Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر August 15, 2016
A A A
تفلّت وإجرام وانتحار !
الكاتب: نايلة تويني - النهار

بعيداً من كل الخواء السياسي الذي يسود البلاد والمراوحة المستمرة في الازمة الرئاسية أو في الحوارات والملفات الشائكة التي تصطدم بالجدار المسدود الى أفق غير مرئي، لا يمكننا تجاوز ظاهرة باتت تشكل أحد الوجوه الاشد خطورة في الواقع الاجتماعي القاتم الذي يسود لبنان. انها ظاهرة اتساع الجرائم الفردية في الآونة الاخيرة على نحو خطير ولافت بحيث لا يمر يوم الا وتحصل جريمة وربما أكثر في مختلف المناطق اللبنانية ولو تنوعت الدوافع والاسباب والظروف الخاصة بكل جريمة. وهي ظاهرة تثير القلق الشديد ليس من منطلق الخوف من تفلت اجتماعي واخلاقي فحسب، بل أيضاً من منطلق الخوف على مجتمع عرف كيف يتكيف مع الحروب والازمات المتلاحقة والمتعاقبة مدى عقود وظل محتفظا بالحدود الدنيا من صلابته، فاذا به الآن يعاني هذا التفلت المخيف الذي لا سابق له في ايام الحروب والميليشيات والفوضى الشاملة. في الاسبوع الماضي كاد الرقم الاحصائي للجرائم الفردية يتجاوز عدد أيام الاسبوع، ولم يقف هذا التطور المفجع عند حدود تعاقب الجرائم بل تجاوزها الى طبيعة كل جريمة وظروفها التي راوحت بين عنف زوجي أودى بحياة امرأة وخلاف على صفقة عقارية أودت بحياة قاض سابق وانهيار عصبي أصاب احدهم فقتل شقيقته وانتحر. واللافت في هذا المسلسل أيضاً ان الانتحارات باتت سهلة ومعتادة كجرائم القتل أيضاً.

لعلنا أصبحنا وسط واقع الازمات الكبيرة التي تتخبط فيها البلاد وما تتركه من تداعيات وانعكاسات وآثار اجتماعية مدمرة في حاجة الى معالجين وخبراء نفسيين واجتماعيين أكثر من أي شيء آخر. انه مجتمع متروك لمعاناته ومشاكله بعيدا من دولة تقيم الحد الادنى من الاعتبار والاهتمام بمواطنيها وازمات الناس. لم يكن اللبناني يوماً الاّ محباً للحياة ومقبلا عليها ولا يعرف اليأس. بل ان المفارقة الغريبة والعجيبة ان لبنان يشهد منذ شهرين ظاهرة مخالفة لكل هذا الجانب القاتم عبر الاقبال الواسع على عشرات المهرجانات التي تشهد لحيوية شعبه وتعلقه بالأمل وتصديه لموجات التيئيس فكيف بنا أمام هذا التناقض الكبير بين مشهد ومشهد على أرض الوطن؟ لا ندعي حتماً اننا نملك تفسيراً لكل جوانب هذه الظاهرة وهذا شأن علماء الاجتماع والخبراء. لكن ذلك لا يمنعنا من رفع الصوت أمام سائر المعنيين بدءاً بحكومة تنازع البقاء عاجزة مروراً بوزارة الداخلية والهيئات الاجتماعية في المجتمع المدني لاطلاق الحملات الضرورية من أجل معالجة عاجلة لهذه الظاهرة المتفشية بخطورة شديدة. لا يبرر للدولة الغائبة بفعل الانقسامات والشلل المؤسساتي ترك ناسها فريسة اليأس الفردي أو الجماعي. فكيف حين تصبح الجرائم عنوان مجتمع متفلت ويائس ومنتحر؟