Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 6, 2018
A A A
تمويل العجز وحماية الاستقرار: مسألة وقت؟
الكاتب: سابين عويس - النهار

لا يختلف التقرير الصادر اخيراً عن المصرف الأميركي “غولدمان ساكس” تحت عنوان “الى متى يمكن لبنان تمويل عجزه؟” في تقويم الأوضاع المالية والاقتصادية في لبنان والتوقعات الدولية حيالها، عن التقارير التي سبقته، وكان آخرها تقرير المجلة البريطانية “الايكونوميست” التي توقعت ان يكون الاقتصاد اللبناني مقبلا على الانهيار، وان المصرف المركزي لن يكون قادرا على الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي. إلا أن الاختلاف يكمن في مقاربة السلطات المحلية المعنية لواقع الأزمة، كما في القراءات المختلفة لمضامين تلك التقارير.
ثمة من يقرأها بواقعية، مستندا الى الارقام والمؤشرات التي توردها والتي تتقاطع مع تلك الصادرة عن الجهات الرسمية اللبنانية (على ضآلتها)، فيما يبحث البعض الآخر عن بعض الاوجه الايجابية التي تظهر النصف الملآن من كوب الازمة، في مسعى يرمي الى تخفيف حدتها منعا لإثارة القلق في أوساط المتعاملين، بما يؤثر سلبا على الثقة، العامل الاساسي في حماية الاستقرار والحؤول دون زعزعته.
أقصى ما يسمعه اللبنانيون من سلطاتهم عن دقة ما يتم تداوله في التقارير الدولية او في مواقف المسؤولين والزوار الدوليين (وكان آخرهم نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فريد بلحاج) تطمينات أن الأوضاع جيدة وان الاستقرار النقدي خط أحمر، ولكن من دون أي تفاصيل عن الإجراءات او الهندسات المعتمدة لحماية الاستقرار او حتى تأمين دفع رواتب القطاع العام او كلفتها، وهي المشكلة التي برزت في الاسبوعين الماضيين (على خلفية امتناع المصارف عن تمويل الدولة بسبب الخلاف على معدل الفائدة)، قبل ان تسلك طريقها أخيرا الى الحل، نتيجة الاتفاق بين وزير المال والمصارف برعاية المصرف المركزي على رفع الفائدة الى 10 في المئة.
والكلفة التي يتكبدها اللبنانيون لقاء هذا الاستقرار لا ترمي الى تثبيته او تحصينه، بل هي في الواقع من اجل شراء الوقت في انتظار تحقيق صدمة إيجابية تخرج الاقتصاد من الجمود وتؤمن استعادة وتيرة النمو المستدام التي افتقدها لبنان في الأعوام القليلة الماضية.
لم يخرج تقرير “غولدمان ساكس” عن هذه الخلاصة رغم عمليات التجميل التي اجريت له محليا من اجل تخفيف حدته وانعكاساته على الأوراق اللبنانية المتداولة في الخارج. فهو أضاء على مقومات صمود الاقتصاد ومناعته على مدى عقد ونصف عقد، لكنه من عنوانه يُقرأ. فهو سأل الى متى يمكن لبنان ان يموّل عجزه، بعدما عرض مكامن الوهن والهشاشة التي أصابت تلك المناعة.
في التفاهم الحاصل أخيرا مع المصارف لتمويل عجز الخزينة، فسحة جديدة من الوقت تم شراؤها بكلفة مرتفعة، لكنها لن تكون كافية ما لم تبادر الدولة الى استغلال ما هو متاح من الوقت من اجل اتخاذ بعض الخطوات التي تتيح تحقيق الصدمة المشار اليها.
حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كان اكد بعد زيارته وزير المال علي حسن خليل قبل ايام ان “الوضع مستقر باستمرار بفضل الهندسات المالية التي قمنا بها على صعيد صرف الليرة او الائتمان في لبنان”، كاشفا عن خطة لاستقطاب اموال لاصدارات الدولة واستخدام فوائد السوق، وعن رزمة جديدة من قروض الاسكان في 2019 وقروض اخرى، على الا يناقض ذلك عملية تمويل الدولة من القطاع المصرفي بدعم من المصرف المركزي.
من جهته، اعرب وزير المال عن اطمئنانه الى الاستقرار النقدي في البلد ووضع الليرة، مشيرا الى ان “كل المعطيات تؤكد ان الامر ثابت ولا اهتزازات فيه”. وأمس، نوّه رئيس المجلس بنتائج الاجتماع، معتبرا انه “يشكل عامل اطمئنان، مع التأكيد مرة اخرى ان الوضع النقدي مستقر ولا خوف عليه”.
كل التطمينات تصب حاليا في سياق لجم المخاوف من الانهيار، واحتواء التقارير الدولية المحذرة منه. وحتى الآن، لم تلجأ مؤسسات التصنيف الى اعادة النظر في تصنيفها او في توقعاتها، وهو ما يطيل أمد فترة السماح المشروطة بالحاجة الملحة الى تأليف الحكومة، والمبادرة فورا الى اطلاق اشارات جدية الى الاسواق، ذلك ان كل المؤشرات تؤكد المسار التراجعي، ولا بد من خطوات لعكس هذا المسار، ولا سيما في ظل وتيرة التراجع في نمو الودائع والتحويلات الخارجية التي تشكل عامل عدم استقرار وهشاشة للمناعة الداخلية، بحيث لا تعود التدفقات من العملات الاجنبية كافية لسد الحاجات المحلية. وهذا يعيد طرح السؤال المقلق الذي يجري تداوله في الاوساط المحلية، وفي التقارير الدولية عن قدرة المركزي على الاستمرار في دعم الاستقرار النقدي.