Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2018
A A A
حرائق كاليفورنيا الكارثيّة.. إحدى الحلقات المفرغة للتغيّر المناخيّ
الكاتب: جورج عيسى -النهار

تعاني الولايات المتّحدة من أسوأ الحرائق في تاريخها مع اندلاع نيران هائلة في ولاية كاليفورنيا أدّت إلى فقدان حوالي 1000 شخص ومقتل أكثر من 70. عُرف هذا الحريق باسم “كامب فاير” نسبة إلى منطقة “كامب كريك رود” التي اندلع فيها والواقعة في مقاطعة بوت شمال الولاية، إذ تُسمّى الحرائق عادة نسبة لأماكن اندلاعها. ليس “كامب فاير” الحريق الوحيد الذي تعاني منه الولاية، ففي الجنوب تشهد كاليفورنيا أيضاً حريق “وولسي فاير” الذي أحرق حوالي 600 منزل ومنشآت أخرى والتهم مساحات تصل إلى 400 كيلومتر مربّع وقد تمّ احتواء 80% منه. لكنّ حدّته كانت أخفّ وطأة من الحرائق التي تلتهم بلدات في شمال الولاية.
قبل “كامب فاير”، كان “توبس فاير” هو الحريق الأكثر دماراً في تاريخ كاليفورنيا حتى السنة الماضية وقد اجتاح حوالي 149 كيلومتراً مربّعاً من المساحة بعدما اندلع في تشرين الأوّل 2017 مودياً بحياة أكثر من 20 شخصاً. في هذا الوقت من المتوقّع أن تهطل أمطار يوم الثلاثاء فوق المناطق المنكوبة، ممّا قد يسهّل عمليّة تطويق النيران، لكن أيضاً، يمكن أن يعيق هذا الطقس جهود الإنقاذ والعثور على ناجين. حتى اليوم، تمّت السيطرة فقط على 50% من الحريق الذي التهم حوالي 590 كيلومتراً مربّعاً من المساحات وقضى على أكثر من 11800 منشأة. ولشدّة الحرائق وصل الدخان إلى المدن والبلدات الواقعة على بعد مئات الكيلومترات بما فيها عاصمة الولاية سان فرنسيسكو التي شهد مطارها تأخيراً في موعد انطلاق حوالي 200 رحلة يوم الجمعة و400 يوم الخميس. ووصل التلوّث في شمال الولاية إلى نسب أعلى من تلك الموجودة في بعض مدن الهند والصين.
شبهات حول أسباب الحريق
لا شيء مؤكّداً حتى الآن بالنسبة إلى أسباب حريقي “كامب فاير” و “وولسي فاير”. لكنّ الشبهات تحوم حول بعض الشركات، مثل “باسيفيك غاز أند إلكتريك” و “ساوثرن كاليفورنيا إديسون” وقد تمّ الاشتباه بتسبّبهما بحرائق خلال السنوات الماضية. وبحسب صحيفة “ذا غارديان” البريطانيّة، إنّ “لجنة كاليفورنيا للمرافق العامّة” التي تنظّم الأعمال الخاصّة المرتبطة بتأمين الخدمات الأساسيّة للمواطنين عبر الولاية، قالت إنّها تلقّت تقارير عن حوادث من كلتا الشركتين تظهر أنّ مشاكل في التجهيزات طرأت في مناطق قريبة من اشتعال النيران. وتلقّت هذه التقارير قبل انتشار الحرائق بفترة قصيرة.
أشار الناطق باسم اللجنة للصحيفة نفسها، إلى أنّ هذه الحوادث ستُضمّ إلى تحقيقاتها حول مراعاتها قواعد السلامة المختلفة، بينما قال مراقبو هذه الشركات، بمن فيهم نقّادها، إنّهم لا يريدون “الحكم مسبقاً” على ما يمكن أن يكون قد تسبّب بالحريق، لكنّهم تحدّثوا عن وجود سجلّ و “نمط” من المشاكل التي تكلّف المستهلكين مليارات الدولارات إضافة إلى الخسائر البشريّة. وكانت مجّلة “ذي اطلانتيك” الأميركيّة قد أشارت في أيّار الماضي إلى شبهات أيضاً حول هاتين الشركتين. وقد أضافت أنّ التكنولوجيا البشريّة مسؤولة عن هذه الحرائق أكثر من أيّ عوامل أخرى.
