Beirut weather 14.65 ° C
تاريخ النشر November 3, 2017
A A A
«توسيع» أزمة النفايات… بدل معالجتها
الكاتب: حبيب معلوف - الأخبار

واضح من قرار مجلس الوزراء نهاية الأسبوع الماضي، أنه آثر تأجيل البحث في حلول مستدامة لأزمة النفايات عبر «توسيع» الخطة الطارئة الأخيرة. وإذ يمكن التأكيد أن توسيع المشكلة لا يمكن أن يساهم أو أن يؤسس لحل، يمكن الجزم أيضاً، بأن إمكانيات الحل لم تعد متوافرة مع حكومة، يهيّئ أطرافها الأساسيون أنفسهم للانتخابات.

وكذلك منافسوها ومعارضوها الأساسيون الذين سبق أن اعترضوا على الخطة الطارئة بعشوائية شبيهة بحلول أزمات النفايات نفسها منذ سنوات فحتى الخيارات السيئة وغير الاستراتيجية كاعتماد المحارق تم ترحيلها الى امد بعيد، لما بعد الانتخابات النيابية، لاسيما عندما قرر مجلس الوزراء تكليف مجلس الانماء والاعمار تلزيم مكتب هندسي بيئي عالمي للقيام بدراسة تقييم أثر بيئي لدفتر الشروط الذي أقره مجلس الوزراء في الجلسة نفسها. وهذا يعني عمليا، تأجيل البت بهذا الملف وربح المزيد من الوقت لحين انتهاء الانتخابات، خصوصا ان الدراسة الحقيقية لآثار خيار حرق النفايات وتوليد الطاقة لا يمكن ان يستوي الا اذا تم تحديد الاماكن لإنشاء هذه المعامل، وهذا ما تتحاشاه الحكومة وقواها المتبنية لهذا الخيار، لأن أي تسمية للاماكن الان ستكون لها ردود فعل شعبية سلبية متوقعة، خصوصا ان هذه الخيارات لا تأتي من ضمن استراتيجية وطنية فنية وبيئية وعادلة.

قبل التطرق إلى قرار مجلس الوزراء الأخير، لا بد من الإشارة إلى أن ما أُقرّ، أي دفتر شروط التفكك الحراري، كان سبق أن تناولته صفحة «بيئة» في تحقيقات مستفيضة، منذ إنشاء اللجنة الوزارية لدراسته، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 10 في 11/1/2017، ولا سيما في تحقيق ألقى الضوء على 14 ملاحظة على الخيار وعلى دفتر الشروط ( ttp://www.al-akhbar.com/node/273853)، يمكن مراجعتها.

أين القرار؟
أما بالنسبة إلى قرار مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة بالطلب من مجلس الإنماء والإعمار دراسة إمكانية توسيع مطمري الكوستا برافا وبرج حمود خلال 15 يوماً، فلا يعرف أيضاً مع من تشاورت اللجنة الوزارية التي اقترحت هذا الاقتراح، ولماذا لم تتقدم بأكثر من سيناريو إلى مقام مجلس الوزراء، بينها إعادة فتح مطمر الناعمة كما كان قد اقترح وزير البيئة، مع دراسة أولية مقارنة في الأكلاف البيئية والمادية والمعنوية!؟ ويبدو أن هذا القرار متفق عليه، ولا مفر منه بالنسبة إلى القوى المشاركة باتخاذه، إذا عرفنا أن نصف المهلة المعطاة لمجلس الإنماء والإعمار قد انتهت اليوم (حتى تاريخ كتابة هذه السطور)، قبل أن يتبلغ أحد رسمياً قرار مجلس الوزراء!

* صعوبة زيادة ارتفاع موقع برج حمود إلى أكثر من 13 متراً عن سطح البحر.

