Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر December 13, 2016
A A A
جريمة في الكنيسة.. تُفجَع بها مصر
الكاتب: مصطفى بسيوني - السفير

تفجير بحزام ناسف، هكذا حسم رئيس الجمهورية بنفسه التكهّنات حول تفجير الكنيسة البطرسية الذي وقع أمس الأول الأحد، في توقيت مريب بالتزمن مع احتفالات مصر والعالم الاسلامي بعيد المولد النبوي، مؤكداً، في كلمته الرسمية خلال تقدّمه الجنازة الرسمية التي أُقيمت ظهر أمس الاثنين لضحايا الحادث، أن منفذ العملية يدعى محمود شفيق محمد مصطفى، وعمره 22 عاماً، وأنه تمّ القبض على ثلاثة من المُتورّطين في العملية، بالإضافة لسيدة وجار البحث عن آخرين. ونفى السيسي، خلال كلمته، أن يكون الحادث قد وقع بسبب خلل في الإجراءات الأمنية، مؤكداً تحقيق نجاح كبير في مواجهة الإرهاب، وخاصّة في سيناء، موضحاً أن العملية تُعبّر عن إحباط الجماعات الإرهابية. ودعا السيسي، خلال كلمته، البرلمان للتحرّك لتعديل القوانين التي تكفل الحسم في مواجهة الإرهاب.

الجنازة الرسمية التي تقدّمها رئيس الجمهورية أمس لتشييع ضحايا العملية الإرهابية التي فجع بها المصريون، حضرها إلى جانب بطريرك الكرازة المرقسية البابا تواضروس، رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء ورئيس مجلس النواب وعدد كبير من نواب البرلمان، بالإضافة إلى عدد كبير من المسؤولين والشخصيات العامة.

التفجير الذي شهدته الكنيسة البطرسية الملاصقة للكتدرائية، صباح أمس الأول الأحد، وراح ضحيته حوالي 25 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وأُصيب أكثر من أربعين، هو الأكبر من نوعه منذ حادث كنيسة القديسين الذي وقع في نهاية كانون الأول 2010، وراح ضحيته حوالي 20 شخصاً.

ولكن الأهم من ذلك، أن الحادث وقع في مكان محتمل ووقت محتمل، ما أثار التساؤلات حول آليات تأمين الكنائس والأهداف المحتملة للضربات الإرهابية، خاصّة أن الحادث سبقه استهداف كمين للداخلية صباح يوم الجمعة الماضي، راح ضحيته ستة من رجال الشرطة.

الإحساس بالتقصير من جانب أجهزة الأمن في حماية الكنائس، جعل ردّ الفعل القبطي غاضباً. فرفض الأقباط، الذين تجمّعوا في محيط الكنيسة عقب الحادث، استقبال عدد من المسؤولين الذين توجّهوا إلى الكنيسة، ومنهم وزير الداخلية. كما تصدّى المتظاهرون الأقباط في محيط الكنيسة لعدد من الإعلاميين المحسوبين على النظام ورفضوا وجودهم هناك.

حالة الغضب التي أعقبت الحادث ظهرت في هتافات المتظاهرين أمام الكنيسة، والتي حمّلت السلطة مسؤولية الحادث، كما هتف المتظاهرون ضدّ حضور الرئيس السيسي قداس عيد الميلاد المقبل في الكاتدرائية أسوة بالعامين السابقين.

حالة الغضب التي ظهرت بين الأقباط عقب الحادث، صاحبتها إدانة واسعة من قبل الأحزاب والقوى السياسية المصرية للحادث الإرهابي، حتى أن جماعة «الإخوان المسلمين» التي تتّهمها الدولة بالوقوف خلف التنظيمات الإرهابية دانت الحادث وأعلنت رفضها له، كما شملت إدانة عدد من الأحزاب للحادث، مُطالبة بعدم الاقتصار على الأدوات الأمنية لمواجهة الإرهاب، وضرورة تحسين المناخ السياسي.

ومن ناحية أخرى، بدأت وسائل الإعلام المؤيدة للنظام عقب الحادث مباشرة، في المطالبة بإعلان حالة الطوارئ وتعديل قانون الإجراءات الجنائية لتسريع إجراءات التقاضي، وبالتوسّع في إحالة المُتّهمين في جرائم الإرهاب للمحاكمات العسكرية، في ما يبدو توظيفاً للحادث لمصلحة تشديد الإجراءات الأمنية، وهو ما دعمه بالفعل حديث السيسي في الجنازة.

الحديث عن أي ثغرات أمنية، رفضه الخطاب الرسمي بحسم، فور وقوع الحادث في محاولة لنفي المسؤولية عن أجهزة الأمن.
الوكيل الأسبق لجهاز مباحث أمن الدولة اللواء فؤاد علام يقول في حديثه لـ «السفير»: «الثغرات لا توجد إلا في عقول من يدّعون أن الحادث وراءه خلل أمني. ومن يُردّد هذا الحديث إما جاهل، أو عميل يُريد زعزعة الثقة في الأجهزة الأمنية».

