Beirut weather 16.41 ° C
تاريخ النشر January 11, 2025
A A A
ثلاث مراحل قبل البحث بسلاح المقاومة
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”:

مَن يقرأ خطاب القَسَم لرئيس الجمهوريّة بتمعّن، سوف يجد خريطة طريق لتحويل حق الدولة باحتكار السلاح من مجرد التأكيد الحقوقي الى جعله سياسة وخطة عملية، وخلافاً لما يتحدّث عنه خصوم المقاومة مردّدين السردية الإسرائيلية، من اعتبار نزع السلاح من المقاومة شرطاً لتنفيذ الالتزامات الإسرائيلية في اتفاق وقف إطلاق النار، وصولاً لإعلان هؤلاء تسامحهم تجاه أي اعتداء إسرائيليّ على لبنان على قاعدة أن بقاء سلاح المقاومة يمنح الشرعيّة لهذا الاعتداء، وتكفي قراءة خطاب القَسَم وسياق تأكيد حق احتكار الدولة لحمل السلاح، لنجد أن الجملة التي تلي هذه الجملة في الخطاب، هي “دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانيّة ويطبّق القرارات الدوليّة ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الإسرائيليّة على الأراضي اللبنانيّة، جيش لديه عقيدة قتاليّة دفاعيّة يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور»، أي دولة تستمدّ مشروعيّة احتكار حمل السلاح من تحمّل مسؤوليّة ردّ الاعتداءات.

عملياً سوف نجد أن الاتفاق بين المقاومة ورئيس الجمهورية على استراتيجية دفاعية تنتهي باحتكار الدولة لحمل السلاح، ممكن عبر تحديد ثلاث مراحل متعاقبة من التساكن بين الجيش والمقاومة، حيث تكون المرحلة الأولى هي مرحلة فرض انسحاب قوات الاحتلال حتى الخط الأزرق، وفقاً لما نصّ عليه اتفاق وقف إطلاق النار. وفي هذه المرحلة المطلوب من المقاومة ترك مسألة الردّ على الاعتداءات الإسرائيلية وضمان الانسحاب على عاتق الجيش، وتنفيذ ما يتعلّق بها من انسحابات من جنوب الليطاني وفقاً لجداول زمنية متفق عليها مع الجيش بالتناسب مع انتشار الجيش وانسحاب قوات الاحتلال.

في المرحلة الثانية التي يحدّدها القرار 1701 في الفقرة العاشرة لجهة ما يُسمّى في الاتفاق بالتوصل إلى حلول خاصة بالمناطق المتنازع عليها، ومنها مزارع شبعا، وفقاً لمقترحات يتقدّم بها الأمين العام للأمم المتحدة، جاء خطاب القَسَم يتحدّث بوضوح عن احترام اتفاق الهدنة، وخط الهدنة عام 1949 يحسم كلياً أمر مزارع شبعا والأراضي اللبنانية المحتلة، بما في ذلك رأس الناقورة والنقاط المتحفظ عليها، بخلاف ما يقوله البعض عن ربط لبنانية المزارع بالتفاوض مع سورية حول ترسيم الحدود، والرئيس كان طرفاً من موقعه كقائد للجيش في مباحثات تمّت مع المبعوث الرئاسي الأميركي أموس هوكشتاين، تحدّث عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مطلع العام السابق خلال البحث بوقف إطلاق النار على جبهة لبنان، حيث قال بعد لقائه مع هوكشتاين «المطلوب إعادة إحياء اتفاق الهدنة وتطبيقه، وإعادة الوضع في الجنوب إلى ما قبل العام 1967، وإعادة مزارع شبعا التي كانت تحت السيادة اللبنانية قبل البدء باحتلالها تدريجياً. المطلوب العودة إلى خط الانسحاب السابق بموجب اتفاق الهدنة”.

المرحلة الثالثة هي مخرجات الحوار الوطنيّ حول الاستراتيجيّة الدفاعيّة، وما أسماه الرئيس في خطاب القَسَم بـ “مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجيّة أمن وطنيّ على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيليّ وردّ عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية». وتمكين الدولة هنا له شق عسكري يتصل بتسليح الجيش بما يمكنه من رد العدوان، ولعل أول العدوان هو انتهاك الأجواء اللبنانية، التي آن الأوان أن يضطلع الجيش اللبناني بحمايتها، عبر امتلاك شبكة دفاع جويّ عصريّة وفعّالة، لتبدأ مرحلة رابعة مع الخطوات الأولى لتسليح نوعيّ للجيش يجعله مؤهلاً لبدء تحمل المسؤوليات التحريرية والدفاعية التي أشار إليها خطاب القَسَم. وهذه المرحلة الرابعة تتسم بتصاعد مساهمة الجيش وتراجع مساهمة المقاومة، وربما دمج المساهمتين، عبر صيغ مبدعة، كما هو الحال في سويسرا والشعب المسلّح، على الأقل في مناطق مثل جنوب الليطاني بداية، ثم جنوب الأوّلي والبقاع الغربي، وصولاً إلى القوة الصاروخية.

الواهمون باعتبار خطاب القسم إعلان دعوة لنزع سلاح المقاومة، باعتباره مدخلاً للمطالبة الواهنة بانسحاب الاحتلال ووقف الاعتداءات، وينتظرون لحظة تصادم بين الجيش والمقاومة بناء على ذلك، عليهم أن ينتظروا كثيراً، ذلك أن جدارة الدولة بحقّ احتكار حمل السلاح مشروط بتحمّلها مسؤوليّة التحرير والدفاع، وإلا صار حق الشعب بمقاومة الاحتلال والعدوان أعلى مرتبة في القانون الدوليّ من حق الدولة باحتكار حمل السلاح، وهذا الاشتراط الواجب واضح في الخطاب.