Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر April 24, 2024
A A A
تَقاطع المخاوف الداخلية والخارجية يُحرّك ملف النازحين ولكن…
الكاتب: عماد مرمل - الجمهورية

هل دخل نمط التعاطي المحلي والخارجي مع مشكلة النازحين السوريين في مرحلة جديدة تُبشّر بإمكان احتوائها وتفكيكها، ام انّ سياسة التخدير والترقيع لا تزال هي المعتمدة؟

مع أنّ تحديات الحرب على الجبهة الجنوبية تتصدر اولوية الاهتمامات الداخلية في هذه المرحلة، الا انّ قضية النزوح السوري اقتحمت مجدداً الصف الأمامي في جدول الأعمال اللبناني وراحت تنافس على صدارته، تحت وطأة تفاقم التهديد الوجودي الناتج عنها، واتساع مخاطر عوارضها الجانبية التي كادت ان تتسبب في فتنة اخيراً بعد قتل عصابة سورية المسؤول القواتي باسكال سليمان.

 

 

ولأن الجهات الرسمية والحزبية في لبنان «استحقّتها» بعد صدمة مقتل سليمان، فهي استنفرت في اتجاهات عدة سعياً الى اعادة تنشيط المعالجات المعلقة لملف النازحين، من دون أن يخلو الأمر من مزايدات سياسية وتصفية حسابات بين بعض القوى الداخلية التي، وعلى الرغم من إجماعها على أن هذا الملف أصبح عبئاً لا يُطاق، غير انها تنقسم حول توزيع نسب المسؤولية عن المشكلة والحل.

 

وما ساهم في دفع أزمة النازحين الى الواجهة مجدداً هو خوف قبرص المتزايد من احتمال تدحرج قوارب الهجرة غير الشرعية من لبنان الى شواطئها، مع وصول «عيّنة» منها خلال الأشهر الأخيرة مُحمّلة ببضعة آلاف من النازحين، علماً ان الجزيرة القبرصية تشكل ما يمكن اعتباره خط الدفاع الأول عن أوروبا التي ينتابها من جهة هاجس القلق إزاء إمكان انهيار السد اللبناني وتدفق النازحين نحوها، وترفض من جهة أخرى التجاوب مع الحلول التي تسمح بعودتهم الى بلادهم.

وعلى وَقع زيارة المفوض الاوروبي المكلّف بسياسة الجوار والتوسع في الاتحاد الاوروبي أوليفر فاريلي لبعض المسؤولين اللبنانيين، والاستعداد لاستقبال مزيد من الشخصيات الدولية المعنية بأزمة النزوح قريباً، تؤكد مصادر رسمية مطلعة على مضمون الاجتماعات والنقاشات مع الجهات الخارجية انّ هناك مؤشرات ايجابية توحي ببداية تحوّل في سياسات تلك الجهات، وتعكس شيئاً من التغيّر في مقاربتها حيال تحدي النزوح وموقف الدولة اللبنانية منه.

 

ووفق معلومات المصادر، فإنّ جانباً من الدوائر الدولية بدأ يتفهّم حقيقة انه لم يعد بمقدور لبنان ان يتحمل معادلة «أبقوهم عندكم واهتموا بهم» التي كانت تفرضها عليه الدول المانحة، لكنّ ذلك لا يمنع ان الطرف اللبناني يميل إلى الحذر في التعاطي مع الإيجابيات الأولية الظاهرة، على قاعدة ان العبرة في الخواتيم وان المحك يكمن في ترجمة الأقوال إلى أفعال، بل ان احد المعنيين أبلغَ صراحة الى مقرّبين منه انه مثل توما لا يصدّق حتى يرى ويضع إصبعه على النتائج الحقيقية.

 

ويكشف المطلعون انّ قبرص واليونان ومالطا واسبانيا على سبيل المثال باتت اكثر واقعية في التعاطي مع ملف النازحين وأكثر تفهماً لظروف لبنان ووضعه، بينما لا تزال أميركا والمانيا وفرنسا وبريطانيا، وهي من الدول المانحة الاساسية، تعتبر انّ سوريا غير آمنة ولا يمكن للنازحين ان يعودوا اليها قبل إنجاز الحل السياسي الذي يستوجب من بشار الاسد أن يحقّق انتقال السلطة بموجب قرار مجلس الأمن، وفق المقاربة التي لا تزال تصرّ عليها تلك الدول.

وعُلم انّ الزوار الدوليين لبيروت سمعوا من مسؤولين لبنانيين كلاما واضحا بأنّ معظم النزوح هو اقتصادي وليس هرباً من النظام. وبالتالي، فإنّ المعالجة تكون عبر ممرين:

 

الأول، يَلحظ دفع الأموال «الأممية» للنازحين في داخل سوريا بعد عودتهم بدل تسديدها لهم في لبنان. وضمن هذا السياق يُنقل عن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قوله لنظيره اللبناني عبدالله بوحبيب خلال احد اللقاءات بينهما انه مقابل المئة دولار التي تُدفع للنازح السوري في لبنان فإنّ 25 دولاراً فقط تكفيه في سوريا ربطاً بالفارق في كلفة المعيشة.

 

اما الجزء الثاني من الحل الواقعي الذي يطرحه بعض الاوساط الرسمية، فيستند الى ما يُعرف بـ»التعافي المبكر» الرامي الى تنفيذ مشاريع تنموية في قرى متلاصقة او متقاربة تضررت خلال الحرب، من قبيل إنشاء مستوصفات ومدارس بتمويل من الدول المانحة، لتشجيع النازحين على الرجوع وإعادة استِنهاض قُراهم.