Beirut weather 14.1 ° C
تاريخ النشر August 20, 2019
A A A
تفاءلوا بالخير تجدوه… متى الخروج من النقق المُظلم وهل نترقب انفراجات؟
الكاتب: بروفسور جاسم عجاقة - الديار

متى تنفرج الأمور ويلمس المواطن التداعيات الإيجابية على الصعيد الإقتصادي والمالي؟ ومتى تخرج مالية الدوّلة من النقق المُظلم الذي تعبره؟ أسئلة لا ينفك المواطن يطرحها على نفسه وهو الذي يُتابع الأخبار يوميًا عله يسمع الخبر السعيد على وسائل الإعلام.
أظهرت البيانات المالية على الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام أن العجز أقلّ من المتوقّع حتى في موازنة العام 2019! ويعود هذا الإنخفاض إلى وقف الإنفاق العام وحصره بالأجور وملحقاتها، خدمة الدين العام وكل الإستحقاقات الخارجية كما وإمتناع الخزينة العامة عن دفع مستحقات المورّدين مما سبب بخسارات عديدة لهم ووصل الأمر إلى حدّ عدم قدرة هؤلاء على الإستمرار نظرًا لما تُشكّله الدوّلة من حجم في الإقتصاد اللبناني.
بعد جهدٍ جهيد تمّ إقرار موازنة العام 2019 ولو بتأخير سبعة أشهر، وتعهدت القوى السياسية الأساسية في إجتماع بعبدا المالي الإقتصادي بحضور رئاسي ثلاثي، بتنفيذ هذه الموازنة بدقّة حتى لا يتكرّر ما حصل مع موازنة العام 2018. وعلى هذا الصعيد قال الرئيس ميشال عون في تصريح لوكالة رويترز أن سلسلة إجراءات تنفيذية لورقة بعبدا المالية سيتم تنفيذها في شهر تشرين الأول المقبل. كما كان مُلفتًا الزيارة المفاجئة التي قام بها وزير المال علي حسن خليل إلى مرفأ بيروت البارحة حيث كان له تصريح بالغ الأهمية ويُعبّر عن رغبة جماعية للقوى السياسية بلجم الفساد حيث قال «أن لا خيمة فوق رأس أحد في الجمارك بعد اليوم، وحق الدولة للدولة فقط». وهذا الأمر يعني أنه من المتوقّع أن ترتفع مداخيل الدوّلة من الرسوم الجمركية في الأشهر المقبلة مما يُدعّم إيرادات الدوّلة ويُعطي مصداقية أعلى لمستوى العجز المُتوقّع. وبالتالي وفي ظل الهدوء السياسي الحالي الذي لم يشهد له مثيل في لبنان، ستستعيد الدولة اللبنانية سيادتها المالية والإقتصادية قريبًا وستعمد إلى دفع مستحقاتها الداخلية (أو قسم منها) إبتداءً من شهر تشرين الثاني المقبل. وهذا الأمر سيُعطي دفعًا للإستهلاك والإستثمار وسنشهد بعض النمو الإقتصادي (ولو ضئيل جدًا) كإشارة إيجابية لبدء عودة الأمور إلى نصابها.
إلا أن التحسن الفعلي الملموس لن نشهده قبل نهاية الفصل الأول من العام 2020 حيث سيكون لمشاريع سيدر دور كبير في إنعاش الحياة الإقتصادية. واليوم يُدشّن الرئيس سعد الحريري بدء مشروع توسيع مطار رفيق الحريري الدولي وهو من أحد مشاريع سيدر المنصوص عليها في ورقة الحكومة المُقدّمة في مؤتمر سيدر (CIP). هذا الإفتتاح يأتي على خلفية الإعتمادات المُقرّة من مجلس النواب لمشاريع داخلية والتي تبلغ قيمتها 3.3 مليار دولار أميركي. وهذا يعني أن الأشغال في المطار والتي إذا ما تمّ انهاؤها أو إنهاء قسم منها قبل موسم الصيف المقبل، ستدرّ على لبنان مداخيل سياحية إضافية.