التغيّر المناخيّ ونسبة تواتر الحرائق
قد يكون سبب الحرائق في غالب الأحيان خطأ بشريّاً مباشراً. لكن ما الذي يدفعها للانتشار بشكل قياسيّ والخروج سريعاً عن سيطرة رجال الإطفاء حتى تتحوّل إلى كارثة وطنيّة؟ يشكّل العامل المناخيّ مسؤولاً أساسيّاً عن مضاعفة حجم وآثار هذه الحرائق، إذ ليس من قبيل المصادفة أن تشهد الولاية نفسها حريقين قياسيّين خلال موسمين متتاليين. واندلع حريق “توبس فاير” السنة الماضية في تشرين الأوّل، بينما اندلع “كامب فاير” في الأسبوع الثاني من الشهر الحاليّ وقد يمتدّ حتى الرابع منه. وهذا يعني أنّ موسم الحرائق يمتدّ أكثر فأكثر حتى منتصف فصل الخريف.
في وقت يجدر باعتدال الحرارة وازدياد الرطوبة في الجوّ أن يشكّلا مانعاً لهذه الحرائق، يبدو أنّ هذه العوامل تتأخّر بالتشكّل. وما يثير المزيد من القلق في هذه الحالة هو أنّ الأرقام تظهر نمطاً يمتدّ عبر سنوات وربّما عقود. تقول مديرة مركز “إيرث لاب” التابع لجامعة “كولورادو بولدر” جينيفر بالش إنّ الحرائق في الغرب الأميركيّ تزداد حدّة: “لقد شهدنا ازدياداً بخمسة أضعاف في عدد الحرائق الضخمة منذ السبعينات. إذاً مقابل كلّ 20 (حريقاً) رأيناها في السبعينات، نرى اليوم 100”.
أكّد “اتّحاد العلماء المعنيّين” أنّ التغيّر المناخيّ يساهم في انتشار الحرائق الكبيرة والأكثر حدّة داخل الولايات المتّحدة وخصوصاً غربها. فمع ارتفاع درجات الحرارة في فصلي الربيع والصيف تزداد فترة الجفاف وتتناقص كمّيات الأمطار ممّا يرفع وتيرة وحجم هذه الحرائق. يضاف إلى ذلك أنّ الثلوج تبدأ بالذوبان في أوقات مبكرة نسبيّاً من فصل الربيع وهذا يعني أنّ الأرض ستفقد المزيد من الرطوبة مع مرور الوقت، الأمر الذي يؤدّي إلى مضاعفة العوامل التي تساعد على انتشار الحرائق بغضّ النظر عمّا إذا تسبّبت بها الإنسان نفسه (84% بحسب بالش) أو حتى الصواعق.
تداعيات أبعد من الحدود الأميركيّة
لكنّ ما تعاني منه كاليفورنيا ليس نتيجة وحسب. فهذه الحرائق تشكّل حلقة مفرغة من الأسباب والنتائج التي ستسرّع من تتالي مشاهد كارثيّة كهذه في الولايات المتّحدة وخارجها. يذكر بوب بيروين في موقع “إنسايد كلايمت نيوز” أنّ هذه الحرائق تطلق غازات الدفيئة في الغلاف الجوّي كما جزيئات أخرى من الهباء الجوّي (aerosols). الاحترار يطيل موسم الحرائق التي تطلق ثاني أوكسيد الكربون التي تشكّل بدورها قوّة داعمة ومغذّية لمزيد من ارتفاع درجات الحرارة. وتساهم الحرائق سنويّاً بما نسبته 5 إلى 10% من ثاني أوكسيد الكربون الذي يتمّ ضخّه في الغلاف الجوّي.
يتابع بيروين أنّه بعد الحرائق، تنمو نباتات صغيرة تعكس أشعّة الشمس ممّا يساهم في تبريد الحرارة حتى تنمو الأشجار الضخمة ويتوقّف هذا المفعول. لكنّ دراسات جديدة تظهر أنّ الاحتباس الحراريّ يمنع نموّ الغابات مجدّداً. ولدى الكربون الأسود، أحد جزيئات الهباء الجوّي الذي يُطلق بفعل الحرائق، قدرة على حبس الحرارة لفترة أطول ممّا ظنّه العلماء سابقاً. ومع تمدّد الحرائق باتّجاه خطوط العرض العليا، تساهم هذه الجزيئات بتلويث الثلوج في السويد وغرينلاند وغيرها. وعندما يتلوّث الجليد تزداد سرعة ذوبانه وقد كانت ملوّثات الحرائق عاملاً بارزاً في ذوبان سطح الجليد في جزيرة غرينلاند سنة 2012.
إذاً، لا يمكن حصر أضرار الحرائق في الزمان والمكان والأكلاف. ما تشهده كاليفورنيا اليوم سيتعاظم مع تتالي مواسم الحرائق لو استمرّت درجات الحرارة بارتفاعها كما هو متوقّع. المهمّ بالنسبة إلى ولاية تتعرّض كثيراً للحرائق، أن يخرج تحميل المسؤوليّات ورسم التدابير الوقائيّة عن دائرة التجاذب السياسيّ.