Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر November 5, 2019
A A A
ثغر في الدستور تُستغَل سياسيّاً وطائفيّاً وتُحدث أزمات…
الكاتب: اميل خوري - النهار

عند تطبيق مواد في الدستور، ظهرت ثغر فيه بات مطلوباً سدّها سريعاً لأنّها تُستغل غالباً سياسيّاً وطائفيّاً وتتسبّب بأزمات ينتهي حلّها أحياناً في الشارع، وهو المكان الخطر على الوحدة الوطنيّة والسلم الأهلي. ففي الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة عطَّل نوّاب نصاب جلسات الانتخاب بتغيّبهم عنها من دون عذر مشروع خلافاً لأحكام الدستور، وبهدف فرض مَنْ يريدون رئيساً للجمهورية، وإلّا استمرّ تعطيل النصاب إلى أجل غير معلوم ودخلت البلاد في المجهول، فكان للمعطّلين ما أرادوا للخروج من خطر الشغور الرئاسي القاتل. ولكي لا يتكرّر في كل انتخابات رئاسيّة مقبلة ما حصل في الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة، ينبغي إعطاء تفسير واضح للمادة 74 ونصّها: “إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو بسبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع مجلس النوّاب فوراً بحكم القانون”، وإعطاء تفسير أيضاً للمادة 75 ونصّها: “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهوريّة يُعتبر هيئة انتخابيّة لا هيئة اشتراعيّة، ويترتّب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة أو أي عمل آخر”. والتفسير المطلوب هو أن يكون حضور النوّاب جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة إلزاميّاً، ولا يحق التغيّب عنها إلّا بعذر مشروع، ويُحدّد نوع العقوبة للمتغيّب بدون عذر منعاً لتكرار بدعة تعطيل نصاب جلسات انتخاب رئيس الجمهوريّة لأهداف سياسيّة داخليّة أو خارجيّة، فتصبح الانتخابات الرئاسيّة ورقة ضغط ومساومة خوفاً من التعطيل. والجديد الذي ظهر للمرّة الأولى هو أن يعمد رئيس الجمهوريّة إلى تأخير إجراء استشارات نيابيّة لتسمية رئيس يُكلَّف تشكيل حكومة جديدة عند استقالة الحكومة القائمة، بذريعة أنّ الدستور لم يُحدّد موعداً لإجرائها، كما لم يحدّد مهلة للرئيس المُكلّف تأليفها، فيستمر في محاولاته أشهراً عدّة إذا شاء، فتطول الأزمة ويلحق الضرر بمصالح الوطن والمواطن، فلا الرئيس المكلَّف يعتذر عن عدم تمكّنه من التأليف، ولا رئيس الجمهوريّة ولا مجلس النوّاب لهما الحقّ في مطالبته بالاعتذار.
لذلك فإن هاتين الثغرتين في الدستور ينبغي سدّهما تجنّباً لحصول أزمة كما هو حاصل حاليّاً، بحيث يتم تحديد موعد إجراء استشارات نيابيّة لتسمية الرئيس المكلَّف تشكيل حكومة جديدة في اليوم التالي من استقالة الحكومة، أو خلال يوماً حدّاً أقصى إذا قضت ظروف قاهرة، وأن يتمّ أيضاً تحديد مهلة للرئيس المكلّف، حتّى إذا ما انقضت تُجرى استشارات نيابيّة جديدة تُعيد تكليفه أو تكليف سواه تشكيل حكومة، خصوصاً عندما تكون البلاد تمرّ بظرف دقيق كما تمرّ به الآن. وثمّة ثغرة أخرى في الدستور ينبغي سدّها وهي في الفقرة من المادة 53 ونصّها: “يصدر (رئيس الجمهوريّة) بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”، أي أنّ تشكيل الحكومة يتمّ بالاتفاق بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة المكلَّف. ولم ينص الدستور على الآليّة التي يجب اعتمادها إذا لم يحصل هذا الاتفاق وظلّ رئيس الجمهوريّة على موقفه الرافض للتشكيلة الحكوميّة المعروضة عليه، والرئيس المكلّف مصرّ عليها كما هي، فتبقى البلاد عندئذ من دون حكومة وتصاب المؤسّسات بالشلل القاتل، لا بل قد تتحوّل أزمة الحكومة أزمة حكم.
لذلك ينبغي الاتفاق على الآلية التي تحسم الخلاف بين رئيس الجمهوريّة والرئيس المكلَّف عند حصوله، وذلك على سبيل المثال أن يُصار الاحتكام في هذا الخلاف إلى مجلس النوّاب لأنّه هو صاحب الكلمة في الحكومة عند طرح الثقة، أو البحث عن آليّة أخرى إذا لم يكن مقبولاً زجّ مجلس النوّاب في خلاف بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة لئلّا يأخذ الانقسام أحياناً داخل المجلس بعياً سياسيّاً أو طائفيّاً.
وفي انتظار سدّ هذه الثغر بالسرعة اللازمة، ينبغي على رئيس الجمهوريّة إجراء استشارات نيابيّة سريعاً لتسمية الرئيس المكلَّف، لأنّ دقّة المرحلة لا تتحمّل المماطلة تحقيقاً لغايات أيّاً يكن نوعها، كي يباشر الرئيس المُكلّف مشاوراته لتأليف حكومة جديدة، فإذا لم تعجب رئيس الجمهوريّة فلتكن الكلمة فيها لمجلس النوّاب كونه المرجع الأخير الصالح في تقرير مصيرها، إذ لا يجوز دستوريّاً أن يتمّ التأليف قبل التكليف لئلّا يُصبح الرئيس المرشّح لأن يُكلَّف عرضة للضغط والمساومة والابتزاز، وجعله يختار بين رئاسة الحكومة وبين الحكومة المطلوب منه تشكيلها وإلّا استُبعد، وتكون لهذا الاستبعاد تداعيات سياسيّة وطائفيّة ربّما، بل يكون رئيس الجمهوريّة بجعل التأليف يتم قبل التكليف يُطبّق ضمناً دستور ما قبل الطائف، أي أنه هو الذي يُسمّي رئيس الحكومة ويُعيِّن الوزراء…
إنّ على كل مسؤول أن يعمل شغله في إطار صلاحيّاته، ولا يتدخّل في شغل غيره أو في صلاحيّاته احتراماً للدستور، لئلّا يُصبح الشارع هو الحل…