على صعيد موازنة العام 2020 ومع بدء وزارة المال العملّ الجدّي على تحضير مشروع الموازنة الذي سترّفعه إلى مجلس الوزراء، من المتوقّع أن تشهد هذه الموازنة خطوات إصلاحية جديدة إضافية عملا بمبدأ الـ «momentum» الذي تشهده الساحة السياسية وإعتلاء الشأن الإقتصادي والمالي المرتبة الأولى في سلم أولويات الحكومة. وقد علمت «الديار» أن وزير المال سيقترح في مشروع موازنة العام 2020 عددًا من الخطوات الإصلاحية الجديدة التي ستؤمّن مداخيل إضافية للدوّلة وفي نفس الوقت تُشكّل لجمًا للفساد في عدد من القطاعات حيث يهدف وزير المال إلى خفض العجز بنسبة 1% عن عجز العام 2019 عملا بشروط مؤتمر سيدر. إقتصاديًا من المتوقّع أن تحوي هذه الموازنة على عدد من الطروحات لدعم بعض القطاعات الإنتاجية والتي تعذّر وضعها في موازنة العام 2019 لضيق الوقت. وقد علمت «الديار» أن وزير المال بصدد طرح إقتراحات لبعض القطاعات الإنتاجية الواعدة في لبنان والتي ستُشكّل تحوّلا جذريا لهذه القطاعات.
أمّا على صعيد مشاريع مؤتمر سيدر فسيتمّ إدراج المشاريع، التي يتمّ تأمين أموالها، في مشروع الموازنة. وبما أن إقرار الموازنة لن يكون قبل شهر كانون الأول من العام الحالي، لذا سيتمّ إدراج هذه المشاريع تدريجيًا بحسب تأمين تمويلها. وبالتالي، سنشهد بدء تنفيذ مشاريع سيدر المموّلة من مُقرضي سيدر بدءًا من العام المقبل وسيبدأ المواطن بملاحظة الفارق على صعيد تأمين فرص العمل (إذا ما تمّ إعطاء الأفضلية للعامل اللبناني).
وقد يتساءل القارئ عن سبب هذا التفاؤل خصوصًا أن التجارب الماضية أثبتت أن الخلاف السياسي عطّل الحكم لسنين عديدة وأن لبنان ينتظر إستحقاقًا هذا الأسبوع على صعيد تصنيفه الإئتماني. إلا أن ما يتوجّب ذكره أن الأسباب التي دفعت القوى السياسية إلى عقد إجتماع المصارحة والمصالحة في بعبدا، ستكون هي نفسها التي ستضّمن الهدوء السياسي خلال الأشهر المقبلة وتؤمّن الأرضية للعمل الإقتصادي. أما على صعيد التصنيف الإئتماني، فقد أصبح معلومًا من الجميع أن إحتمال خفض تصنيف لبنان الإئتماني إلى «CCC+» هو أمرٌ شبه محسوم، وبالتالي أصبحت هذه المعلومة عامّة وإستوعبتها الأسواق المالية مما يعني أن ردّة فعل الأسواق لن تكون كبيرة. إلا أن ما يجب معرفته أن أيّ ترد في مالية الدوّلة على الصعيد المالي في المستقبل، ستكون له تبعات كارثية وهذا الأمر هو أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى التفاؤل أن السلطة السياسية لن تعمد إلى مزيد من الإشتباكات فيما بينها (أقلّه لتمرير هذه المرحلة). أمّا العكس فهذا يعني أن كلام الرئيس عون «عدم تنفيذ مقررات ورقة بعبدا يعني أن لا حكم في لبنان» هو حق!
وفي الختام، نتوقّع أن يكون هناك عودة للإنفراج في شهر تشرين الثاني المقبل مع بدء الدوّلة دفع مستحقات المورّدين للقطاع العام. أمّا على الصعيد الإقتصادي، فإن الإنفراجات ستبدأ مع نهاية هذا العام مشروطة بإلتزام كامل بنسبة العجز المُقرّة في موازنة العام 2019 .