتقاتل فيها الجماعات الإرهاية فيما بينها، ولكنها المرّة الحاسمة حيث تختلف أسباب القتال وهي بكل ما تعنيه الكلمة حرب استباقية تشنها النصرة على جماعات شاركت في لقاء آستانة ووصفتها بالخائنة والمشاركة في مؤامرة القضاء على “المجاهدين”، كما جاء في بيان النصرة.
إذًا، “جبهة النصرة”، وبنتيجة ما تسرّب من آستانة، تدرك أنّ المقصلة باتت تنتظرها وعليه فإنها هذه المرّة تخوض حرب بقاء ووجود حيث لا مجال للتراجع، بغضّ النظر عن النداءات الصادرة من أطراف عديدة بضرورة الإحتكام الى “المحاكم الشرعية”.

تطوران كبيران سأتطرق إليهما بشكلٍ سريع قبل الدخول الى شرح أسباب التقاتل وآفاقه، وهما:
1-    إعلان دونالد ترامب عن نيته إقامة مناطق آمنة في سوريا سيكون هدفها الأساسي ايواء الهاربين من القتال، بحسب ما جاء في سياق حديثه، وتكليف وزارتي الدفاع والخارجية تحويل الطلب الى وقائع اجرائية خلال 90 يومًا، وهذا قد يعني اعادة خلط الأوراق، قابله الجانب الروسي بالامتعاض والإستهجان حول عدم تشاور ترامب مع القيادة الروسية بخصوص الأمر، وهذا يعني بداية انتهاج مسار للإدارة الأميركية الجديدة لا يتناسب مع ما طرحه ترامب خلال حملته الإنتخابية لجهة التعاون مع روسيا في سوريا والمنطقة. وفي حين أنّ تركيا رحّبت بكلام ترامب، إلّا أنها قد تتراجع عن ترحيبها لاحقًا اذا ما قرّر ترامب ان تكون المناطق الآمنة في منطقة سيطرة الأكراد والتي تشرف عليها حاليًا قوات أميركية، قد يتضاعف عددها لاحقًا وربما يصل الى آلاف الجنود وعشرات الحوامات الهجومية، مع الأخذ بعين الإعتبار أنّ تصريح ترامب قد يكون رفعًا لسقف مشاوراته القادمة مع الروس لحفظ موقع أميركا في المنطقة، وهو دور في تراجع مستمر رغم ما تمتلكه اميركا من اوراق، علمًا بأنّ روسيا ومعها الصين قادرة على فرملة أي توجه اميركي لا يتناسب مع ميزان القوى الحالية عبر امتلاكها لحق النقض “الفيتو”، وهو ما لن تصل اليه الأمور برأيي حيث تمتلك روسيا من الوقت ما يكفي للإمساك بأوراق جديدة من خلال ما نشاهده من عمليات للجيش السوري في منطقة جنوب غرب مدينة الباب، من خلال تحرير مناطق هامة ستكون بمثابة نقاط ارتكاز تتجاوز مدينة الباب وتتجه نحو الشرق والجنوب الشرقي والإقتراب اكثر من منطقة الرقة، وهو ما سيطوّر العمليات ايضًا في منطقة شرق خناصر لتأمين هامش أمان اوسع للطريق الواصل الى حلب، وتأمين اندفاع الجيش لاحقًا الى منطقة مسكنة التي تقع جنوب شرق دير حافر الموقع الأهم لـ”داعش” شرق مطار كويرس.

2-    إعلان وزارة الخارجية اليوم عبر بيان رسمي أنّ داعش وجبهة النصرة هما تنظيمان إرهابيان، وهو ليس بالأمر الجديد ولكنه يأتي ضمن توقيت دقيق بعد انتهاء فعاليات لقاء آستانة الذي كان سببًا اساسيًا في الحرب الإستباقية التي تشنها النصرة على باقي الجماعات، والتي تعتبر تركيا راعية لها رغم قناعتي ان تركيا لا ترغب حتى اللحظة بإنهاء جبهة النصرة وإنما ترويضها والحفاظ عليها كورقة احتياطية ربما تحتاجها في قادم الأيام، حيث لا نرى تموضعًا تركيًا نهائيًا بدليل هذا التناقض الدائم في تصريحات المسؤولين الأتراك الذين لا يثبتون على رأي واحد حول كل القضايا.

في الجانب الميداني، لا تقتصر أسباب القتال بين “جبهة النصرة” والجماعات الأخرى على ما ترتب عن نتائج لقاء آستانة وحسب، حيث لم يعد خافيًا أنّ إحدى اتفاقيات اللقاء تقتضي تثبيت خرائط نهائية لأماكن تواجد الجماعات التي شاركت في اللقاء وتحييدها عن اي استهداف، إضافةً الى البدء بتشكيل اطار يجمع الجيش السوري والجماعات التي شاركت في آستانة وجماعات أخرى راغبة بالإلتحاق مهمتها محاربة كل الجماعات التي تختار البقاء خارج اللقاء، وعلى رأسها “داعش” و”النصرة”، مع التذكير بمجموعة كبيرة من الأسباب التي كانت سببًا في الإشتباكات المتكررة على مدى السنوات السابقة، وهي:
1-    وجود تباينات كبيرة في الجانب “الشرعي”، حيث يبدو واضحًا سطوة ما يسمى بـ”القضاة الشرعيين” بحركة ومسار الجماعات، حيث ينطلق كل قاضٍ من موقع “شرعي” مختلف وهي وصلت الى حدود غير مسبوقة في تتفيه التعامل مع الشرع والإستخفاف به.
2-    استسهال تكفير الآخر تحت قاعدة “الولاء والبراء”، والتي تم استخدامها بإفراط أدّى الى حدوث مجازر حقيقية بين الجماعات لا تزال مستمرة.
3-    الخلاف على الغنائم وهو سبب كان حاضرًا دائمًا في صفوف هذه الجماعات ويشكل احد عناصر استمرارها، سواء كانت الغنائم سرقات او استيلاء على موارد طبيعية ومنشآت اقتصادية وصناعية ومستودعات أسلحة وما شابه.
4-    تعدد الولاءات الخارجية للدول، وهو ما يعكس خلافات الدول على حالة الجماعات رغم وجود هذه الدول في محور واحد.
5-    عدم وجود قيادة سياسية وعسكرية موحدة بين الجماعات الإرهابية، وهو عامل لا يمكن أن يحصل الآن ولا في المستقبل بسبب سيطرة الذاتية والمناطقية والولاءات والشرذمة التي كانت احد عوامل هزيمة هذه الجماعات وستكون سببًا رئيسيًا في انتهائها.

في المباشر، نحن امام نتائج أولية أفضت الى تفكيك “جيش الفتح” الذي كان الإطار الذي يجمع اغلب الجماعات، وهو ما لا يمكن تلافيه بعد الآن حيث سيكون المشهد القادم هو تقاتل حتى النهاية، وهو قتال سيكون شرسًا وطويلًا حيث تتعادل موازين القوى بين المتقاتلين.
المستفيد الأول من هذه المواجهات التي ستودي بحياة آلاف الإرهابيين هي الدولة السورية وحلفاؤها، والتي ستكون بوضع مريح عندما يتقرر التقدم نحو ادلب لاحقًا، رغم اني ارى ان الأولوية الآن بدأت تتجه نحو مناطق تدمر والرقة ودير الزور وهو ما يستلزم بعض الوقت لتبلور المشهد ووضوحه.