Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر December 12, 2024
A A A
تعليق الطلبات واستعدادات للترحيل: الأوروبيون يستعجلون عودة اللاجئين
الكاتب: سعيد محمد

كتب سعيد محمد في “الأخبار”

أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستعلّق عمليات معالجة طلبات اللجوء المقدَّمة من سوريين، بعد استيلاء قوات المعارضة على العاصمة دمشق، وفرار الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا. ونقلت صحف لندن عن ناطق باسم وزارة الداخلية، قوله إن الأخيرة «أوقفت مؤقّتاً القرارات في شأن طلبات اللجوء السورية المُقدّمة، بينما تقيّم الأوضاع المستجدّة». ويبدو أن عدة دول أوروبية قد شرعت بالفعل في تحضيرات مكثّفة في السياق نفسه، فيما ثمّة توجه لمساعدة كلّ من تركيا (3 ملايين لاجئ سوري)، والأردن (750 ألفاً) أيضاً على برمجة عودة منظّمة للاجئين إلى بلدهم.
وفي فيينا، أعلنت حكومة تصريف الأعمال النمسَوية أنّها أمرت بوقف معالجة طلبات اللجوء من السوريين، ومراجعة جميع الحالات التي مُنح فيها اللجوء سابقاً. وقال وزير الداخلية، جيرهارد كارنر، إن تعليمات صدرت إلى وزارته بإعداد برنامج لترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، علماً أن السوريين يشكلون أكبر مجموعة من طالبي اللجوء إلى النمسا، ولدى الحكومة حالياً ما يقرب من 13 ألف طلب قيد النظر. أما في السويد، فقالت وكالة الهجرة في استوكهولم إنها أوقفت مؤقّتاً البتّ في طلبات اللجوء التي قدّمها سوريون، وستشرع تالياً في تنظيم عمليات للترحيل. وكذلك الأمر في اليونان، حيث أوقفت وزارة الداخلية هناك النظر في نحو 9000 طلب لجوء لسوريين، وفي حين اتّخذت حكومات فنلندا والنرويج وإيطاليا وهولندا وبلجيكا إجراءات مماثلة، يُعتقد أن حكومة تصريف الأعمال الفرنسية ستلحق بنظيراتها.
أما في ألمانيا التي حملت العبء الأكبر من اللجوء السوري إلى أوروبا، إذ تستضيف أكثر من مليون منهم منذ عام 2011، فقال الناطق باسم المكتب الاتحادي الألماني للهجرة واللاجئين، إنه «قد يكون من السابق لأوانه التنبؤ بما إذا كانت التطوّرات الحالية في سوريا ستؤدي إلى تحركات للاجئين من المنطقة أو إليها، أو ما هو تأثيرها على فرص عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم»، لكنّ المكتب قرّر، كإجراء احترازي، فرض تجميد فوري لكل القرارات المتعلّقة بالبت في إجراءات اللجوء لأكثر من 47 ألف سوري كانت قيد المعالجة. ومع ذلك، حذّرت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، من أن «الأوضاع في سوريا لا تزال غير واضحة في الوقت الحالي»، و«تحمل احتمالات متفجّرة بعد نهاية طغيان الأسد الوحشي»، معربةً عن حبورها لأن «العديد من اللاجئين السوريين الذين وجدوا الحماية في ألمانيا أصبح لديهم أخيراً أمل في العودة إلى وطنهم سوريا، وإعادة بناء بلدهم».
وكان رئيس المفوّضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، قد حثّ دول اللجوء على التروّي، ومعرفة ما سيحدث في سوريا بعد سقوط النظام هناك. وقال في بيان نشرته المفوّضية: «سيكون من الضروري التحلّي بالصبر واليقظة، على أمل أن تتطوّر الأمور على الأرض بطريقة إيجابية، ما يسمح بعودة طوعية وآمنة ومستدامة، توازياً مع تحسّن قدرة اللاجئين على اتخاذ قرارات مستنيرة». ومن جهته، دعا الاتحاد الأوروبي، أعضاءه إلى توخّي الحذر، قائلاً إن أيّ تحركات لإعادة السوريين يجب أن «تتطلّب دائماً تقييمات فردية». وأوصى الناطق باسم المفوّضية الأوروبية في بروكسل، ستيفان دي كيرسمايكر، بدوره، دول الاتحاد بـ«ألّا تنسى أن الأمور لا تزال سائرة في هذا المجال»، وذلك بعدما حذّرت الموكلة بالشؤون الخارجية في المفوضية (حكومة الاتحاد الأوروبي)، كايا كالاس، من أنّ ثمّة «تحدّيات هائلة» تواجه العملية الانتقالية الجارية في سوريا بعد سقوط حكم الأسد، وناشدت السوريين عدم تكرار «السيناريوات المرعبة» التي حدثت في كل من العراق وليبيا وأفغانستان بعد إطاحة أنظمتها.