معمل في الكوستا برافا؟!
أما عن إشكاليات هذا القرار ومدى دراسة موضوع وإمكانيات توسعة المواقع، فتقول مصادر متابعة إن الارتجال كان سيد الموقف، وإن متخذي القرار لم يبنوا موقفهم إلا بناءً على المشاورات التي حصلت مع القوى المحيطة بموقع الكوستا برافا، إن لناحية إمكانية توسعة الموقع، أو لناحية إعطاء المزيد من الحوافز المادية لتمريره، خصوصاً أن القوى (المحيطة) نفسها، كانت على سبيل المثال، قد رفضت سابقاً إنشاء معمل للفرز والتسبيخ في موقع الكوستابرافا، الذي كان يمكن في حال تنفيذه أن يخفف من كميات النفايات التي تذهب إلى الطمر، ما «يطوّل في عمر المطمر» لفترة أطول… ثم عادت ووافقت بالأمس على «إنشاء معمل للنفايات العضوية في موقع الكوستا برافا يستوعب 750 طناً يومياً»، كما ورد في قرار مجلس الوزراء! وهنا يحق لأي متابع أن يسأل: لماذا ما كان محذوراً بالأمس، بات مسموحاً اليوم؟ ومن يتحمل مسؤولية عرقلة الخطة الطارئة التي كان يمكن تحسينها بهذا المطلب البديهي (إنشاء معامل للفرز والتسبيخ وتخفيف الكميات التي تذهب إلى الطمر)؟ وما هي الحوافز الجديدة والوعود التي أُعطيت للقبول بهذا الخيار الآن؟ مع العلم أن قرار مجلس الوزراء في 12/3/2016 كان قد أقرّ 32 مليون دولار للبلديات مقسَّطة 8 ملايين كل سنة لأربع سنوات، وتخصيص مبلغ خمسين مليون دولار لتغطية مشاريع إنمائية في البلدات المحيطة بكل مطمر من المطامر الثلاثة (الكوستا برافا وبرج حمود مع الناعمة) وموزعة على أربع سنوات، من دون أن تؤمن (البلديات) المساحة الضرورية (في الأماكن المردومة) لإنشاء معامل معالجة النفايات الصلبة (فرز وتسبيخ) بالإضافة إلى محطات معالجة المياه المبتذلة، مع العلم أيضاً أن بلديات برج حمود والجديدة السدّ والشويفات وبرج البراجنة حصلت أيضاً على قسم كبير من الأراضي المردومة للاستثمار فيها!

أين عقد توسعة الكورال؟
هنا، لم نفهم لماذا لم يعترض «المعترضون» على هذه النقطة، تجنباً لعدم الوصول إلى سيناريو الناعمة، أي فرز وتخمير 10 إلى 20% من النفايات وطمر الباقي؟!

كذلك لم نسمع أن أحداً من المتابعين الجديين للملف قد سأل قبل قرار مجلس الوزراء الأخير وأثناءه وبعده، ماذا حصل بمناقصات المعالجة التي نصت على زيادة التخمير في معمل الكورال من 300 طن إلى 750 طناً يومياً، بعد «تأهيله» وأين أصبحت عملية التأهيل، وقد وصلت المطامر إلى سعتها القصوى، قبل أن تنتهي عملية تأهيل مواقع الطمر!؟ وهذا ما كنا قد نبهنا منه في حينه.

استحالة برج حمود
وإذ يؤكد متابعون أن صفقة توسيع مطمر الكوستا برافا قد تمت، من دون أن يعرف كيف وبأي كلفة وأي ثمن، يعتقد هؤلاء أن موضوع توسيع موقع برج حمود لن يكون بهذه السهولة… لأسباب عدة في طليعتها سياسية وفي طرفها الآخر فنية. الصعوبات السياسية ناجمة عن تقدير أن أحداً لن يمنح فرصة انتخابية ثمينة للمعارضين الذين اعترضوا بالأساس على المشروع، لتجديد اعتراضهم وعراضاتهم، من الناحية السياسية. ثانياً، ليس هناك مجالات للتوسيع في مكب (برج حمود) كان مقيداً بالأساس بأنابيب شركات النفط، وحصلت الكثير من الصفقات والتسويات لنقلها وإبعادها قليلاً من جهة، وصعوبة زيادة ارتفاع الموقع إلى أكثر من 12 إلى 13 متراً عن سطح البحر، كما هو مقرر في المشروع، وذلك وفق معادلة أن زيادة الطمر، إذا لم تكن في البحر، بعد توسيع الردم، ستكون أفقياً، ما يعني زيادة ارتفاع الموقع والعودة إلى الجبل الذي أُزيل بكلفة عالية جداً.

