Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر July 31, 2021
A A A
جدية الضغط الخارجي على المحك
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

لم تمض سوى بضعة ايام على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي على خلفية زخم خارجي اميركي وفرنسي في اتجاه المملكة العربية السعودية اقتنع كثر انه كان على الرئيس سعد الحريري انتظار نتائجه وعدم الاعتذار حين قام بذلك نتيجة الحاجة الى مفاعيل كانت ستبرز بعد وقت قصير لهذا الزخم. ترافق تكليف ميقاتي مع ضخ ايجابي على خلفية ان العهد حقق مراده من ابعاد الحريري بعد تسعة اشهر من المماحكات وهو امام احتمالين: اما السعي الى استلحاق ما تبقى من عهده بتسهيل تأليف حكومة ينتظرها الخارج بقوة من اجل المساعدة في منع انهيار لبنان او الذهاب الى التشدد نفسه ما دامت نجحت سياسته في العرقلة كما تنجح دوما وحصل على ما اراده على رغم التسمية النيابية للحريري والدعم الخارجي للاخير من اجل تحقيق ما يرمي اليه من العرقلة في حال اخذ كلام رئيس تياره جبران باسيل قبل ايام في الاعتبار عن انتهاء الجمهورية الثانية والذهاب الى الجمهورية الثالثة كما قال.
والاصرار على الشروط نفسها تغذي الاقتناع بان الاهداف تكمن في التحكم بالانتخابات النيابية وادارة مرحلة فراغ رئاسي يتم تعمد الكلام عنها كما لو انها ستكون امرا واقعا بدلا من الذهاب الى انتخابات رئاسية تماما على الخلفية نفسها التي ادت الى انتخاب عون للرئاسة . ومن المؤسف بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية مراقبة في ذكرى السنة على تفجير المرفأ وما رافقه من المزيد من انهيار البلد على كل المستويات في ظل حكومة اللون الواحد برئاسة حسان دياب ان تبقى شروط رئيس الجمهورية وفريقه تتقدم اي مطلب بتأليف حكومة لانقاذ البلد كما لو ان العهد ليس معنيا بكل تداعيات الانهيار او لا يراها ويشعر بها. لذلك سارعت هذه المصادر الى فرملة تفاؤلها الحذرعلى هذه الخلفية .
يسأل البعض لماذا قد تنجح الضغوط والمساعي الدولية لانتاج حكومة مع ميقاتي ولم تنجح لما يقارب السنة تقريبا منذ استقالة حكومة دياب بعد انفجار المرفأ؟ فهناك تراجع لعون عن شرط الاختصاصي في رئاسة الحكومة كما رفعه في وجه الحريري بذريعة عدم صلاحية الاخير في ترؤس حكومة اختصاصيين كما ان القضاء الموالي لعون كان رفع في وجه ميقاتي ملفا قضائيا، بغض النظر عن صحته من عدمه، واثاره بعض نواب التكتل النيابي الموالي له، لكن عون لم يرفعه في وجه ميقاتي بل اشترط تدقيقا جنائيا بما يثير تساؤلات عن المعايير التي يستلها حين يشاء . ولكن المعيار لنجاح ميقاتي لا يكمن في عدم خضوعه لشروط عون فحسب بل في حكومة لا تظهر فيها سيطرة فريق ٨ أذار على الحكومة بما يمكنه من الحصول على ثقة الداخل كما ثقة الخارج العربي في شكل خاص.
يعتقد هذا البعض انه اذا لم تنجح الضغوط الغربية اي الاميركية والفرنسية في فرض تأليف حكومة جديدة، فان في الامر ثلاثة احتمالات : اما ان هذا التأثير او الضغط الغربي ودوما وفق اسلوب العصا والجزرة كلامي اكثر منه عملاني، او ان هذا التأثير الذي سعى الى اكمال نفسه بادخال المملكة السعودية على الخط يفتقد الى طرف اخر مؤثر هو ايران او ان الغرب مدرك ان الحكومة على اهميتها ليست الحل ، ولو انها تمرر المرحلة بخسائر اقل . لكن هناك نظرية بان الخارج لا يمانع بانهيار البلد على خلفية ان يأخذ في طريقه السلطة السياسية التي لا تزال تتكيء بدورها في المقابل على منع الخارج انهيار لبنان . واذا كان التدخل الغربي والاستدراج السعودي هو تحت عنوان منع انهيار لبنان وفقا لما تريده وتسعى اليه ايران او لا تمانع في حصوله ، فمن غير المنتظر ان يكون التأثير الخارجي فاعلا كليا على الاقل .
و يعتقد هؤلاء ووفقا لبعض السقوف التي ارتفعت بين المطالبة بالفدرالية او اعادة صياغة الكيان اللبناني بصيغة او نظام حكم جديد او بنعي الجمهورية الثانية والمطالبة باخرى ثالثة وجود سعي لا يتوقف من اجل البناء على اتفاق الدوحة الذي يعتبر بجدارة في اساس ما يواجهه لبنان اليوم من مشكلات. اذ لا يزال الاعتقاد ان هناك ميزان قوى راجحا في مصلحة المحور الايراني والذي يدور في فلكه اعادة انتاج نظام بشار الاسد ومحاولة انتاج صيغة لبنانية على خلفية ان ميزان القوى هذا قد يطيح اتفاق الطائف ويؤسس لاتفاق اخر ويكمل الدائرة عبر صلاحيات جديدة تناقض ما ورد في اتفاق الطائف.
هذه العناصر كانت في صلب التحذيرات التي اطلقها البطريرك الماروني مار بشارة الراعي ليغدو بعد ذلك التساؤل قائما حول ما اذا كانت هذه المخاوف يمكن ان تتبدد بمجرد تأليف الحكومة. وهذا ما تعتقده المصادر الديبلوماسية المراقبة على خلفية ان تأليف الحكومة يعيد وضع لبنان على المسار المطلوب والصحيح وعدم تأليفها سيضع البلاد على مسار مختلف كليا لا يتعلق بالانهيار على كل المستويات فحسب بل بتوجه مقصود لاحداث او تنفيذ انقلاب لم يتح تنفيذه في وقت سابق.
ومن المفارقات اللافتة ان رؤساء بعثات ديبلوماسية مؤثرة لا يرون افقا لهذا المسعى راهنا لان كل الجهد الذي بذل لتأليف حكومة لا تزال غير واضحة نتائجها، يتطلب اضعافا مضاعفة لتأمين ما يسميه البعض انتقالا الى جمهورية ثالثة او حتى الى اتفاق دوحة جديد. فهذا ليس مطروحا على اي جدول اعمال لاي دولة بمن فيهم فرنسا التي رفضت حوارا على غرار مؤتمر سان كلو ، في حين ان الكثير من الصراع القائم يندرج فحسب تحت عنوان الانتخابات الرئاسية المقبلة كما الصراع على الحصص النيابية المقبلة في ظل محاولات من اجل تجييش للطوائف نظرا الى اعتقاد زعمائها بان التسعير الطائفي وحده ما يؤمن حشد المناصرين وتوسيع دائرة الناخبين.