Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر October 24, 2022
A A A
تعديل قانون “السرية المصرفية” يسابق الوقت والشغور الرئاسي… لبنان لصندوق النقد الدولي: “أمرك سيدنا”
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

 

ليس خافياً أن قانون السرية المصرفية الذي أعيد طرحه على مجلس النواب لتعديل بعض بنوده، بعدما رفض رئيس الجمهورية توقيعه، وأعاده الى المجلس مع ملاحظاته، هو من أخطر القوانين الإصلاحية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي. فهو، الى أهمية دوره المركزي والضروري للإقتصاد الوطني، يبقى القانون “الملك” الذي بُنيت على أساساته عمارة البناء المصرفي اللبناني، وحقق حين إقراره منذ عقود مجدا ونموا كبيرين للقطاع المصرفي وتوَّجه درّة الاقتصاد الوطني.

عقد مجلس النواب جلسته، فيما الجميع في سباق مع الوقت. فالخوف من انتهاء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، قد يؤدي بالبلاد الى فراغ دستوري لا يمكن معه إبرام القانون العتيد، كما لا يمكن لأحد التنبؤ بطول مدة الشغور الرئاسي المتوقع، بما يعوق الخطط الحكومة “المهرولة” لتوقيع أي اتفاق، كيفما اتفق، وبأي ثمن، يفتح باب الإستجداء مع صندوق النقد والمنظمات الدولية.

الإجماع السياسي والنيابي على إقرار القانون عموما، وتغيير هوية الصناعة المصرفية في لبنان، وياللأسف، متفق عليهما بين النواب، لكن مضامين التعديلات استوجبت الكثير من النقاش، فمنهم من رأى أن لا فائدة منه غير إرضاء صندوق النقد، ومنهم من اعتبر أن لبنان بلد لا يحاكِم أحدٌ فيه أحداً، لذلك تنتفي فاعلية جدوى إقرار هذا القانون فورا بعد توقيعه. أما المغالون في السخرية، فبعضهم يقول وآخر يؤكد أن تشريعات كهذه غير متاح تطبيقها عمليا، إلا بعد تطهير الإدارة والقضاء والمؤسسات الرقابية من المحسوبيات والأتباع، ليصير ممكنا تطبيق القانون جديا لا صوريا، وإلا فإن أقصى ما يمكن تحقيقه من إصلاح مأمول، هو إحالة بعض صغار الموظفين، “العراة” من الحمايات السياسية الى التحقيق، فيما الفاسدون والمفسدون، وخصوصا السياسيين منهم، سيبقون خارج دائرة المحاسبة، لأن “حاميها حراميها”، آمنون في كراسيهم ومواقعهم.

السرية المصرفية قبل التعديلات وبعدها؟

مَن تابع وقائع الجلسة شهد على ان العمل الاعدادي الذي قامت به لجنة المال والموازنة في الفترة الماضية، كان تأسيسيا لإقرار القانون الاصلاحي العتيد، خصوصا أن الهيئة العامة لم تجرِ تعديلات اساسية على صيغة لجنة المال بل اقتصر التعديل على إضافة أو حذف كلمة، من دون تبديل جوهري في المعنى والغاية. مع الاشارة الى أنه قبل اقرار القانون، وبعد النقاش المستفيض فيه، طلب النائب جورج عدوان شطب عبارة “صندوق النقد طلب ذلك”. فما كان من رئيس لجنة المال النائب ابرهيم كنعان الا أن رد بالقول: “أرجو من الزملاء الابتعاد عن تسجيل النقاط في هذا الخصوص. فجميعنا نعلم أن هذا القانون كما قوانين اصلاحية أخرى، هي ممر الزامي للاتفاق مع صندوق النقد. لذلك، فلنكن صريحين مع أنفسنا ومع الناس، أنها مطلب، وليست تمنيات”.

