Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر February 13, 2024
A A A
ثورة الذكاء الاصطناعي… آفاقها وأثرها على حياة الإنسان
الكاتب: سبوتنيك

لطالما كان التغيّر بما ينطوي عليه من تطور أو انحدار السمة “الأكثر ثباتا” في حياة الإنسان، فما كان يبدو منذ أعوام ضربا من خيال، أضحى الآن في متناول أيادي الجميع حتى الأطفال.
وينطبق هذا على مختلف المجالات، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات، المجال الأسرع تغيرا وتغلغلا في تفاصيل حياة الناس، ولعل ما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي” وما أحدثه من ثورة في عالم التكنولوجيا والأعمال هو الأكثر وضوحا وتأثيرا في هذه الأيام.
الذكاء الاصطناعي (AI):
يشير مصطلح الذكاء الاصطناعي في جوهره إلى محاكاة الذكاء البشري في الآلات المُبرمجة للتفكير والتعلم وحل المشكلات بشكل مشابه لما يفعله الإنسان، إذ صُممت أنظمته لتقليد الوظائف المعرفية للإنسان مثل التعلم والتفكير وحل المشكلات والإدراك وفهم اللغة.

ويشتمل ذلك على مجموعات فرعية متنوعة، كالتعلم الآلي (ML)، والتعلم العميق (DL)، ومعالجة اللغات الطبيعية (NLP)، والرؤية الحاسوبية، وغيرها الكثير.
إذ يمثل التعلم الآلي فرعا بارزا من الذكاء الاصطناعي يمكّن الآلات من التعلم من أنماط البيانات وتحسين أدائها دون الحاجة إلى برمجة واضحة، في حين يتضمن التعلم العميق، وهو مجموعة فرعية من تعلم الآلة، شبكات عصبية معقدة قادرة على معالجة كميات هائلة من البيانات لاتخاذ قرارات أو تنبؤات.

وتركّز معالجة اللغات الطبيعية على تمكين الآلات من فهم اللغة البشرية وإعادة توليدها، وتسهيل تطوير برامج الدردشة الآلية (البوت)، والترجمة اللغوية، وتحليل المشاعر.

كما أصبح معروفا فإن حياتنا في العصر الحديث تعتمد إلى حد كبير على التكنولوجيا، ويكاد يكون من المستحيل التفكير فيها بعيدا عن الحواسيب والتكنولوجيا، إذ أصبح الذكاء الاصطناعي ذا أهمية متزايدة في حياتنا اليومية، وأضحى بإمكانه أتمتة المهام الروتينية المستهلكة للوقت، ما يتيح لنا التركيز على أنشطة أكثر أهمية، كما يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل كميات هائلة من البيانات لتخصيص المنتجات والخدمات والتجارب. علاوة على ذلك، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحفيز الابتكار في مختلف الصناعات، كالتمويل والتجارة والتعليم وغيرها من المجالات.
تطبيقات الذكاء الاصطناعي
لم يعد انتشار تطبيقات الذكاء الاصطناعي مقتصرا على المجال التعليمي فحسب، بل تخطاه إلى مجالات عدة، ليشمل الصحة والصناعة والملاحة والتسويق والتجارة والخدمات المصرفية والمالية وغيرها الكثير.
فعلى سبيل المثال يُستخدم في مجال الرعاية الصحية على نطاق واسع، ويمكن أن يتفوق على الإدراك البشري في تحليل البيانات الطبية المعقدة وتشخيص الأمراض والكشف المبكر عنها وتوفير الوقت وتحسين الرعاية الطبية، كما أن استخدام الروبوتات من شأنه أن يقلل من العمالة البشرية ويوفر الجهد، وربما يكون قادرًا على إجراء عمليات للمرضى دون الحاجة إلى إشراف بشري.

