Beirut weather 13.54 ° C
تاريخ النشر April 11, 2022
A A A
حذر وترقّب: لبنان لن يكون الضحية
الكاتب: جوني منيّر - الجمهورية

هي مرحلة ترقّب قصيرة لبنانياً، بانتظار أحداث ثلاث. فالواقع اللبناني سيشهد مراوحة فَرضتها استحقاقات ثلاث ستؤثّر نتائجها في مرحلة الصيف المقبل، والتي ستكون حامية من دون شك.

الحدث الأول يتعلق بالاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الاميركية وايران، والذي طال انتظاره رغم اعتراف أطرافه جميعاً وخصوصاً الطرفين الاميركي والايراني بأنه أصبح مُنجزاً باستثناء عقدة رفع العقوبات عن الحرس الثوري.

 

والثاني يتعلق بجلاء نتيجة الانتخابات الرئاسية الفرنسية نظراً للدور الفرنسي الاساسي في ترتيب التسويات المطروحة حول المرحلة المقبلة في لبنان.

 

اما الحدث الثالث فهو مرتبط بطبيعة الحال بالنتائج التي ستَرسو عليها الانتخابات النيابية اللبنانية، لا سيما بعد العودة السعودية في هذا التوقيت بالذات الى الملعب اللبناني.

 

فعلى مستوى الاتفاق النووي ما تزال الاوساط الديبلوماسية المعنية ترى في التعقيدات التي ظهرت خلال الايام الماضية حول استثناء فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني من عملية رفع العقوبات الاميركية بأنها تأتي في إطار اختطاف نقاط قبل توقيع الاتفاق.

 

فالبعض يرى في موقف الادارة الاميركية سعياً لتحقيق كسب في مواجهة معارضي الاتفاق، وبالتالي استثماره إعلامياً في الداخل الاميركي حيث الحملات الاعلامية قائمة بانتظار الانتخابات النُصفية مطلع تشرين الثاني المقبل.

 

في الوقت الذي تقرأ فيه ايران هذه الخطوة بمثابة الفخ الذي سيعني إقرار ايران بأنّ فيلق القدس هو مجموعة إرهابية في حال موافقتها على الاتفاق من دون رفع العقوبات عنه.

 

وعلى الرغم من «تَمترس» كل طرف في موقعه من دون إظهار نيته بإمكانية التراجع الى الوراء، الّا انّ الاوساط الديبلوماسية المطّلعة لا ترى بديلاً عن تنازلات متبادلة لا بد ان تحصل. ذلك انّ واشنطن تريد هذا الاتفاق وتعتبره انجازا قبل الانطلاق في ورشة اعادة رسم الخارطة السياسية في الشرق الاوسط، والتي باتت اكثر إلحاحاً بعد تطورات الحرب الدائرة في اوكرانيا والحاجة المستقبلية لنفط الشرق الاوسط.

 

وتبدو الورشة السياسية في الشرق الاوسط ناشطة تحضيراً للمرحلة المقبلة. ففي الوقت الذي تعمل فيه اسرائيل على تفعيل تعاونها مع قبرص واليونان، باشَرت تركيا في استدارتها باتجاه اسرائيل واليونان ومصر ايضاً. الواضح انّ الرئيس التركي، الذي يعاني تراجع شعبيته بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية في تركيا، يعمل على اعادة صياغة تموضعه السياسي الاقليمي تمهيداً لحجز حصة تركيا من الغاز المكتشف شرق البحر المتوسط وكيفية إيصاله الى اوروبا.

 

ومن البديهي الاعتقاد بأنّ التعاون في مجال الطاقة يتطلب شرطاً اساسياً وهو ان يكون للاطراف مصالح سياسية مشتركة.

 

والواضح انّ واشنطن التي تعمل على استنزاف روسيا واشغالها من خلال تأمين مساعدات عسكرية للجيش الاوكراني، تريد توظيف هذا الوضع لصالحها، لا سيما انّ روسيا لاعب اساسي في الشرق الاوسط ومن خلال الساحة السورية. وتكفي الاشارة الى الغارة الجوية الاسرائيلية على وسط سوريا للمرة الثانية منذ بدء حرب اوكرانيا.

 

وفي المقابل، فإن لإيران مصلحة كبرى في العودة الى الاتفاق النووي لأنه سيسمح لها باستعادة الارصدة المالية الضخمة المجمّدة في الخارج والتي تحتاجها الاسواق الايرانية بشدة، اضافة الى انّ ارتفاع اسعار النفط الناجِم عن الحرب في اوكرانيا، سيمنح ايران ايرادات مالية كبيرة هي بأمسّ الحاجة اليها.

 

وكانت المعلومات التي تحدثت عن قيام السلطات الايرانية بنقل اجهزة الطرد المركزي من «كرج» الى موقع نطنز النووي لافتة. وهذه المعلومات، إن صحّت، فهي تعني بأنها تهدف الى تجميع هذه الاجهزة في مكان واحد بحيث تسهل عملية مراقبتها عندما يجري توقيع الاتفاق. وبالتالي، فهي تعتبر بمثابة الاشارة القوية والجدية بقرب إبرام الاتفاق.

