Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر July 18, 2019
A A A
ثلاث ثغر في الدستور جعلت لبنان محكوماً بالتعطيل
الكاتب: اميل خوري - النهار

في دستور الطائف ثلاث ثغر كان ينبغي سدّها للحؤول دون حصول أزمة انتخابات رئاسيّة كي لا يُعطي النائب لنفسه حقّ التغيّب عن جلسات الانتخاب من دون عذر مشروع، فصار في الإمكان تعطيل النصاب تحقيقاً لأهداف رئاسيّة أو سياسيّة، وهو ما حصل في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة. لذلك كان ينبغي إيراد نصّ صريح وواضح في الدستور يلزم النائب حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة، ولا يحق له التغيّب عنها إلّا بعذر مشروع. فلو أن الدستور نصّ صراحة على ذلك لما كان لبنان واجه أزمة انتخابات رئاسيّة طويلة الأمد بتعطيل النصاب، وقد يتكرّر ذلك في انتخابات مقبلة إذا لم يتقرّر إلزام النائب الحضور. والثغرة الثانية هي التي تجعل الرئيس المكلّف تأليف الحكومة يأخذ وقته، مهما طال، لتأليفها فتصاب المؤسّسات بشلل يلحق ضرراً كبيراً بالوطن والمواطن. ولتجنّب أزمة تأليف الحكومات والحؤول دون إطالة مدّتها، ينبغي أن تُحدِّ مهلة للرئيس المكلّف تأليف الحكومة، حتّى إذا ما انقضت يجري رئيس الجمهوريّة استشارات جديدة تُعيد تكليفه أو تكليف سواه وفقاً لما تُقرّره الأكثريّة النيابيّة في هذه الاستشارات. أمّا الثغرة الثالثة فهي احتمال تعطيل جلسات مجلس الوزراء لسبب من الأسباب وهو الحاصل حاليّاً، لأن الدستور حصر حقّ دعوة مجلس الوزراء للانعقاد برئيس الحكومة دون سواه، وكان ينبغي أن يُعطى هذا الحق لرئيس الجمهوريّة أيضاً في حال امتنع رئيس الحكومة عن توجيه هذه الدعوة لسبب من الاسباب، إمّا لاعتكافه أو خوفه من انفجار الحكومة من الداخل إذا بلغ الخلاف بين أعضائها هذا الحد، فلا يعود تقرير مصير الحكومة في يد رئيسها وحده بل يُصبح هذا الحق في يد عدد من الوزراء إذا استقالوا وكانت استقالتهم تخلّ بالتوازن السياسي والمذهبي وتعذّر تعيين بدائل منهم.
وفي المعلومات أن بحثاً جرى في الطائف لسدّ هذه الثغر، إلّا أنّه لم يتم التوصل إلى اتفاق على سدّها لتجنيب البلاد أزمات تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة وأزمة تأليف الحكومات لمدّة مفتوحة، وتعطيل عقد جلسات مجلس الوزراء إذا امتنع رئيس الحكومة لأي سبب عن الدعوة إلى عقدها. ولكن تبيّن أن اقتراح تكليف رئيس الجمهورية توجيه الدعوة عند امتناع رئيس الحكومة عن توجيهها، يثير خلافاً حاداً بين الرئيسين قد تكون له تداعيات خطيرة على الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي، فكان اقتراح بتكليف مجلس النوّاب حسم الخلاف تحت طائلة التهديد بحجب الثقة عن الحكومة إذا ظلّت جلسات مجلس الوزراء معطَّلة. ولكن تبيّن أن هذا الاقتراح يثير أيضاً انقساماً داخل مجلس النوّاب وخارجه وتكون له تداعياته أيضاً. لذلك ظلّت أزمات التعطيل تسبّبها هذه الثغرة، وإنْ كانت في تصوّر المشترع أنّها تسبّب التعطيل لأن لا رئيس الحكومة له مصلحة في تعطيل جلسات مجلس الوزراء، ولا لمجلس النوّاب مصلحة في تعطيل جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة، وقد انتخبه الشعب للمحافظة على مصلحة الوطن والمواطن، ولا الرئيس المكلّف له مصلحة في جعل أزمة التأليف تطول إلى أجل غير معروف، فشرط تطبيق الدستور في أي دولة هو توافر حسن النيّة، ولا مجال لتطبيقه، تطبيقاً دقيقاً كاملاً مع وجود سوء نيّة لدى أي طرف، وأنّه لا يمكن أي مشترع التحسّب لما يمكن أن يفعله كل صاحب نيّة سيّئة عند تطبيق الدستور.
وبسؤال الرئيس حسين الحسيني رأيه بوجود هذه الثغر وعدم سدّها تلافياً للأزمات، عاد إلى كلمة ألقاها في مجلس النوّاب، وممّا جاء فيها: “إن المادة 49 من الدستور تنص على ان رئيس الجمهوريّة هو رئيس الدولة، وهو رمز وحدة الوطن، يسهر على تطبيق الدستور وعلى سلامة البلاد، وإن المواد: 51 و52 و53 و57 و58 و59 منحته صلاحيات ليست شكليّة بل تجعله يستطيع مواجهة السلطتين التشريعية والتنفيذيّة”. وذكَّر الحسيني بوجوب تنظيم مؤسّسة رئاسة مجلس الوزراء بقانون لم يصدر حتّى الآن. وأضاف: “إن السلطة الاجرائيّة التي انتقلت إلى مجلس الوزراء، ليس هناك قانون تطبيقي لنظام داخلي له… لذلك نرى وزراء يخرجون على التضامن الوزاري ووزراء يوصفون بالمشاغبين أو يشكون من دعم إطلاعهم أو إشراكهم في القرارات”. وختم: “إن لبنان مدعو إلى مراجعة ذاتية عميقة. فالعدالة الاجتماعية والفعاليّة الاقتصاديّة توأمان، فلا مال أو نقد بدونهما”.