وفي مجال التعليم يتمتع الذكاء الاصطناعي بالقدرة على أن يكون فعالاً للغاية، إذ يمكنه توفير طرق مبتكرة لتعليم الطلاب، وفيما يخص التسويق فإنه يوفر للمسوقين معرفة عميقة بالمستهلكين والعملاء المحتملين من خلال تمكينهم من تقديم المعلومات في الوقت المناسب، كما يمكّن المسوقين من تحسين حملاتهم الدعائية واستراتيجياتهم.
أما في الزراعة، فيمكن استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي للكشف عن الأمراض التي تصيب النباتات والآفات وسوء تغذية النبات. وبمساعدته، يمكن للمزارعين تحليل الظروف الجوية ودرجة الحرارة وإمكانية استخدام المياه وحالة التربة.

وفيما يتعلق بالخدمات المصرفية فمن الممكن اكتشاف الأنشطة الاحتيالية من خلال حلول الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن لروبوتات الذكاء الاصطناعي ومستشاري الدفع الرقمي إنشاء خدمة عالية الجودة.

 

 

الذكاء الاصطناعي والتعرف على الكلام ومعالجة اللغة الطبيعية
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخاصة خوارزميات التعلم الآلي، لتطوير نماذج يمكنها تحليل وفهم الكلام والنصوص البشرية، حيث تُدرّب هذه النماذج على كميات هائلة من البيانات المصنفة، ما يمكّنها من التعرف على الأنماط وإجراء التنبؤات.
وتعمل تقنيات التعرف التلقائي على الكلام (ASR) المدعومة بالذكاء الاصطناعي على تحويل اللغة المنطوقة إلى نص مكتوب، مستخدمة خوارزميات التعلم العميق، مثل الشبكات العصبية المتكررة (RNNs) والشبكات العصبية التلافيفية (CNNs)، ويتضمن تدريب هذه النماذج تزويدها بمجموعات بيانات صوتية كبيرة مرفقة بالنصوص المقابلة لها، ما يسمح للنظام بمعرفة الارتباطات بين أصوات الكلام والنص.

 

في حين تستخدم تقنيات معالجة اللغات الطبيعية (NLP) لفهم اللغة البشرية وتفسيرها، وتشمل البرمجة اللغوية العصبية مهام مختلفة، كالتحليل النحوي والتحليل الدلالي والتعرف على الكيانات وتحليل المشاعر وغيرها. يتم تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل الشبكات العصبية المتكررة، والنماذج اللغوية الكبيرة (مثل BERT، وGPT)، وبنيات التعلم العميق، على مجموعات نصية ضخمة لفهم بنية اللغة وسياقها ومعناها.
كما يساعد الذكاء الاصطناعي في استخلاص المعنى والقصد من اللغة الطبيعية (الفهم الدلالي)، من خلال استخدام تقنيات مثل تصنيف الأدوار الدلالية وتحليل التبعية وتحديد الكيانات والعلاقات والمعنى المقصود من الجمل، في حين تستفيد “أنظمة الحوار” من نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم نية المستخدم، واستخراج المعلومات ذات الصلة، وتقديم استجابات دقيقة وواعية بالسياق.

إن التطور السريع للذكاء الاصطناعي، الذي يرجع في المقام الأول إلى قدرته على معالجة كميات ضخمة من البيانات بشكل أسرع بكثير وتقديم تنبؤات أكثر دقة مما يمكن للإنسان فعله، يُرافقه العديد من المزايا والتحديات في الوقت ذاته.
فيما يلي بعض مزايا الذكاء الاصطناعي:
تقليل الوقت اللازم للمهام التي تتطلب الكثير من البيانات: يُستخدم الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في الصناعات كثيفة البيانات، بما في ذلك الأعمال المصرفية والأوراق المالية والأدوية والتأمين، لتقليل الوقت الذي يستغرقه تحليل مجموعات البيانات الضخمة. على سبيل المثال، تستخدم الخدمات المالية الذكاء الاصطناعي بشكل روتيني لمعالجة طلبات القروض واكتشاف الاحتيال.
تقليل العمالة وزيادة الإنتاجية.
تسليم نتائج متسقة: توفر أفضل أدوات الترجمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي مستويات عالية من الاتساق، ما يوفر حتى للشركات الصغيرة والأفراد القدرة على الوصول إلى العملاء بلغتهم الأم.
تحسين رضا العملاء من خلال التخصيص. يمكن للذكاء الاصطناعي تخصيص المحتوى والرسائل والإعلانات والتوصيات ومواقع الويب للعملاء الأفراد.
فيما لا تزال بعض العيوب تواجه الذكاء الاصطناعي، ومنها:
التكلفة المرتفعة.
الخبرة الفنية العميقة المطلوبة.
تحيزات بيانات التدريب.
عدم القدرة على التعميم أحيانا.
تقليص عدد الوظائف المعتمدة على البشر، وزيادة معدلات البطالة.

