Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر April 9, 2021
A A A
تغيير الممسحة الوسخة!
الكاتب: راجح خوري - النهار

بيار دوكين سفير الرئيس ايمانويل ماكرون لمتابعة تنفيذ مقررات “مؤتمر سيدر” الذي صار تقريباً من النسيان، زار بيروت مرتين، وفي كل مرة كان يلتقي كل المسؤولين اللبنانيين. في المرة الأولى ودَّع الصحافيين في قصر الصنوبر بإعلان يشبه الفجيعة، عندما قال “ان لبنان بلد غير قابل للإصلاح”. وفي المرة الثانية بعد ستة اشهر أصيب باليأس الكامل، عندما قال تكراراً للصحافيين انه مفجوع بعدما سمع كل المسؤولين في بيروت يقولون كلاماً واحداً، وانه “مما يدعو الى الإستغراب انكم صدقتم انه يمكن اجراء كل هذه الإصلاحات التي وُعِدنا بها”. ولهذا غادر دوكين بخلاصة جديدة: “لم اجد أي شيء إيجابي في بيروت”.
في 17 آب من العام 2019، انهى ادواردو غابرييل رئيس منظمة “تاسك فورس فور ليبانون” جولة من المحادثات مع المسؤولين اللبنانيين بخلاصة بديعة بل ممتازة عندما قال: “لقد قلت للمسؤولين انه لا يمكنهم تنظيف المنزل بالممسحة القذرة”، ومنذ ذلك الوقت، لا بل بعد عقدين من وساخة هذا المنزل اللبناني، لم تتغيّر الممسحة القذرة، رغم انه “كما تكونون يولّى عليكم”.
وفي اعتقادي ان الممسحة القذرة لن تتغير ابداً، لأن السياسيين الذين قال ميشال عون انهم حماة الفساد، ودعمه حسان دياب بالقول ان الفساد اكبر من الدولة، هم أصحاب القرار، وهم كل المسؤوليات السياسية والقانونية والأخلاقية والأمنية، ولهذا لم يكن من المبالغة ان يكرر الكثيرون مقولة ان لبنان تحكمه عصابة من الفاسدين، من عشرين عاماً على الأقل، وانهم تجاوزوا كل حدود الفحش في السرقة والنهب، الى درجة جعلت كبريات الصحف العالمية تقدّر المبالغ المنهوبة بأكثر من 320 مليار دولار.
لم يكن غريباً يقول جان – ايف لودريان “ان القوى السياسية اللبنانية عمياء ولا تتحرك لإنقاذ البلاد على رغم التعهدات التي اتُّخذت، وهذه جريمة”، مؤكداً انها ترفض التوافق، ولكن عندما يرى ان “الأزمة اللبنانية ليست ناتجة من كارثة طبيعية بل من سياسيين معروفين يتعنتون عن عمد ولا يسعون للخروج من الأزمة”، فمن الضروري التوضيح انها ناتجة من كارثة مسؤولين سياسيين يمتهنون سرقة البلاد وإقامة مناحة عليها، أي انهم الممسحة القذرة التي لا تنظف البلد بل توسّخه.
طبعاً يأتي كلام وزير الخارجية الفرنسي بعد التحذير الأخير الذي وجّهه الى المسؤولين باسم الأسرتين الأوروبية والدولية وبالنيابة عن الدول العربية المفجوعة بالسرطان السياسي الذي يدمر لبنان، ولكن الى اين يمكن ان يؤدي هذا؟ في رأيي الى لا شيء، فقد وصلنا الى جهنم كما قال عون.
ويأتي كلام لودريان وتحذيره القاسي من العقوبات على السياسيين الفاسدين، متلازماً تقريباً مع خطاب الرئيس عون الذي نفخ قوياً في أبواق ما يسمى “التحقيق الجنائي”، الذي في رأيي المتواضع، لن يقود الى شيء، لأن كل الدولة تقريباً هي الممسحة الوسخة في كل وزاراتها ومؤسساتها وتنفيعاتها واقطاعياتها، والتحقيق الجنائي لا يقتصر على المصرف المركزي، بل قبل ذلك يفترض ان يشمل كل المرافق العامة، التي لا زالت تخضع لعملية نهب ممنهجة من قِبل أصحاب النفوذ، وقد يكون من المناسب التذكير بانه مع قرع طبول “التحقيق الجنائي”، كانت القوى الأمنية توقف اول من امس عشرات الشاحنات التي تهرّب البنزين والمازوت والأغذية الى سوريا منذ اشهر وبدعم من دولارات الناس في “المركزي”. ويبقى السؤال: مَن سيحقق مع مَن في هذه الدولة المقسّمة حصصاً ومحسوبيات؟