Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر April 22, 2024
A A A
تصنيف جديد للودائع… من هو “المُستثمر”؟
الكاتب: أنطوان فرح - الجمهورية

يحاول حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري كل الوسائل المتوفّرة بين يديه، لإبعاد كأس إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، من قبل FATF. لكن، وعلى طريقة «إيد وحدة ما بتزَقّف»، قد يكون من الصعب اجتراح عجائب، اذا كان المسؤول الاول عن المعالجة، غائب عن السمع منذ حوالى خمس سنوات.

أدركت ادارة مصرف لبنان انّ فترة السماح التي أُعطيت للبنان لتنفيذ إجراءات طلبتها منه مجموعة العمل المالي (FATF) أشرفت على الانتهاء، وباشَرت هذه الادارة سلسلة اجراءات واتصالات تهدف الى تنفيذ ما أمكَن، وضمن ما تسمح به صلاحيات البنك المركزي، لتجنيب البلد الانزلاق الى اللائحة الرمادية، التي في حال حصلت، تزيد في تعقيدات الوضع المالي والاقتصادي، اكثر مما هو معقّد. وقد بادر وسيم منصوري الى اتخاذ خطوات اعتبر انها تساعد في تدعيم موقف لبنان في مواجهة هذا الاستحقاق:

 

-1 إجتمع مع مسؤولين اميركيين يتابعون هذا الملف، وحاول التفاهم معهم على ما يمكن إنجازه في فترة زمنية قصيرة، قبل أن يُتخذ القرار من قبل FATF. وفتح قلبه وأوراقه لتبيان ما يمكن انجازه من قبل المركزي، وما يستحيل تحقيقه لأنه مرتبط بقرارات خارجة عن صلاحياته، ولها علاقة بالسلطتين التنفيذية والتشريعية.

 

-2 باشَر محاولات تنظيم عمل الصيارفة، وعقد اجتماعاً موسعاً مع مؤسسات الصيرفة من الفئة الاولى، واتفق معهم على آلية محدّدة اعتبر انها ستؤدّي الى رقابة اضافية على حركة الاموال التي تمر عبرهم بنسبة مرتفعة في ظل الاقتصاد النقدي السائد منذ الانهيار.

-3 تصدّى للمشروع الحكومي المعنوَن على غير حقيقته، والذي سيؤدي الى ضياع حقوق المودعين، والقضاء على القطاع المصرفي برمته، بما سيؤدي الى توسعة اضافية للاقتصاد النقدي، وفقدان المدماك الاساسي الذي يمكن البناء عليه للخروج من الاقتصاد النقدي الى الاقتصاد الطبيعي الذي يسمح بإعادة الحركة المالية الى الرقابة والمتابعة.

 

-4 أعاد التذكير بالتعميم 165 الصادر في قبل عام، في نيسان 2023، والذي ينظّم عمليات الودائع الجديدة، عبر تسهيل عمليات دفع الرسوم والضرائب وتسديد الفواتير وتحويل الاموال عبر الشيكات المصرفية والبطاقات الائتمانية الـfresh سواء بالليرة أو الدولار. وذلك من خلال خلق مقاصّة محلية إضافية للتعامل بالـfresh إن بالليرة أو الدولار.

 

-5 أجرى اتصالات مع شركات بطاقات الدفع العالمية، فيزا وماستر، لتقديم تسهيلات تسمح بتشجيع استعمالها من قبل اللبنانيين، للتخفيف من استخدام الدفع النقدي.

 

-6 حاول، ولا يزال، ابتكار مفاهيم يمكن ان تسهّل عملية الوصول الى حل لأزمة الودائع، من خلال تقسيمات وتصنيفات جديدة، منها محاولة التصنيف على اساس شرعي وغير شرعي، وصولاً الى الفرز بين مفهوم المودع والمستثمر، وهو ما أشار اليه في حديثه الأخير الى «بلومبرغ».

هل يمكن لهذه الاجراءات والمحاولات ان تُنقذ البلد من الانزلاق الى اللائحة الرمادية، وتخفّف من الضغوطات الخارجية التي من شأنها ان تزيد في عزلته عن الاسواق العالمية، وترفع كلفة المعاملات المالية، وتزيد بالتالي الضغط على الوضع الاقتصادي والمعيشي لكل اللبنانيين؟

 

في آخر المعلومات، انّ شركتي فيزا وماستر باشرتا الاتصالات مع المصارف للاتفاق على نهج جديد في التعامل، يستند الى مبدأ خفض كلفة استخدام البطاقات، لتشجيع المتعاملين على العودة الى الدفع الالكتروني. لكنّ المشكلة تكمن في مكان آخر لا تطاله صلاحيات او قدرات مصرف لبنان، وتحديداً لدى الدولة المتقاعسة عن أي دور حيوي مطلوب القيام به لاستكمال خطوات المركزي، وصولاً الى تقليص مساحة الاقتصاد النقدي. هذا التقاعس يدفع احياناً مصرف لبنان الى الخروج عن المعايير المعتمدة عالمياً، واللجوء الى طرق قد تكون مؤذية، ومنها على سبيل المثال، ما ألمحَ إليه منصوري لجهة التصنيف الجديد للودائع. وبعد المؤهل وغير المؤهل، وبعد الشرعي وغير الشرعي، يجسّ منصوري النبض لجهة التفريق بين المودع والمستثمر. هذه المحاولة قد تؤدي الى نتائج عكسية من خلال سهولة الاستنسابية، والعنصرية المالية التي قد لا توصِل الى بر الامان.

 

الطريقة الوحيدة للخروج من النفق بات يعرفها القاصي والداني، وقد اقتنع بها قسم من المشرّعين في المجلس النيابي، وهي تقضي بالعودة الى المعايير العالمية، التي تصنّف المودعين على اساس حجم الوديعة أولاً، بحيث تتم حماية الودائع الصغيرة. أمّا تصنيف ما هو غير شرعي فيمكن ان يحصل على اساس تطبيق الحوكمة، والتي تسمح باستبعاد الودائع المشبوهة والتحقيق في مصدرها كحالات فردية، وليس ضمن تصنيف جماعي يصعب تطبيقه، ويؤدي الى خلط الحابل بالنابل، واضاعة فرص الانقاذ، من خلال تعقيدات توشي بعدم الوصول مُطلقاً الى نتيجة.

 

تتوقّف مسألة تحاشي الاسوأ، ومن ضمنه اللائحة الرمادية، وما بعد بعد اللائحة الرمادية،على السلوك الذي ينبغي اتّباعه من قبل الدولة، المسؤول الاول عن حصول هذه الأزمة النظامية، والمسؤول الحصري القادر على إخراج البلد منها.