نفايات الشوف وعاليه!
وفي العودة إلى صفقة توسيع مطمر الكوستا برافا، لم يفهم بعد ما إذا كانت الصفقة هذه المرة ستشمل نفايات منطقتي الشوف وعاليه، التي استُثنيَت من الخطة الطارئة السابقة، على اعتبار أن فترة العقوبة قد انتهت، إذ عوقبَت المناطق التي لم تقبل بإعادة فتح مطمر الناعمة لاستقبال نفاياتها (منطقتها فقط)! خصوصاً أن أحداً لم ينجح في إيجاد بدائل (مواقع) في منطقة الإقليم، لا لمعامل ولا لمطمر، طوال كل الفترة السابقة، ولا سيما بعد إقفال مطمر الناعمة.

ترحيل «الرؤية»
أما حول الرؤية التي كانت قد عرضت على مقام مجلس الوزراء والتي كانت مطولة جداً وقد أُحيلَت على لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة، بعد أن وجه إليها العديد من مستشاري الوزراء انتقادات لم تخلُ من النكات، حول طولها بداية، وعدم إلمام من وضعها بكامل الملف، وعدم شموليتها والتي قال فيها البعض إنها «شغل مساجين»، فيما شبهها آخرون بالهلوسات، أكدت مصادر أخرى في وزارة البيئة أن هناك إمكانية لسحبها من التداول واستبدالها بمقترحات أكثر استراتيجية ومختصرة ومدروسة أكثر، ولا سيما تلك التي تبحث بعيداً عن الأضواء بمساعدة الأمم المتحدة للبيئة.
كذلك استغربت مصادر متابعة كيف وفّقت اللجنة الوزارية التي راجعت دفاتر شروط التفكك الحراري بموجب قرار لمجلس الوزراء بداية هذه السنة، بين ما تفرضه تقنية التفكك الحراري من وقت في حال تبنيها، وبين أن تناقش رؤية بعيدة المدى بعد أن تكون قد تبنت خياراً بعيد المدى كخيار الحرق! فإما أن مفهوم الرؤية الاستراتيجية ليس واضحاً عند اللجنة، وإما أن هناك من يتقصد تغييب الرؤية والاستراتيجية لتمرير خيارات معينة. وفي الحالتين، نكون أمام نتيجة في منتهى الخطورة، تضرّ بسمعة الحكومة والعهد وبمستقبل قضايا البيئة والصحة العامة في لبنان.

التقدم ليس شرطاً كافياً للتبني
القول إننا نتبنى أفضل التقنيات الموجودة والمجربة في الغرب، لا يُعَدّ حجة قوية للإقناع. فتقدم أي تقنية لا يُعَدّ شرطاً كافياً لنقلها وتبنيها في بيئة مختلفة. تماماً كنقل شجرة ناجحة ومثمرة في مناخ معين إلى مكان آخر في مناخ لا يناسبها. صحيحٌ أن بعض الدول الغربية، تلك التي تبنت خيار حرق النفايات منذ زمن بعيد، قد صرفت الكثير من المال والجهد والوقت لتطوير تقنيات الحرق والاستفادة القصوى من الطاقة الحرارية ومحاولة ضبط الانبعاثات، حتى وصل الأمر في بعض المحارق إلى ألّا ينبعث منها سوى بخار الماء… إلا أن ذلك، لا يُعَدّ بمثابة حجة قوية لنقل التكنولوجيا. فالدول التي صرفت الكثير من أجل تطوير تكنولوجيا، لديها الكثير من المبررات لتستمر في التطوير وأن لا تتخلى بسهولة عن هذه التقنيات. ولكن هذا لا ينطبق على دول لم تدخل بالأساس في هذا الموضوع. من بين عمليات تطوير محارق النفايات في جيلها المطور الأخير، توصلت بعض الدول إلى تحويل ثلثي مساحة المعمل إلى فلاتر، والثلث الباقي للاستقبال والحرق وتوليد ضغط البخار لتوليد الكهرباء. إلا أن مشكلة الرماد من بعد الحرق ومشكلة الغبار العالق في الفلاتر الذي يُعَدّ بالغ السمية، لم تجد له حلاً نهائياً، وهو يُنقَل إلى مناجم مغلقة في بلدان أخرى (فقيرة) للتخلص منه. ولا تزال عمليات إعادة تصنيع الرماد الباقي بعد الحرق تحت الدرس. وهذه العمليات من ضمن مسيرة طويلة من المعاناة والاحتجاجات والتطوير. فلماذا على دول أفقر وأقل تقدماً أن تدخل في هذه الدوامة إذا كانت لا تزال خارجها، ولا سيما إذا توافرت البدائل الأكثر أمنا؟!