وبما أن القوانين الإصلاحية مطالَب بها مِن صندوق النقد الدولي، وممر الزامي لاتمام الاتفاق معه، وانطلاقا من ملاحظات سابقة للصندوق على الصيغة الأولى التي اقرها المجلس، أبقى كنعان تواصله في الأيام الفاصلة عن الجلسة التشريعية قائما مع الصندوق، للخروج بصيغة مقبولة.

وقد بدا أن صيغة لجنة المال والموازنة أبعد مدى من تلك التي اقرتها الهيئة العامة في ما يتعلق باللائحة الاسمية، اذ إن صيغة لجنة المال تضمنت رفع السرية عن اسماء الحسابات، مع اعطاء الحقّ لأيّ من المستهدفين بمراجعة قضاء العجلة، كون الصلاحية أعطيت لعدد من المراجع من دون وجود أي شبهة، وبهدف اعادة هيكلة المصارف وممارسة العمل الرقابي عليها، الامر الذي عدّلته الهيئة العامة، على رغم اصرار كنعان على ما توصلت اليه لجنة المال، مشددا أكثر من مرة خلال الجلسة على أهمية هذا البند للصندوق.

وبالعودة الى المسار التشريعي للقانون وأهم ما تضمّنه، فقد تناول البعض تعديل قانون سرية المصارف، مركزين على موضوع “تكريس احتكار لهيئة التحقيق الخاصة لصلاحية رفع السرية المصرفية”، ليخلصوا إلى أن مشروع قانون السرية المصرفية “أفرِغ من مضمونه”.
ومن أجل وضع الأمور في نصابها السليم، ثمة حقائق حيال التعديل الذي اقرته لجنة المال والموازنة على مشروع القانون والهيئة العامة من بعدها وتتعلق بالآتي:

