Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر November 18, 2024
A A A
تفاقم أزمة التجنيد الإسرائيلية: نتنياهو يبحث عن «مخرج»
الكاتب: يحيى دبوق - الأخبار

 

«هل ستؤثر أزمة التجنيد في إسرائيل على قرارات الحرب في غزة ولبنان؟». سؤالٌ بات يشغل إلى حدّ كبير عقول المحللين العسكريين ووسائل الإعلام العبرية، فيما ليس هناك إجابات قاطعة بشأنه بعد. أمّا الأسباب، فتبدو مفهومة، ويجب حتى أخذها في الحسبان، لدى محاولة «استشراف» مستقبل الحرب الدائرة. ففي الواقع، تؤثر أزمة التجنيد والاحتياط سلباً على قدرة الجيش الإسرائيلي على مواصلة حربه على جبهتين، كحدّ أدنى، ما قد يفرض على صنّاع السياسة في الكيان أن يرسوا، في نهاية المطاف، على خيار واحد: إما غزة، أو لبنان. وعلى ما يبدو، وصلت الأزمة المشار إليها إلى حلقة مفرغة، نظراً إلى أنّه حتى في حال استمرار الحرب على الساحتين الفلسطينية واللبنانية، بالوتيرة نفسها، ومن دون توسيع للتوغل البري الإسرائيلي، ستكون إسرائيل ملزمة بالإبقاء على جنود الاحتياط في الخدمة الميدانية وغير الميدانية، توازياً مع العمل على استدعاء المزيد من العناصر. إلا أنّ الشرائح الاجتماعية التقليدية والعلمانية، والتي تمدّ الجيش باحتياطاته، باتت مُستهلكة بالفعل، وبأضعاف ما كان متوقعاً، وخصوصاً من جهة فترات الخدمة الاحتياطية، حيث خدم بعض أولئك العناصر ما يزيد على 200 يوم، وتمّ استدعاؤهم أكثر من مرة.
أمّا في حال تصعيد الحرب، فسيصبح من غير الممكن الاستمرار في الاعتماد على جنود الاحتياط المنهكين. ولتخفيف العبء عنهم، سيتم التوجه نحو الفئات المعفاة من التجنيد، أي القطاع الحريدي، الذي يرفض بقوة فكرة القتال، ويهدد بنيامين نتنياهو بتفكيك الائتلاف، في حال قرر استدعاء أبنائه. وعليه، يبدو المشهد كالآتي: لا استمرار للحرب بلا احتياط، ولا احتياط إضافياً بلا حريديم، فيما يرفض هؤلاء التجنيد ويهددون بإسقاط الحكومة، في وقت يَظهر فيه بقاء هذه الأخيرة نفسه مرهوناً باستمرار الحرب ونتائجها. ولا يهدّد الحريديم بإسقاط الحكومة في حال استدعائهم إلى الخدمة فحسب، بل هم يلوّحون بذلك في حال امتناع نتنياهو عن سنّ قانون في الكنيست، يعفيهم بشكل كامل من الخدمة الإلزامية، ما يجعل رئيس الحكومة شبه ملزم بالخضوع لهم. في المقابل، يتناقض مثل هذا القانون، بطبيعة الحال، مع مبدأ توسيع الحرب أو استمرارها، واللذين يتطلّبان مشاركة المزيد من جنود الاحتياط.

المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بحاجة، وبسرعة، إلى أكثر من 10 آلاف جندي إضافي لمواصلة القتال

وفي الأيام الأخيرة، شكلت قضية التجنيد محط اهتمام معظم وسائل الإعلام العبرية. وطبقاً للأرقام التي نشرتها الأخيرة، فقد أشارت البيانات الصادرة عن قسم القوى العاملة في «هيئة الأركان العامة» للجيش الإسرائيلي، إلى أن المؤسسة العسكرية بحاجة، على وجه السرعة، إلى أكثر من 10 آلاف جندي إضافي، على أن يكون 7 آلاف و500 منهم، على الأقل، من المقاتلين الميدانيين. ويأتي هذا الطلب «العاجل» بعدما خسر جيش الاحتلال الآلاف من مقاتليه، ما بين قتيل وجريح ومعوّق منذ بدء الحرب. وفي هذا الإطار، نشرت صحيفة «هآرتس» العبرية بيانات تُظهر أنّ 54 في المئة من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للخدمة منذ 7 تشرين الأول من العام الماضي، خدموا بالفعل أكثر من 100 يوم، و18 في المئة منهم أكثر من 200 يوم، في أرقام تعدّ صادمة جداً، وفقاً لمعايير الجيش الإسرائيلي، وخاصة أنّ عدد القادة والضباط الذين قُتلوا في الحرب، بلغ حتى الآن ربع القتلى العسكريين، ما لا يقل عن 63 منهم هم من قادة السرايا، في حين أن عدد الجرحى ممن خرجوا من الحرب نهائياً، لا يقل عن ذلك العدد. أيضاً، ووفقاً لمعطيات الجيش، فإنّ حوالي ربع القتلى العسكريين البالغ عددهم 795، هم من الضباط، ومن بين هؤلاء ما لا يقل عن 63 من قادة السرايا، جنباً إلى جنب عدد كبير من الجرحى، ما يعني أن جيش الاحتلال خسر جزءاً كبيراً من قياداته الشابة التي يصعب تعويضها سريعاً. ويبقى لافتاً، أنّه حتى في حال قبول الحريديم بالتجنيد، فإنّهم لن يكونوا قادرين على ملء النقص في القادة الميدانيين الإسرائيليين الموزعين على جبهتين، أو حل المشاكل التي يواجهها الجيش، ولا سيما أنهم لن يشاركوا، على الأغلب، في أيّ مهمات ميدانية قتالية.
بناءً على ما تقدم، توحي التسريبات والتحليلات العبرية بأنّ نتنياهو «ملزم» بالاختيار بين ساحتَي الحرب، فيما من المرجح، في حال حصول ذلك، أن يحاول التوصل إلى «تسوية» على الجبهة اللبنانية، مقابل استمرار الحرب في غزة. وهو يأمل أن تتوقف الحرب مع «حزب الله»، ليسحب ما أمكن من قوات نظامية ويسرّح جنود الاحتياط المشاركين في القتال مع لبنان، قبل أن يسحب جنود الاحتياط من غزة أيضاً، ويُبقي على القوى النظامية فقط في القطاع، اعتباراً منه أنّ تلك القوى ستكون قادرة على التكفل بالقتال المستمر منذ أكثر من عام في غزة.
ويرى مراقبون إسرائيليون أنّ سيناريو كهذا سيكون بمثابة «خشبة خلاص» لنتنياهو؛ إذ إنّه سيتيح استمرار الحرب في غزة، والتوصل إلى ترتيب «ملائم» مع لبنان، مع الاكتفاء بإعلان «النصر» بأيّ شكل من الأشكال، وتسريح العدد الأكبر من جنود الاحتياط، وفي الوقت نفسه سنّ قانون إعفاء الحريديم من الخدمة، بالإضافة إلى إسكات الأصوات «الصهيونية الدينية» التي تهدد بإسقاط الحكومة، في حال وقف الحرب في القطاع. على أنّ ما تقدّم لا يعني أنّ أيّ حلول قريبة تلوح في الأفق، فيما تبقى أزمة التجنيد جزءاً من صورة أوسع، ومعطى من بين معطيات كثيرة، يجب أخذها في الحسبان لدى محاولة استشراف مستقبل الحرب.