يُتوقع أن يؤدي الانبهار الثقافي الأولي بالذكاء الاصطناعي التوليدي المبكر إلى نتائج أعمال ملموسة في العام الحالي. حيث تُحدث هذه التكنولوجيا، التي تتضمن القدرة على معالجة وإنشاء محتوى النصوص والصوت والفيديو، ثورة في كيفية قيام الشركات بتعزيز الإنتاجية والابتكار وتحفيز الإبداع، وذلك من خلال تطوير العمل على:
– التخصيص وفقا لمتطلبات المؤسسات
إن تخصيص الذكاء الاصطناعي للمؤسسات آخذ في الارتفاع، حيث تتبنى الشركات تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدية المصممة لها خصيصًا، ويشير هذا الاتجاه إلى التحرك نحو حلول أعمال أكثر كفاءة. على سبيل المثال، قد تتبنى سلسلة بيع بالتجزئة عالمية نماذج ذكاء اصطناعي خاصة بالمنطقة يتم تدريبها على البيانات فيها، مثل تفضيلات العملاء والفروق الثقافية الدقيقة، ما يؤدي إلى تفاعلات شخصية للغاية مع العملاء، ويعكس القيم الثقافية لكل سوق.
ومن المتوقع أن يمتد هذا الاتجاه إلى مختلف الصناعات، الأمر الذي يحول الذكاء الاصطناعي من أداة عامة إلى أصل استراتيجي حيوي، تعتمد عليه الشركات بشكل متزايد لإشراك العملاء وزيادة الكفاءة التشغيلية والقدرة التنافسية في السوق، ما يؤدي بدوره إلى مشهد أعمال ديناميكي حيث يغذي الذكاء الاصطناعي الابتكار ويعالج تحديات السوق والتشغيل المحددة.

 

– نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة المصدر
يتوقع أن تكتسب نماذج الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر والمدربة مسبقًا قوة جذب كبيرة في العام الحالي، ما سيمكن الشركات من تسريع النمو من خلال الجمع بين هذه النماذج والبيانات الخاصة أو في الوقت الفعلي، وتعزيز الإنتاجية والفعالية.
ومن المساهمات الجديرة بالذكر نموذج الأساس الجغرافي المكاني للذكاء الاصطناعي (بينIBM وNASA)، وهو الأكبر من نوعه على منصة Hugging Face، ويتضمن نماذج مدربة مسبقًا تستخدم بيانات الاستشعار عن بعد يمكن ضبطها بدقة لمهام مختلفة، وأظهرت هذه النماذج فعاليتها في تطبيقات مختلفة مثل رسم خرائط الكوارث، ومراقبة التغير البيئي.

 

– الخدمات المصغّرة المبنية على واجهة برمجة التطبيقات
سيؤدي انتشار واجهات برمجة التطبيقات (APIs) إلى تبسيط إنشاء تطبيقات معقدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ما يعزز الإنتاجية عبر مختلف القطاعات.
– الذكاء الاصطناعي التوليدي المتعدد الوسائط
إن الانتقال من الذكاء الاصطناعي التوليدي القائم على النص إلى اللغة المتعددة الوسائط، يعد بتكامل النص والصوت والصور باستجابات ذات صلة بالسياق ويعزز الابتكار عبر قطاعات متنوعة. على سبيل المثال، في أثناء مكالمة خدمة العملاء، يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل الطلب المنطوق للعميل وتفسير وثائقه المالية وتقييم تعابير وجهه في استشارة عبر الفيديو. ومن خلال تجميع نقاط البيانات هذه (الكلام والنص والإشارات المرئية)، يمكن للذكاء الاصطناعي تقديم مشورة مالية أكثر تخصيصًا ودقة.

