Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر June 16, 2020
A A A
تلوّث الشاطئ اللبناني: لا مضادات قادرة على معالجة جراثيم البحر
الكاتب: هديل فرفور - الأخبار

جراثيم البحر اللبناني اكتسبت مناعة ضدّ معظم أدوية الالتهابات، بما فيها الـ«كوليستين» الذي يُستخدم بعد فشل معظم المضادات الحيوية الأخرى، وخصوصاً لدى أصحاب الأمراض المزمنة. في دراسة أعدّتها الجامعة الأميركية في بيروت، تبيّن أن مرتادي الشواطئ في لبنان قد يكونون عرضة لأنواع من البكتيريا ذات المناعة، ما يصعّب علاجها إلى حد كبير.

 

قد لا يُعد تلوّث الشواطئ في لبنان خبراً جديداً. دراسات كثيرة أشارت سابقاً الى أن مياه البحر في غالبية المواقع على الساحل اللبناني تتضمّن أنواعاً مختلفة من البكتيريا. لكن الجديد، والخطير، هو ما كشفته دراسة أجراها أخيراً فريق بحثي في مختبر ميكروبيولوجيا الغذاء في الجامعة الأميركية، حول اكتساب الجراثيم في البحر اللبناني مناعة ضدّ معظم أدوية الالتهابات، بما فيها الـ«كوليستين». والأخير، يُعرف بدواء «الملاذ الأخير» ويُعطى للمرضى في حال فشل المضادات الحيوية الأخرى في شفائهم. وأوضحت الدراسة أن الكوليستين هو أحد الخيارات القليلة المتاحة لعلاج الالتهابات المُعقّدة التي تتسبّب بها بكتيريا Enterobacteriaceae، «إلا أن فعاليته تعرّضت لخطر شديد بسبب ظهور جينات مُقاومة له وقابلة للانتقال (mcr)».
وبعد جمع عينات من مياه البحر من 22 موقعاً على الساحل اللبناني من الشمال إلى الجنوب، رصدت الدراسة، للمرة الأولى، وجود بعض الجينات المقاومة للمضادات الحيوية إلى جانب الجينات المقاومة لمادة الكوليستين mcr-1. كما تبيّن وجود أنواع من بكتيريا E. coli التي تنتمي الى سلالات موجودة في البشر والحيوانات والأطعمة في 10مواقع من أصل 22 (45.5٪)، وأظهرت التحليلات أن كل عينات تلك البكتيريا تتضمن جينات الـ mcr-1 الكفيلة بإكساب البكتيريا مناعة ضد غالبية أدوية الالتهابات.
وبحسب الدراسة، فقد أظهر اختبار الحساسية لمضادات الميكروبات أن كل عينات الـ E. coli كانت مقاومة لثلاث فئات من المضادات الحيوية على الأقل، من بينها البنسلين (100٪ من العينات) والأمبيسلين (94٪). وهذه العينات يُمكن أن تعيش لفترة طويلة في مياه البحر «ما يسمح للتيارات بتفريقها خارج المياه المحلية». ولفتت الدراسة الى وجود عينات من الـ mcr-1 بشكل أساسي قرب منافذ الصرف الصحي الرئيسية، «ما يشير إلى أن التلوث قد يكون مرتبطاً بالتصريف المباشر لمياه الصرف الصحي و/ أو الفائض الذي قد يحمل من دون معالجة النفايات البشرية والزراعية والصناعية».

وخلُص معدو البحث إلى أن تقريرهم هو الأول من نوعه الذي يوثّق «حدوث واستمرار mcr-1.1 القابل للانتقال في البحر الأبيض المتوسط»، داعين إلى «مراقبة مضادات الميكروبات في لبنان ودول البحر الأبيض المتوسط ​​الأخرى ذات البنية التحتية والتحديات الاقتصادية المماثلة، من أجل السيطرة على انتشار mcr وجينات مقاومة مضادات الميكروبات الأخرى».
الأستاذ في كلية الأغذية والعلوم الزراعية المُشرف على الدراسة (بالتعاون مع الدكتور هادي جعفر) عصمت قاسم أوضح لـ«الأخبار» أن لهذه الوقائع «خطورة على المُقيمين في لبنان، ممن يرتادون الشواطئ على صعيدين: الأول هو أن بكتيريا الـ E. coli التي يتعرض لها مرتادو الشواطئ «قد تكون مسببة للأمراض، والإصابة بمثل هذا النوع من البكتيريا الحاملة لجينات الـ mcr سيكون من الصعب جداً علاجه. والثاني، أن وجود هذه البكتيريا دليل على وجود جراثيم أخرى قد تكون أكثر خطورة بعد اكتسابها جين الـ mcr من الـ Ecoli». وأضاف: «على سبيل المثال، حالات التسمم التي كانت تسجل بفعل بكتيريا السالمونيلا الموجودة في مياه البحر قد تتفاقم، لأن هناك احتمال أن تكتسب السالمونيلا مناعة ضد الكوليستين بسبب جينات الـ mcr». وانتشار الـ mcr «يعني حُكماً انتشار الجراثيم في المجتمع اللبناني، فيما ستقلّ الى حد كبير فعالية الكوليستين الذي نعتمد عليه في علاج الأمراض المستعصية».
يشدد قاسم على أن الدراسات التي تناولت تلوث الشاطئ اللبناني سابقاً «لم تتناول موضوع المناعة ضد المضادات الحيوية، ولم يسبق لأحد أن بحث في الـ mcr المسبب الرئيسي للمناعة ضد الكوليستين والذي ينتقل من بكتيريا الى أخرى في مياه البحر في لبنان». ولفت الى أن هناك 3 دراسات فقط على مستوى العالم كشفت وجود الـ mcr في مياه البحر: في ستة مواقع في الصين وثلاثة مواقع في البرازيل وفي الجزائر «وهذه بلاد أكبر بكثير من لبنان من حيث المساحة والإنتاج الصناعي والزراعي والتلوث». الأخطر أنه «في لبنان عثر على هذه البكتيريا في 45,5% من العينات، والأكثر خطورة أيضاً أننا وجدنا في بعض العينات أكثر من 19 جيناً مختلفاً غير الـ mcr تتسبب في المناعة ضد أنواع أخرى من المضادات الحيوية، وهذه الجينات تكتشف للمرة الأولى عالمياً الى جانب الـ mcr في عيّنات من المياه، ما يعني وجود تلوث واسع جداً وخطر وبحاجة الى تدخل فوري»، لافتاً الى أن «حركة تيارات المياه تزيد الموضوع تعقيداً، إضافة الى التدفق الدائم للمياه الآسنة الى البحر».