 

اما على صعيد الانتخابات الفرنسية فبَدت الامور اكثر ضبابية بعد ان كانت استطلاعات الرأي تشير الى فوز سهل لإيمانويل ماكرون وذلك قبل اسابيع معدودة. لكن ثمة معطيات استجَدّت وضعت هذا الفوز في موقع اصعب، وفتحت باب القلق من مفاجآت غير محسوبة. فشعبية الرئيس الفرنسي سجّلت خلال الاسابيع الماضية تراجعاً لأسباب عدة، أبرزها ارتفاع معدل التضخم وتراجع الحركة الاقتصادية والانخراط المتأخّر لفريق ماكرون بالحملة الانتخابية. ولا ضرورة للتذكير بأنّ الازمات الاقتصادية كانت المدخل الممتاز لحصول مفاجآت كثيرة غير متوقعة في الانتخابات وحملت المتطرفين والشعبويين الى رأس هرم السلطة.

 

تاريخياً، إنّ ادولف هيتلر وصل الى السلطة في المانيا بعد أزمة الكساد الكبير في العام 1929. ودونالد ترامب فاجَأ الجميع ودخل الى البيت الابيض على وقع التراجع الاقتصادي الاميركي. وبوريس جونسون بدوره لم يَشذ عن هذه القاعدة في بريطانيا.

 

لذلك تصاعَد القلق من التقدم الذي حققته مارين لوبن، والذي في حال استمراره، قد يؤدي الى مفاجأة في نتائج الدورة الثانية. فجائحة كورونا وحرب اوكرانيا زادتا من صعوبة الوضع الاقتصادي الفرنسي.

 

وفي الوقت الذي تستمد فيه لوبان قوتها من شريحة الشباب المتحمسة وفئة العمال التي تعاني والمتحسّسين من ارتفاع منسوب الشغب للمهاجرين العرب والافارقة وهؤلاء تكون مشاركتهم مرتفعة في عملية الاقتراع، فإنّ الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية اتّسَمت عموماً بالبرودة وجاءت المنافسة باهتة في ظل غياب النقاش حول البرامج السياسية.

 

وعلى سبيل المثال، بَدا غريباً ما عبّر عنه حوالى ثلث الناخبين بأنهم لا يعرفون بعد لِمن سيقترعون رغم انهم قرروا المشاركة في التصويت.

 

جوابهم هذا جاء قبل يومين من فتح ابواب صناديق الاقتراع.

 

الواضح انّ ثمة طلاقاً بين جزء اساسي من الشارع الفرنسي والطبقة الحاكمة يمكن ان يُنذر بمفاجأة غير متوقعة.

 

وفي حال حدوث ما هو غير محسوب، فإنّ حظ لبنان العاثِر سيعود من جديد، وسيتبدّل تماماً المشروع الذي تتولى فرنسا رعايته في لبنان بالتفاهم الكامل مع الولايات المتحدة الاميركية وبالتنسيق مع «حزب الله» وايران من خلال سفيرها في بيروت.

 

هذا البرنامج الذي يلحظ مؤتمراً لرعاية التسوية في لبنان، والتي ستتضمن تعديلات دستورية لا تمس جوهر اتفاق الطائف، بل تقتصر على تصحيح الاخطاء التي ظهرت من خلال ممارسة خلال المرحلة الماضية، كمِثل استحداث فقرة دستورية تنص على إمهال الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة ثلاثة اشهر قبل ان تسحب منه مهمة التكليف، وإلزام رئيس الجمهورية ايضا بمهلة زمنية لدعوة النواب لتسمية مرشحهم لتشكيل الحكومة.

 

وثمة افكار اخرى لا يبدو انها تحظى بتوافق جامع، كمِثل تقسيم وزارة الداخلية الى وزارتين اضافة الى وزارات اخرى مثل الكهرباء والطاقة.

 

تبقى محطة الانتخابات النيابية اللبنانية مع عودة السفير السعودي. ولا شك انّ لتوقيت عودته علاقة بالاستحقاق النيابي، لكن هذه العودة تحمل أبعاداً اخرى منها ما يتعلق بالمؤتمر المزمع عقده في باريس، وايضاً حزمة المساعدات الاقتصادية التي ينتظرها لبنان لمواكبة خطة صندوق النقد الدولي الاصلاحية، والتي تتضمن اعادة بناء الادارة الرسمية اللبنانية المدمرة. وسيتولى صندوق النقد ما يشبه دور الوصاية الدولية لصالح الامم المتحدة في مواكبة لبنان في مرحلة إعادة رسم الخارطة السياسية فيه بموازاة اعادة رسم الخارطة السياسية للشرق الاوسط.

 

وكان يمكن للبنان تَجاوز موضوع «الوصاية» الدولية من خلال صندوق النقد، لو أنجزت السلطة في العام 2018 خطة اصلاحية واتخذت تدابير إنقاذية بدل الاندفاع في موازنة فضفاضة تعبث بالتلزيمات والتبذير. ولو حصل ذلك، لكانت الكلفة التي دفعها اللبنانيون أدنى بما لا يُقاس مع ما هو مطروح اليوم.

 

وكان لافتاً الكلام الذي أطلقه الرئيس العراقي عندما دعا الى «عقد سياسي» جديد للعراق. لكن لبنان لن يكون ثمناً لتسويات المنطقة كما يروّج البعض. ففي جلسة مُغلقة نقل البعض عن السفيرة الاميركية دوروثي شيا قولها، أمام إلحاح الحضور، انّ لديها تعليمات واضحة من رؤسائها بألا يكون لبنان ثمناً لتسويات المنطقة وتطوراتها، بغضّ النظر عن حصول الاتفاق النووي او عدم حصوله، ويمكن إدراج زيارة البابا في هذا الاطار ايضاً.