اقترح «الديموقراطي المسيحي» أن تنظّم برلين رحلات جوية إلى دمشق، وتقدّم 1000 يورو «لأيّ شخص يريد العودة إلى سوريا»

ومع ذلك، فقد سارع العديد من الساسة الأوروبيين ممَّن يتموضعون على يمين الطيف السياسي، إلى مطالبة حكومات بلادهم بالإسراع في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم. واقترح ينس سبان من «الحزب الديموقراطي المسيحي» المعارض (يمين الوسط) أن تنظّم برلين رحلات جوية مستأجرة إلى دمشق، وتقديم 1000 يورو «لأيّ شخص يريد العودة إلى سوريا»، فيما علّق أليس فايدل، من حزب «البديل من أجل ألمانيا» (أقصى اليمين) على احتفالات اللاجئين السوريين بسقوط النظام، قائلاً: «من الواضح أن أيّ شخص في ألمانيا يحتفل بـ(سوريا الحرّة) لم يَعُد لديه أيّ مبرّر للجوء إلى دول أخرى»، واقترح ثورستن فراي، النائب في البوندستاغ (البرلمان) عن «الحزب الديموقراطي المسيحي»، أن ترفع الحكومة الألمانية ما يسمّى بالحماية الفرعية التي تُمنح لطالبي اللجوء السوريين لدى رفض طلباتهم.
وبينما انتقدت منظّمات مجتمع مدني وأعضاء في «الحزب الاجتماعي الديموقراطي» (يسار الوسط) هذه الدعوات، ووصفوها بـ«غير اللائقة وغير المناسبة»، فإن خبراء توقّعوا أن تفشل حكومة الائتلاف اليساري الليبرالي التي يقودها المستشار أولاف شولتس، زعيم الحزب، في الحصول على ثقة البرلمان – بعد خروج الحزب الليبرالي الشريك الأصغر من الائتلاف -، ما يرجّح عودة أحزاب اليمين وأقصى اليمين إلى السلطة في انتخابات قد تجري في شباط المقبل. وتأتي مسألة الهجرة وتأثيراتها السلبية على الاقتصاد والحياة الاجتماعية في ألمانيا على رأس قائمة برامج تلك الأحزاب.
ودفعت ضغوط الأحزاب اليمينية عبر القارة الأوروبية في شأن الهجرة، حكومات عدد من الدول إلى تشكيل مجموعة لتنسيق السياسات أصبحت تُعرف بـ«مجموعة كاليه»، وتضمّ إلى بريطانيا كلاً من ألمانيا، وفرنسا، وهولندا، وبلجيكا. وقد أقرّت المجموعة خطّة من خمس استراتيجيات لمكافحة تهريب اللاجئين للعام المقبل، ولا شكّ في أن تطورات الأوضاع في سوريا ستمنح محادثاتها لإبطاء تدفّق المهاجرين من الدول المصدّرة في الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا وغرب البلقان، ثقلاً أكبر. وتعتزم المجموعة أيضاً إطلاق حملات واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي للتوعية بمخاطر إقدام المهاجرين غير الشرعيين على دفع أموال لمافيات تنظّم رحلات عالية الخطورة عبر الطرق المؤدية إلى أوروبا، فيما لم تستبعد الضغط على شركات التكنولوجيا لحظر الصفحات التي تُستخدم للتواصل بين المافيات واللاجئين المحتملين، كما قالت إنها ستعمد إلى مواجهة عصابات التهريب الكردية العراقية، وفضح تكتيكاتها من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية عبر الحدود.
وكانت الحكومة الألمانية أبلغت لندن أنها ستوسّع مروحة قوانين مكافحة التهريب في محاولة لقطع طريق اللاجئين إلى القنال الإنكليزي، حيث عبر نحو 34 ألف شخص إلى بريطانيا بشكل غير قانوني هذا العام. وتشتبه المملكة المتحدة في أن المهرّبين يستخدمون ألمانيا كقاعدة لعملياتهم، فيما ضغطت حكومة السير كير ستارمر على نظيرتها في برلين، لاتّخاذ إجراءات حاسمة ضدّ مافيات التهريب.