ويضيف علام: «هناك بروتوكول بين الكنيسة ووزارة الداخلية، تقوم بموجبه الأخيرة بتأمين المدخل الرئيسي، بينما يقوم الأمن الإداري التابع للكنيسة بتأمين الأبواب الجانبية. والتحقيقات ستُحدّد ما إذا كان النفاذ للكنيسة حدث عبر البوابة الرئيسية التي تخضع للداخلية، أو البوابات الجانبية. ولكن يجب عدم تحميل الشرطة مسؤولية كل حادث إرهابي».

ويوضح علام: «مُواجهة الإرهاب ترتكز على عدة محاور أحدها المحور الأمني، ولكن هناك أيضاً المحاور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإعلامية والدينية، وهذه المحاور تُلقي بمهام كبيرة على عدد من الوزارات والجهات وليس فقط جهاز الشرطة، والمُسارعة إلى تحميل الداخلية المسؤولية، يعني إعفاء أجهزة الدولة المتبقية من مسؤوليتها، واقتصار مواجهة الإرهاب على الداخلية فقط. ولكن مهما بلغت قدرات الأمن فلن يتمكّن وحده من مُواجهة الإرهاب، ما لم تقم كل الجهات بمسؤوليتها».

44d0c676-a48e-4f85-8e6d-29a0eaa49f9c
مصرع 25 شخصاً خلال أداء الصلاة بالكنيسة، حدث يبعث على الغضب في كل الأحوال بغضّ النظر عن تقصير أمني من عدمه. الباحث في الشؤون القبطية في «مركز المبادرة المصرية للحقوق الشخصية» إسحاق إبراهيم يقول لـ «السفير» : «رد الفعل الغاضب طبيعي وتلقائي للغاية. فالوصول للمُصلّين في الكنيسة وقتلهم، أمر يبعث على الإحساس بالخطر، ويوحي بأنه لا مكان آمنا. لذا فمن الطبيعي أن يُعبّر الكثير من الأقباط عن غضبهم، ويُطالبوا الدولة بالتحرّك للقيام بواجبها في حمايتهم».

ويضيف إبراهيم: «الأمر لا يتعلّق لا بإصدار قوانين جديدة ولا إحالة لمحاكم عسكرية، الأمر يتعلق بتطبيق القانون الموجود بالفعل. ففي قانون العقوبات ما يكفي للردع، ولكن هناك أهمية للقيام بالتحقيقات وجمع المعلومات بحرفية واقتدار، حادث كنيسة القديسين الذي وقع في عام 2010، لم تُنتج التحقيقات فيه شيئاً حتى الآن، وهذا لا علاقة له بالقوانين بل بالكفاءة».

هذا ما يؤكده أيضاً عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج اسحاق لـ «السفير» قائلاً: «أولاً لست مع الاعتداء الذي وقع في محيط الكنيسة على بعض الإعلاميين. ولكن لا بد أن يأخذوا درساً مما حدث. فمجاملة بعض الإعلاميين للسلطة، وبعدهم عن الموضوعية والإنصاف، وكيلهم الاتهامات بالخيانة والعمالة لكل من يُعارض، أمور تترك أثراً سيئاً في نفس الجمهور».

ويضيف اسحاق: «لحادث مثّل صدمة شديدة والشعب كله حزين، ويجب ألا يمرّ من دون مُحاسبة، هناك تقصير ويجب محاسبة المُقصّرين. ليس صحيحاً أن المسؤول عن الأمن كشافة الكنيسة، وما نعرفه أن الداخلية تحتاج منذ فترة كبيرة لرفع الكفاءة والتطوير، ومحاربة الإرهاب بالطرق القديمة لن تجدي. نعم الإرهاب موجود في كل العالم، ولكن طرق مواجهته أيضا تتطوّر في كل العالم».
ويضيف اسحاق: «لا ينبغي أبداً أن نُواجه العنف بالعنف، لأن ذلك سيؤدي لعواقب وخيمة. من يُخالف القانون يُعاقَب بالقانون، وما تدعو له بعض القنوات من تطبيق للطوارئ أو الإحالة للمحاكم العسكرية ليست سوى موجة لن تُسهم أبداً في مكافحة الإرهاب. فمكافحة الإرهاب تبدأ بالفكر، ولا يُمكن الاعتماد على المواجهة الأمنية فقط».

الإرهاب اختتم العام 2016، والضحايا كانوا من الأقباط، تماماً كما اختتم الإرهاب العام 2010 بضحايا كنيسة القديسين، في نهاية عهد مبارك، وبين العهدين كان الأقباط ضحايا لمذبحة ماسبيرو واضطهاد الجماعات الدينية والثقافة الطائفية. وعلى الرغم من الكشف السريع عن هوية مُنفّذ الهجوم الإرهابي، إلا أن استمرار اقتصار المُواجهة مع الإرهاب على الصعيد الأمني، في ظلّ سيطرة الأفكار نفسها التي تحبس أدباء وباحثين بتهمة ازدراء الأديان، وفي ظلّ استخدام الدولة للمؤسسات الدينية وتوظيفها سياسياً، وفي ظلّ مناخ سياسي مُغلق وقبضة أمنية مُحكمة، أمور تجعل نتيجة تلك المواجهة ليست محمودة العواقب.
***

ef4bd9f9-05f1-4be6-87c4-971e775bae64
مصرية تنتحب خلال تشييع ضحايا التفجير الانتحاري في الكنيسة البطرسية في القاهرة أمس (ا ف ب)