– إن صلاحية هيئة التحقيق الخاصة في طلب رفع السرية المصرفية (لا رفع السرية لأن من يرفع السرية هو من يملك السر المصرفي، أي المصارف) مكرسة بموجب القانون 44/2015 المتعلق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. والتعديل الذي أجرته لجنة المال على مشروع قانون تعديل قانون سرية المصارف لم يوسع صلاحية الهيئة، لا بل حصر حقها بطلب رفع السرية المصرفية وفق القانون 44/2015 من دون سواه.
– أعطى التعديل صلاحية طلب رفع السرية المصرفية لكل من:
– القضاء المختص في دعاوى التحقيق في جرائم الفساد والجرائم المنصوص عليها في المادة 19 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والجرائم المحددة في المادة الأولى من القانون الرقم 44 تاريخ 24/11/2015 (مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، ودعاوى الإثراء غير المشروع المقامة استنادا إلى القانون الرقم 189 تاريخ 16 تشرين الأول 2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع).
ومعلوم أن عبارة “القضاء المختص” تشمل النيابات العامة صاحبة الحق بالادعاء لكي يتحرك قضاة التحقيق ويمارسوا صلاحياتهم. فلا دعاوى تحقيق من دون ادعاء من قِبل النيابة العامة.
– الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وفقا لأحكام القانون الرقم 175 تاريخ 8 أيار 2020 (قانون مكافحة الفساد في القطاع العام وإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد)، ولاسيما المادة الرابعة منه، والمادة 13 من القانون الرقم 189 تاريخ 16/10/2020 (قانون التصريح عن الذمة المالية والمصالح ومعاقبة الإثراء غير المشروع).
– الإدارة الضريبية بهدف مكافحة التهرب الضريبي وذلك وفقا لأحكام القانون الرقم 44 تاريخ 11 تشرين الثاني 2008 وتعديلاته (قانون الإجراءات الضريبية).
– كل من: مصرف لبنان المنشأ بموجب القانون المنفّذ بالمرسوم الرقم 13513 تاريخ 1/8/1963 وتعديلاته (قانون النقد والتسليف)، ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع المنشأتين بموجب القانون الرقم 28/67 تاريخ 9/5/1967 وتعديلاته (تعديل وإكمال التشريع المتعلق بالمصارف وإنشاء مؤسسة مختلطة لضمان الودائع المصرفية)، وذلك بهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
أما بعد إعادة هيكلة القطاع المصرفي، أو حتى بموجب قانون إعادة الهيكلة، فيمكن إعادة النظر بهذه الصلاحيات ونطاقها.
يشار إلى أن صلاحية كل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف بطلب المعلومات المحمية بالسرية المصرفية مكرسة بموجب المادة 150 من قانون النقد والتسليف في ما خص الحسابات المدينة، وهو ما يدحض ما ورد في بعض المقالات عن تكريس احتكار هيئة التحقيق الخاصة لصلاحية رفع السرية المصرفية.
أما المقارنة بين قانون سرية المصارف بصيغته الأساسية، والصيغة المعدلة له فتبين الآتي:
– كان رفع السرية المصرفية يقتصر على حالة الإثراء غير المشروع (أي حالة الموظف العمومي والقائم بالخدمة العامة)، إلا أن هذه السرية لم ترفع ولو مرة واحدة منذ صدور القانون، فجاء التعديل:
– ليضيف فئات أخرى غير الموظف العمومي والقائم بالخدمة العامة: كرؤساء الجمعيات السياسية من جهة وأصحاب وسائل الإعلام المرئي والمسموع من جهة ثانية، ومرتكبي جرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب من جهة ثالثة. وليضيف قضايا أخرى غير الإثراء غير المشروع: كالفساد في القطاع العام من جهة، وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب من جهة ثانية، والتهرب الضريبي من جهة ثالثة.
– العقوبات على مخالفة قانون سرية المصارف كانت تقتصر على العاملين لدى المصارف في حال أفشوا المعلومات المتعلقة بالزبائن، فأصبحت تطاول أيضا المؤسسات المصرفية في حال الامتناع عن تقديم المعلومات المطلوبة من قِبل المراجع المعنية، أو التأخر في تقديمها.
– المراجع التي كان يحق لها طلب المعلومات، تقتصر على القضاء المختص بالتحقيق في جرائم الإثراء غير المشروع، فجرى توسيع نطاق حق القضاء ليشمل أيضا بعض الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات، كما أعطي هذا الحق لكل من هيئة التحقيق الخاصة في ما يتعلق بجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في ما يتعلق بجرائم الفساد، وللإدارة الضريبية في ما يتعلق بالامتثال الضريبي والحد من التهرب، ولكل من مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع بهدف إعادة هيكلة القطاع المصرفي كما سبقت الإشارة بالتفصيل في البند (2) أعلاه.
– كان القانون يسمح بفتح حسابات مصرفية مرقمة وبتأجير خزائن حديدية لأشخاص لا يعلم سوى مديري المصارف بأسمائهم، فألغي هذا الحق، وأصبح فتح الحسابات وتأجير الخزائن الحديدية خاضعاً لجميع الإجراءات والأصول العادية المتعلقة بفتح الحسابات المصرفية وتأجير الخزائن الحديدية.
كما تضمّن التعديل 4 أمور جوهرية هي:
– تعريف مفصل ودقيق للموظف العمومي وللقائم بالخدمة العامة، حتى لو لم يكن الموظف يتقاضى أجراً لقاء عمله.
– عدم إفادة رؤساء الجمعيات السياسية وأصحاب وسائل الإعلام المرئي والمسموع من السرية المصرفية.
– استمرار خضوع كل من الموظف العمومي والقائم بالخدمة العامة للقانون لمدة 5 سنوات إضافية بعد انتهاء عمله أو خدمته.
– إعطاء القانون مفعولا رجعياً يعود إلى 22 تشرين الثاني 1989 في ما خص كل من الموظف العمومي والقائم بالخدمة العامة.
في الخلاصة: شتان ما بين قانون السرية المصرفية بصيغته الأساسية وما أصبح عليه بعد تعديله، بما يدحض مقولة “إفراغ القانون من مضمونه”.