حفظ الموارد
يتخوف البعض من أن يكون مصير تقنية التفكك الحراري بعد تبنيها، مثل مصير تقنية محركات الديزل في العالم. فمن تابع تطور الدراسات والسجالات في العشرين سنة الأخيرة حول مشكلة تلوث الهواء المدني واتهام قطاع النقل، ولا سيما وقود الديزل والجزيئات الدقيقة المنبعثة من احتراقه في محركات الآليات، ولا سيما السيارات الصغيرة، بالتسبب بأمراض خطيرة، وكيف تدرج الاتهام من مسرطن «محتمل» إلى «مؤكد»، وكيف كانت الشركات تسعى دائماً إلى تحسين أداء المحركات عبر تطوير طرق الاحتراق وتطوير العادم لالتقاط الملوثات، ولا سيما الجزيئات الدقيقة التي تسبّب مشاكل صحية خطرة، وكيف كان المستهلكون يُقنَعون بما يسمى اليورو 2 واليورو 3 واليورو 4… أي تلك المحركات المحسّنة والمطورة، إلى حين التأكيد أنه كلما جرت فلترة الجزيئات، وكلما أصبحت صغيرة وغير مرئية، أصبحت لديها قدرة أكبر على خرق الرئتين!… حتى وصل الأمر إلى بدء الدول المصنعة باتخاذ قرارات بالخروج كلياً من الديزل في قطاع النقل (راجع صفحة «بيئة» في «الأخبار» في 14/7/2017).
فما الذي يمنع من أن نصل إلى النتيجة نفسها مع محارق النفايات في السنوات القليلة المقبلة، مع العلم أن الكثير من الدول بدأت بتغيير استراتيجياتها لناحية التركيز أكثر على زيادة نسب التخفيف والفرز (على حساب الطمر والحرق) وعلى حفظ الموارد بدل حرقها.

اي أثر للتقنيات!
لم يفهم أحد ما المقصود بقرار مجلس الوزراء الأخير بدراسة الأثر البيئي لدفتر شروط التفكك الحراري. يقال إن من طلبه أراد أن يربح الوقت لعدم البتّ به قبل الانتخابات النيابية. إلا أن المشكلة أبعد من ذلك من الناحية التقنية. فدراسة أثر التقنية لا معنى لها ما دامت هذه التقنية مستخدمة في الكثير من المدن في العالم في بلدان مصنفة «متقدمة». إلا أن مفهوم «دراسة الأثر البيئي»، يفترض أن يأخذ أبعاداً أوسع وأعمق في منطقتنا، أي في بلدان لا تنتج هذه التقنيات. ففي الغرب، يأتي إنتاج التقنية من ضمن شبكة واسعة ومنظومة واسعة ومتكاملة تبدأ بالنظام التعليمي، فالنظام التصنيعي والاستهلاكي مع آليات متكاملة من وضع الاستراتيجيات والسياسات والتشريعات والخطط والمراقبة والتطوير… المرتبطة بأنظمة البحث العلمي… إلخ. فبيئة هذه التقنية في بلدها الأم لا تمتّ بصلة إلى البيئة الاجتماعية التي ستنقل إليها هذه التقنية. ولا نظن أن مجلس الوزراء قد قصد دراسة البيئة اللبنانية وجواز تلقيها لتقنية التفكك الحراري. فعندها سيكتشف من دون الكثير من العناء، أن البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتقنية والنفسية… لا تصلح لتلقف هذه التقنية على الإطلاق، وأن أياً من الشروط المالية والاقتصادية والعلمية والأطر المؤسساتية، إن بالنسبة إلى الدولة أو البلديات لن تستطيع أن تراقب عملية الإنشاء ولا التشغيل ولا الصيانة ولا المراقبة ولا الخدمة ما بعد البيع.
***

توسيع المطامر الى أين؟!