Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر January 30, 2017
A A A
«جفش» تضرب روسيا وتركيا … و«الثورة المعتدلة»
الكاتب: ايليا ج مغناير - الراي

تشكيل تنظيم جديد قيادته العسكرية للجولاني
*

نجحت «جبهة فتح الشام» (جفش) في توجيه ضربة قاضية لاتفاق أستانة – كزاخستان، الذي رعته روسيا، وضربة أخرى إلى تركيا التي طلبت من حلفائها في المعارضة السورية الحضور، وضربة مماثلة لا عودة منها للثورة السورية وذلك عبر إعلان تنظيم جديد شق حلفاء الأمس وجعلهم أعداء اليوم وغلّب تالياً ايقاع الحرب على السلم ليستمر القتال من جديد ولكن تحت مسميات أخرى وتحالفات قسمت الساحة السورية إلى خطوط تماس جديدة.

أعلن القيادي في «أحرار الشام» أبو جابر الشيخ انشاء تنظيم جديد تحت مسمى «هيئة تحرير الشام» ليلغي اسم «فتح الشام» ويصبح الاسم الجديد هو الساري ويضم في صفوفه (فتح الشام طبعاً) «حركة نور الدين زنكي» التي انشقت عن الحركة الأم وانضم المئات منها الى التنظيم الجديد، وكذلك «لواء الحق» وجبهة «أنصار الدين» و«جيش السنة». وتبعه الآلاف من أحرار الشام من القادة والمتحدث العسكري أبو يوسف المهاجر وغيره الى التنظيم الجديد.

وكان أبو جابر الشيخ أعلن إنشقاقه منذ نحو شهر ونصف الشهر وانشاء تنظيم جديد تحت اسم «جيش الأحرار»، إلا أنه تراجع عن قراره بعد وساطات داخلية وخارجية ليعود ويقدم استقالته ويتربع على رأس التنظيم الجديد (هيئة تحرير الشام).

أبو جابر الشيخ، هو هشام الشيخ نفسه الذي ترأس الأحرار عام 2014، كان يقاتل في صفوف أبو مصعب الزرقاوي الذي كلّفه تنظيم سفر المجاهدين من سورية الى العراق إبان الاحتلال الأميركي، ألقي القبض عليه عام 2005 في سورية وأودع سجن صيدنايا الى حين الإفراج عنه مع آخرين عام 2011، أي عند بداية الحرب السورية.

وبإنشاء «هيئة تحرير الشام» وجّهت ضربة الى كل التفاهمات والاتفاقات في أستانة، وكذلك في جنيف نتيجة غلبة الجهاديين اليوم على الساحة السورية الشمالية. ولم تعد الفصائل السورية المعارضة للحكومة السورية تمثل القوة الأكبر في تلك الساحة لأن «الهيئة» تمتلك العديد من المخازن والعتاد العسكري والسلاح المتنوع إضافة الى ما غنمته أيضاً في الأيام الماضية في المواجهة ضد «فيلق الشام» و«صقور الشام» و«جيش الإسلام». كما تمتلك «العقيدة الجهادية» التي تعطيها التفوق على الفصائل العلمانية والإسلامية الأخرى.

ويمثل انشقاق «الأحرار» و»نور الدين زنكي» ضربة لتركيا التي طالما اعتبرت أنها تمتلك السيطرة على هذه التنظيمات، والتي من خلال هؤلاء قدمت نفسها كشريك أساسي في سورية مع المفاوض الروسي.

واليوم، تجد روسيا نفسها أمام واقع جديد بعد أن كانت متحمسة لوقف إطلاق النار والحصول على نصر سريع، إذ أن قلب طاولة المفاوضات ستجبرها للعودة الى لغة السلاح من جديد والتحضر لمعارك جديدة مقبلة، أهمها حول حلب الجنوبي والشمالي وعلى جبهات ساخنة أخرى.

وبتهديد «جفش» لـ «أحرار الشام» بـ «إما توحيد القرار للحرب والسلم تحت إمرة أمير واحد ووضع كل القدرات المادية والبشرية تحت قيادة سياسية – عسكرية موحّدة لأن الوحدة الهشة لا تنفع وإما السيف». فاختار العديد منها الوحدة ليصبحوا بذلك هدفاً للدول العظمى في ضوء تعاظم قوة «الجهاديين «أكثر من ذي قبل على الساحة السورية.

وهكذا، طارت الثورة المعتدلة لتحل مكانها «الثورة الجهادية»، ما يعني أن أميركا لن تنتظر طويلاً لتضع هذا المسمى الجديد على لائحة الإرهاب فيصبح هدفاً دولياً مشرعاً مما يضع كل الشمال السوري في خانة الإرهاب. وقد يعني ذلك أن تركيا قد تغلق حدودها أمام جزء كبير من المسلحين منعاً لدخول هذا التنظيم الجديد، خصوصاً أنه جزء من «جبهة فتح الشام» وقد ضرب مشروعها في سورية ما يشكل خطراً على مصالحها وممثلتها ونفوذها في بلاد الشام.

photo_2016-08-01_15-15-59

إلا أن هذه الخطوة الجديدة لها أبعاد أخرى لأنها ستسحب البساط الشعبي من تحت أقدام التنظيم الجديد الذي يعتبر بأنه يمثل الطرف المتطرف و»الجهادي» للثورة السورية. ما يعني أن أبو محمد الجولاني – القائد العسكري الجديد لـ «هيئة تحرير الشام» تصرف بذكاء عند انقلابه على «أميره» أبو بكر البغدادي (زعيم داعش) حين تغطى تحت عباءة تنظيم»القاعدة» ولجأ الى الثورة السورية وتنظيماتها المتعددة التي حمته وحافظت عليه قبل أن يهاجم ابناءها ويجبر هؤلاء على الانضمام ليخسر أهم عنصر لبقاء أي تنظيم جهادي، ألا وهو: الحاضنة الشعبية.

من المؤكد أن الجولاني قد انتصر في معركة تكتيكية على الفصائل السورية الإسلامية والمعتدلة، إلا أنه جعل عددا أكبر من الفصائل هدفاً وسحب الغطاء الذي وفره الإعلام الغربي للثورة السورية بوصفها «ثورة تضم مقاتلين معتدلين».

وأكد الجولاني نفسه في بيان صدر عن تنظيمه أن مقاتليه «يتواجدون على كل الجبهات ويمثل هؤلاء ثلثي المدافعين والمهاجمين». وهذا ما سيفتح النار من دون تمييز على كل المسلحين الذين يرابطون على جبهات مختلفة.

ويعتبر المراقبون أن الجولاني قفز الى القمة بسرعة قبل التمكين وأسس لخلاف مسلح بين الفصائل حتى قبل استلام السلطة، واستطاع الوصول الى ما عجزت روسيا عن الحصول عليه. وكانت موسكو تطلب من واشنطن على مدى أكثر من عام فصل المعارضة المعتدلة عن «الجهاديين». فها هو الجولاني يحقق الحلم الروسي ليطلق رصاصة الرحمة على الاجتماعات التي ستضم ممثلين ضعفاء عن المعارضة لا يمتلكون الأرض، وأطلق رصاصة الرحمة على رأس الثورة السورية ليقدمها على مذبح باب توما الدمشقي… إنها ليست المرة الأولى التي تتقاتل فيها الفصائل السورية المعارضة ولكنها المرة الحاسمة.