Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر January 12, 2019
A A A
تشييع الرئيس الاسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي جبران عريجي في زغرتا
6f7cd75f-2df5-466e-a342-c26a3e3bdcdb 9ee7294d-7d22-4260-88cf-2e84781c6f05 651d0fa2-7358-4dfd-91c9-ebeb13b960fb 6502db62-b7ab-45a6-bd51-6533db1565cc dd45d916-a5d0-44ed-876e-51ca94fbf16b 3110aafc-e4c0-4766-9988-d78053a276ed c997cba3-f151-4f9e-b606-a5ec80352a89 cf0cc307-49bb-47d1-bf04-f51fda6d2440
<
>

شيع الحزب السوري القومي الاجتماعي، ومدينة زغرتا والقضاء، الرئيس السابق للحزب جبران عريجي في ماتم مهيب أقيم في كنيسة مار يوسف في زغرتا، بحضور حشد سياسي واجتماعي وحزبي. تراس الصلاة المونسنيور اسطفان فرنجيه، بمشاركة لفيف من كهنة نيابة اهدن زغرتا.
حضر صلاة الجنازة وزير الاشغال العامة والنقل المحامي يوسف فنيانوس، النواب طوني فرنجيه، اسعد حردان، اسطفان الدويهي، سليم سعاده، جهاد الصمد، والوزراء السابقون يوسف سعاده، روني عريجي، النائب السابق أميل رحمه، رئيس المجلس الأعلى اللبناني السوري نصري خوري، وفد من حزب الله برئاسة الحاج محمود قماطي، وعضو المكتب السياسي للحزب الحاج محمد صالح، كما شارك حزبيا رئيس الحزب القومي السوري الاجتماعي حنا الناشف وكبار المسؤولين في الحزب من مختلف المناطق اللبنانية.
كما شارك قائد الجيش العماد جوزاف عون ممثلا بالعميد يوسف تكريتي، مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان ممثلا بامر فصيلة درك زغرتا الرائد داني الحداد، مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ممثلا بالرائد طلال حمدان، مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا مثلا برئيس مكتب امن الدولة في زغرتا العقيد إسكندر يونس، رئيس بلدية زغرتا اهدن الدكتور سيزار باسيم، اهل الفقيد، وحشد من الشخصيات والوجوه الاجتماعية والحزبية.
بعد الانجيل المقدس القى المونسنيور فرنجيه عظة قال فيها:”زغرتا تودّع جبرانها لا بأجنحة متكسّرة بل بأجنحة الفرح والنصر والرجاء، لأنّ جبرانها حقّق ما كان يصبو إليه، ما كان يحلم به، وانتصر على الظلم بثباته على الحقّ، وعلى الفساد بنظافة الكفّ والقلب، وعلى الجهل بعقله المتنوّر والراجح والمتّزن، وعلى الضغينة بالحب، وعلى الحروب المتنوّعة الأشكال بالنزعة السلامية الوحدوية التي جسّدها في أدائه السياسي والوطني والقومي ومن خلال أحاديثه ومناظراته وكتاباته، وكأني به قد اتّخذ شعارًا له كلام يسوع: “طوبى لفاعلي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون”. جبران العريجي يمضي من هذه الحياة منتصرًا متصالحًا مع نفسه ومع الناس الذين أحبّهم ورأى فيهم جميعًا صورة الأب والأخ والابن والصديق، يمضي منتصبًا، مشرقًا، مبتسمًا، مؤمنًا، بعد صراع مع مرضه، لم ينل من عزيمته القوية بل نال من جسده المتعب والمرهق من هموم أمّة استفحل بها الجهل والحقد والفساد استفحال الأمراض في الأجساد”.
اضاف:” زغرتا الحزينة تضمّ جبرانها إلى صدرها، هو الذي وُلد من رحمها ولعب في بساتين زيتونها وليمونها، مشى في أحيائها وطرقاتها، وعلى ضفاف أنهرها، تأمّل حركة المياه المتدفّقة تروي العطاش، بشرًا وأشجارًا ونباتًا وحيوانًا، ومن غزارة ينابيعها تعلّم العطاء والكرم وعدم العودة إلى الوراء. زغرتا الجريحة بفقدانك المبكر ترحّب بك أسدًا عائدًا إلى عرينه وتضمّك إلى تربتها التي تفتخر فيك بطلاً جاهد في سبيل ما اعتقد حتى الرمق الأخير دون كلل أو تعب. تربّيت في كنائسها، فكنتَ مسؤولاً في طلائع العذراء في زغرتا وفي الشمال، لبِسْتَ روح الكنيسة الحقة، أي روح يسوع، روح المحبة والرحمة، وتركت حجرها دون أن تترك محبتك لها واحترامك. أعطاك والدك اسم جبران تيمنًا منه وإعجابًا بكتابات الأديب اللبناني والعالمي جبران خليل جبران، ابن جارتنا بشري، الداعية إلى الثورة على الظلم والجهل. وكأنّ اختيار اسمك كان في الوقت عينه اختيارًا لرسالتك في هذه الحياة… كنت ثائرًا منذ نعومة أظافرك، منشدًا التغيير من أجل كرامة الإنسان ومنتفضًا على الكثير الكثير من أوجه الحياة في مجتمعك والعالم، الذي ظنّ العديد من أترابك أنّها ثابتة، لا تموت ولا تتغيّر”.
