Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر January 6, 2022
A A A
جردة حساب حول تعاميم المركزي: حكاية الدولار والهيركات
الكاتب: الدكتور محمود جباعي - العهد

يستمر تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية في السوق الموازية بسبب تحليق سعر صرف الدولار الذي تخطى في العام الجديد حاجز الـ 30 الف ليرة لكل دولار واحد بفعل حالة الفلتان النقدي المستمرة اثر سياسات المصرف المركزي النقدية التي كان من الواضح لجميع المراقبين أنها سوف تساهم في تدمير العملة الوطنية بشكل ممنهج مع مرور الوقت. فالتعاميم المختلفة كانت تحمل في طياتها اجحافًا واضحًا في حقوق المودعين والأخطر أنها كانت تبيح السوق السوداء للمضاربين وتشرع للمركزي زيادة الكتلة النقدية في الليرة اللبنانية من أجل ضخها في الأسواق بدلًا من الدولار الأميريكي مع ابتداع مصطلح “اللولار” أي استبدال دولار المودعين بالليرة اللبنانية وفق سعر أدنى بكثير من السعر الفعلي مما مهد لاجراء هيركات تراوحت نسبته بين 70 و 80 بالمئة من قيمة الوديعة في معظم الأحيان.

تأثير التعاميم على سعر صرف الدولار وعلى أموال المودعين

التعاميم المختلفة لم تعطي أي صدى نقدي ايجابي بل كانت دائمًا تساهم بشكل ممنهج ومستمر في تدمير قيمة الليرة اللبنانية من جهة وفي سلب أموال المودعين من جهة أخرى، وفي ما يلي نناقش أبرزها:

1 – التعميم 151 الذي يقضي باستبدال الدولار الأميركي بالليرة اللبنانية على سعر 3900 ليرة للدولار الواحد قبل أن يتم رفع السعر مؤخرًا الى 8000 ليرة للدولار الواحد. هذا التعميم ساهم في ضخ عشرات مليارات الليرات في الأسواق مما خلق عدم توازن بين الكتلة النقدية في الليرة اللبنانية والكتلة النقدية الدولارية المتاحة، وساهم في حصول انفلاش غير مسبوق للعملة الوطنية التي تخطت قيمتها حاليًا الـ 50 ألف مليار ليرة في الأسواق كحد أدنى. كل ذلك ساهم في انهيار سعر صرف الليرة التي فقدت قيمتها بفعل كثرتها وكذلك ساهم التعميم في خسارة المودعين لأكثر من 70% من قيمة أموالهم المسحوبة من المصارف بفعل الهيركات الواضح وهو الفرق بين السعر الرسمي أي 3900 أو 8000 والسعر الفعلي الذي تخطى اليوم الـ 30000 ليرة للدولار الواحد.

2 – التعميم 154 الذي أجبر المصارف على زيادة رأسمالها بالدولار الأميركي الأمر الذي دفعها الى اللجوء للسوق السوداء مما رفع حجم الطلب على الدولار بشكل كبير بعد دخول المصارف كمضارب قوي ضد العملة الوطنية. هذا الأمر ساهم في رفع سعر الدولار من 7000 ليرة الى أكثر من 15000 ليرة حينها بعد ضخ المزيد من العملة الوطنية في الأسواق لاستبدالها بالدولار مما ساهم أيضًا في انفلاش حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية ما أضعف قيمتها مقابل العملات الأجنبية.

3 – التعميم 158 الذي ينص على اعطاء المودعين 400 دولار شهريًا فريش و400 دولار على سعر 12000 ليرة للدولار على أن لا يتجاوز حجم المبلغ المستفاد منه الـ 50 ألف دولار أميركي على مدة 5 سنوات. هذا التعميم يعتبر الأفضل بين التعاميم السابقة لجهة إعطائه نصف المبلغ المسموح به بالفريش دولار. إلا أنه أيضًا يعطي النصف الآخر بالليرة اللبنانية على سعر 12000 ليرة للدولار أي أكثر بـ 3 مرات من قيمة السحوبات التي كانت لمدة طويلة على 3900 للمستفيدين من التعميم 151. هذه الخطوة ساهمت أيضًا باتساع رقعة الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية مما أفقد عمليًا الانعكاس الايجابي لضخ الدولارات لأن المبالغ المعطاة بالليرة هي نفس قيمة المعطاة بالدولار تقريبًا، علمًا أن هذا التعميم يعتبر جيدًا نوعًا ما لأصحاب الودائع الصغيرة رغم وصول نسبة الهيركات فيه الى حدود الـ 30 % من قيمة المبالغ المسحوبة.

4- التعميم 161 الذي ينص على احتساب قيمة المبلغ المسموح سحبه على سعر 8000 ليرة ومن ثم قسمته على سعر منصة صيرفة مما رسخ نسبة الهيركات فيه بحوالي 67% حسب سعر صرف الدولار الفعلي في السوق الموازي. هذا التعميم لم ينجح في تخفيض سعر صرف الدولار بسبب قلة القيمة المعطاة من الدولار الأميركي بالمقارنة مع قيمة العملة الوطنية التي يضخها المركزي بعد طباعتها الى الأسواق عبر شركات تحويل الأموال والصرافين فئة (أ) والمصارف التجارية وهذا ما يفسر ارتفاع الدولار الى أكثر من 30 ألف ليرة في اليومين الماضيين.

الواضح أن معظم التعاميم والسياسات المعتمدة من قبل مصرف لبنان المركزي لم تساهم أبدًا في حماية الليرة اللبنانية بل ساهمت حصرًا في تدهور قيمتها وهذا الأمر نعتقد أنه مقصود من أجل إطفاء الخسائر على حساب المودعين والمواطنين وهو ما شرحناه في عدة مقالات سابقة.