 

مع تزايد اندماج الذكاء الاصطناعي في حياتنا، يزداد التركيز على سلامة الذكاء الاصطناعي وأخلاقياته، حيث تتعاون المؤسسات المتخصصة الرائدة لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي قوية مع بروتوكولات أمان موحدة وممارسات أفضل للمساعدة في ضمان الاستخدام الأخلاقي للذكاء الاصطناعي.
وفي حين تقدم أدوات الذكاء الاصطناعي مجموعة من الوظائف “السحرية” الجديدة، فإن استخدامها يثير أيضًا أسئلة أخلاقية، “لأنها، ببساطة، تعزز ما يفعله المستخدم، سواء للأفضل أو الأسوأ”.
قد يشكل هذا مشكلة لأن خوارزميات التعلم الآلي، التي تدعم العديد من أدوات الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدمًا، تكون ذكية بقدر البيانات المقدمة لها في التدريب، ونظرًا لأن الإنسان يختار البيانات المستخدمة لتدريب برنامج الذكاء الاصطناعي، فإن احتمال التحيز للتعلم الآلي أمر متأصل ويجب مراقبته عن كثب.
وينبغي لأي شخص يتطلع إلى استخدام التعلم الآلي كجزء من أنظمة الإنتاج في العالم الحقيقي مراعاة الأخلاقيات في عمليات التدريب والسعي لتجنب التحيز. وينطبق هذا بشكل خاص عند استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي لا يمكن تفسيرها بطبيعتها في تطبيقات التعلم العميق وشبكات الخصومة التوليدية “الشبكات التوليدية التنافسية” (GAN).
يمكن تلخيص التحديات الأخلاقية التي يواجهها الذكاء الاصطناعي بما يلي:
التحيز بسبب الخوارزميات المدربة بشكل غير صحيح والتحيز البشري.
سوء الاستخدام بسبب تقنيات “التزييف العميق” (deepfake) والتصيد الاحتيالي.
المخاوف القانونية، بما في ذلك قضايا التشهير وحقوق الطبع والنشر التي يعتمدها الذكاء الاصطناعي.
التأثير على بعض الوظائف بسبب تزايد قدرات الذكاء الاصطناعي.
المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات، لا سيما في المجالات المصرفية والرعاية الصحية والقانونية.

 

 

وتظل أفضل السبل لتفعيل ووضع معايير لاختبار هذه التحديات الأخلاقية سؤالا مفتوحا، وخاصة بالنسبة للتعلم الآلي، إذ إن مجرد جعل كود الخوارزمية (الشِفرة البرمجية) شفافًا لا يكفي لضمان السلوك الأخلاقي.
ويمكن اعتبار التدقيق الذي يجريه معالجو البيانات أو الباحثون التجريبيون إحدى الطرق الممكنة لتحقيق قابلية التفسير الصحيح والحياد والأهداف الأخلاقية الأخرى في أنظمة الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال دراسات التدقيق اللاحقة أو دراسات مرحلتي التطوير والاختبار، أو آليات إعداد التقارير المصممة في الخوارزمية نفسها، ما من شأنه أن يساعد في اتخاذ القرارات الآلية المعقدة لتحليل القرارات الإشكالية، أو الكشف عن التحيّز أو الأضرار الأخرى.
في الختام، وكأي أداة جديدة، قد يحمل الذكاء الاصطناعي معه الفائدة أو الضرر تبعا لطريقة استخدامه، فهو “سلاح ذو حدين”، يمكننا الاستفادة منه في إنجاز المهام المعقدة وتسهيل الحياة، أو قد يودي بنا الاستخدام المظلم له إلى ما لا تحمد عقباه.