وقال:” انطلقت بعملك السياسي منشدًا هذا التغيير وإحقاق الحق ونصرة المظلوم أيًا كان هذا المظلوم وأيًا كان هذا الظالم. فالتحقتَ بالحزب السوري القومي الاجتماعي، مدرسة الزعيم والمفكّر الشهيد أنطون سعاده، ابن الكورة البار ورمزها، من أجل بناء أمّة متماسكة ومتطوّرة وحرّة يكون فيها الإنسان في المرتبة الأولى ويكون فيها الدين علامة تحرّر وعاملاً مساعدًا “على تقوية التجانس الروحي” بين الناس إذ “إنّ الدين في أصله لا قومي ومنافي للقومية وتكوين الأمة لأنه إنساني ذو صبغة عالمية… كل دين في العالم يزعم أنّه للعالم كلّه لا فرق بين سوريّه وإغريقيّه، ويسعى لتوحيد العالم تحت ظلّه” كما يقول سعاده في كتابه نشوء الأمم (ص 246).
كتبت إليك هذه الكلمة في سكون ليلة من ليالي كانون الباردة والحزينة على فقد صديق حبيب وأخ كبير، كتبتها على ضوء ذكرياتنا الجميلة معًا، فتارةً أراك على ميدان إهدن تجالس الصغير والكبير، الغني والفقير، بتواضع ووداعة وصبر وفرح وتارةً أراك تحت أقبية بيت الكهنة في إهدن أو في ساحة الكتلة وتارةً أراك في حفل نادي السلام مشجعًا، مازحًا وضاحكًا، تارةً أراك في تدشين كنيسة أو قاعة أو احتفال حاضرًا كعادتك بتواضع وذوق وخفر دون سؤال عن موقع أو صف أول أو ثاني، تارةً أتخيّلك تسير وحدك في شوارع بيروت دون حماية أو مرافقة تسلّم على كلّ من يقترب منك مصافحًا أو محيّيًا، تارةً أراك في كاراكاس فنزويلا تتنشّق من ذكريات السنين التي عشتها هناك فتركت بصماتك في قلوب الجميع من أبناء زغرتا ومن أبناء الحزب وأراك معانقًا حفيدتك الصغيرة كارين بحبّ وحنان، تارةً أراك مع شريكة حياتك الوفية والأمينة والجوهرة الثمينة في حياتك السيدة زكية تتشكّى وتتخبّط في مشاكل بيت صغير بنيته في إهدن وهي تضحك وتبتسم وأنت الخبير في الكلمة والفكرة وليس في شؤون البيت وشجونه، تارةً أراك أبًا تريد من ابنك رئيف أن يكون كما تريده أنت أن يكون، متناسيًا أنّ رئيف مثلك، من عجينتك وعلى شكلك، يريد أن يكون كما يريد هو أن يكون، وفي قلبك تفرح به وتفتخر. أراك تحضن بحنانك بناتك حنان وجنان وسلمى وأرى فرحتك بفرحتهم وفرحة رئيف. تارةً أراك مع الأحفاد طفلاً مثلهم، تفرح بأرنب يفرحون به وبكلب يريدونه… تارةً أراك الصديق الوفي حتى الموت لأصدقائك والساعي إلى الخدمة بكل ما أوتيت من قوة واندفاع… تارةً أراك خطيبًا لامعًا تنطق بالحق وتزهق الباطل. تارةً أراك بعد قداس 13 حزيران في إهدن تمازحني قائلاً: “من كتب لك عظتك”.
وتابع:” الآن ستعرف أنني أنا من أكتب عظتي لأنّها مكتوبة بدمع صداقتنا ومختومة بختم أيامنا وذكرياتنا… تارةً أراك على التلفزيون متكلمًا بفمك وقلبك وكلماتك المختارة بدقة تنال احترام الجميع الذي اكتسبته أيضًا من تهذيبك ولباقتك وعمق تفكيرك وتحليلك وقدرتك على الإقناع دون الفرض، وعلى كسب احترام السامعين لك دون تزلف وإثارة للنعرات المذهبية والطائفية والعصبيات على أنواعها. جبران لم يمت الآن بل مات سنة 2005. فبعدما نجح مع العديد من أبناء الحزب الأوفياء وقادته في توحيد الحزب السوري القومي الاجتماعي وتحمّل مسؤولية رئاسته في أصعب الظروف وأدقّها، مات حين رأى الوجوه تتبدّل وتتغيّر، حين رأى الجهل والجنون يأكل ما تبقى من أخضر أمتنا ويباسها، حين رأى ما ناضل من أجله مع رفاقه من حزبيين وغيرهم ينشطر إلى شطرين أو ثلاثة أو أكثر، فقدّم استقالته من رئاسة الحزب وانسحب بهدوء ووقف يدافع عن العقل في وجه الجنون بالكلمة الحرّة والمسؤولة. مات حين رأى سوريا ولبنان وما تبقّى من حلم أمّة تتآكلها النيران، مات حين ضاعت القيم الأخلاقية وغابت المُثُل العليا، مات حين ضَعُفَت “بقايا الأمّة” إلى حدّ أنها لم تعد قادرة على تمييز عدوّها من صديقها… ولكنه لم ييأس ولم يسقط وبقي يكافح من أجل مبادئه وأفكار حزبه.
واردف قائلا:” جبران… لماذا فعلت بي هكذا؟… لماذا حمّلتني هذه المسؤولية بأن أقول لك وحدي كلمة الوداع… أردتَ وداعك وداعًا كنسيًا بسيطًا يترأسه كاهن بسيط مثلي. أردتَه وداعًا شعبيًا متواضعًا كقامتك وعميقًا كعمقك، بعيدًا عن القشور والمظاهر على أنواعها. أردتَ أن تمضي يومك الأخير بين عائلتك وأصدقائك وأبناء حزبك وشعبك وأهلك. إنه حمل ثقيل على كتفي لأنّي لن أستطيع أن أوفيك حقّك. كتب رفاقك عنك وفيك الكثير في الصحف ووسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وسيكتبون… نعاك حزبك بأجمل الكلمات، يودّعك أبناء زغرتا وبناتها بإجلال، تودّعك زكية والعائلة بفخر وإيمان ورجاء. رثاك الأصدقاء وحتى “الأعداء” في السياسة والجميع اتّفقوا على احترامك وتقديرك، فكنتَ برحيلك قاسمًا مشتركًا لأبناء الوطن، في بلد تتحطّم فيه الجسور. أتذكّر عندما طلبتُ منك خدمة من أحد الوزراء الذي كان معتكفًا عن التوقيع آنذاك فقلت له أرجوك أريد هذه الخدمة “لأن هيدا الخوري بدّو يجنّزني” وكنت دائمًا تخبرها وتضحك. وها هي حقيقة ولكن أنا لا أجنّزك وحسب، بل أنا أصلّي من أجلك مع أهلك، مع عائلتك وأصدقائك. وأودّعك باسم العائلة الصغيرة: زوجتك زكية، ابنك رئيف، وبناتك حنان، جنان وسلمى الذين أتوا من بعيد ليكونوا حولك في مرضك ونزاعك ووجعك وموتك ووداعك إلى بيت الآب السماوي لتكبر قلوبهم بك، مخفّفين وطأة الألم الذي هزئت به. أودّعك باسم شقيقك الحنون العميد غسان وأخواتك والعائلات. أودّعك باسم أصدقائك الأوفياء الذين لم يتركوك يومًا حتى نفسك الأخير”.
وختم قائلا:” أودّعك باسم حزبك، عائلتك السياسية والقومية، الذي آمنت به وأحببته حبًّا كبيرًا وجعلته الأولوية في حياتك على حساب عملك وفي كثير من الأحيان على حساب عائلتك، وكنتَ مثالاً صادقًا في الالتزام والمناقبية، فباسمه أتوجّه إلى كلّ أصدقائه في الحزب السوري القومي الاجتماعي داعيًا إيّاهم إلى التجدّد والتمسّك بالفكر الإنساني والقومي، فالأمّة والوطن بحاجة إلى تضحياتكم وثقافتكم واعتدالكم ونزاهتكم ووحدتكم.
أودّعك باسم أبناء زغرتا وإهدن الذين سيفتقدونك في أفراحهم وأحزانهم، في مجالسهم وطرقاتهم وحكاياتهم لأنّك من اليوم ستصبح أنت القصة والحكاية. أودّعك لتنضمّ إلى من تاقت نفسك إليه إلى يسوع الذي قال لك يومًا: “إن لم تعودوا كالأطفال، فلن تدخلوا ملكوت الله”. أودّعك لتنطلق إلى ملكوت الله الذي تستحقه لأنّك عرفت بنعمة خالقك أن تُبقي قلبك نظيفًا أبيضًا بياض ثلجنا الذي يلفّ جبالنا اليوم خاليًا من الحقد والضغينة، خاليًا من المال الحرام والصفقات على حساب المال العام. وعرفت أن تجعل من عقلك كنز حكمة ينضح بالحب والسلام. تعالَ أيّها الحبيب جبران نشهد معك لقيامة يسوع قائلين المسيح قام حقًا قام على أمل قيام أمّة حلمت بها ووطن يليق بنا جميعًا”.
بعد صلاة الجنازة تقبلت العائلة التعازي من المشاركين، فيما وري جثمان الفقيد الثرى في مدافن العائلة.