Beirut weather 15.41 ° C
تاريخ النشر September 7, 2019
A A A
تركيزٌ معادٍ لأميركا… روسيا والصين من اتفاق محدود إلى آخر أوسع!
الكاتب: سركيس نعوم - النهار

عند أخذ التعاون الروسي – الصيني العسكريّ إلى مستوى جديد فإن موسكو ستحاول بقوّة المحافظة على موقفها أو بالأحرى على ميلها المُعادي أو المضاد أو المقاوم للولايات المتّحدة. فما تريده روسيا بوضوح هو أن تبقى خارج نزاعات بيجينغ مع دول آسيوية حول حقوق في الجزر وحول مظالم تاريخيّة قديمة. إضافة إلى ذلك، فإنّ الطبيعة الحالية للعلاقات الروسيّة – الأميركيّة والصينيّة – الأميركيّة تعني أنّ التعاون العسكري بين روسيا والصين سيكون له حتماً وعلى نحو لا يمكن اجتنابه تركيزٌ معادٍ للولايات المتّحدة. وقد دلّ حدثان وقعا في النصف الثاني من شهر تموز الماضي على مستوى جديد للتعاون العسكري بين روسيا والصين. الأوّل إعلان حكومة الأولى بالتنسيق مع وزارة الدفاع نيّتها التفاوض على اتفاق جديد للتعاون العسكري مع الثانية. والثاني إجراء طائرات قاذفة طويلة المدى روسيّة وصينيّة أوّل دوريّة مُشتركة لها فوق بحر اليابان. وقد أطلق ذلك جدلاً حول ما إذا كانت الطائرات الروسيّة خرقت المجال الجوّي لكوريا الجنوبيّة ولا سيّما حول جزر دوكدو (DOKDO) الصغيرة التي تتنازع على ملكيّتها والسيادة عليها سيول وطوكيو. في أي حال فإنّ الخرق، إذا حصل فعلاً، كان تقنيّاً بكل وضوح ولا يؤثّر كثيراً في الوضع هناك. لكن السؤال الحقيقي هو لماذا تريد الدولتان روسيا والصين اتفاقاً جديداً للتعاون العسكري؟
تُجيب عن ذلك الدراسة التي أشار إليها “الموقف هذا النهار” يوم أمس والتي وضعها مركز أبحاث جدّي واسع الإطّلاع وذو قدرة على الوصول إلى مصادر المعلومات، إذ تُشير إلى أن “إتفاق وزارتي الدفاع الروسيّة والصينيّة الذي وافقت عليه الحكومة الروسيّة عام 1993 لا يزال صالحاً اليوم. لكنّه قصير ونظري ويركّز على خلق ظروف للتعاون في مجال التكنولوجيا العسكريّة بين الدولتين. وفي حينه كان ذلك أساسيّاً بل جوهريّاً للعلاقات الثنائيّة المتنوّعة. إذ أنّ التعاون السياسي بين موسكو وبيجينغ في الموضوعات الدوليّة كان في بدايته، ولم يكن أحد ليتجرّأ حتّى على التفكير في تدريبات أو تمرينات عسكريّة مُشتركة. وقد تضمّن اتفاق الـ 1993 تدريب العسكريّين وتعليمهم وتبادل المعلومات والمساعدة في خدمة بل صيانة الأسلحة والمعدّات العسكريّة والتشارك في إجراء أبحاث وفي استذكار أحداث عسكريّة مُهمّة. لم يتضمّن الاتفاق في حينه نصّاً على تمرينات عسكريّة مُشتركة، بل مجرّد ذكر لدعوة ممثّلين من الدولتين لحضور التمرينات الوطنيّة كضيوف فقط. لكنّه رغم ذلك ترك مجالاً لتعاون أوسع في مجالات عدّة بعد اتفاق مباشر عليها بين ممثّلين لهما. وكانت النتيجة إضافة عدد من الوثائق إلى الاتفاق، علماً أنّه ينص على توقيع الفريقين في أوّل كانون الأوّل من كل سنة خطّة تعاون السنة المقبلة تتضمّن تفصيلاً لخطوات مُحدّدة بهدف تطوير التعاون بينهما. وأحياناً كانا يُوقّعان اتفاقات إضافيّة مثل الذي وقّع عام 2007 والذي تناول حال قوّات كل من الدولتين في حال تمركزها في أراضي الأخرى. لكن ذلك لم يحصل إلّا بعدما بدأت الدولتان تمريناتهما المشتركة المُنتظمة عام 2005”.
متى بدأ تعميق التعاون الثنائي العسكري بين موسكو وبيجينغ؟
طرحت روسيا عام 2017 تبنّي خريطة طريق لثلاث سنوات تنطوي على خلق إطار قانوني لمدى التعاون العسكري الثنائي كلّه. لكن التعاون بين “جيش التحرير الصيني” والقوّات المسلّحة الروسيّة كان وصل ومنذ مدّة طويلة إلى مستوى مختلف بل كبير. إذ تشترك كل سنة قوّات (فِرَق) من الدولتين في عدّة تمرينات عسكريّة واسعة ومُعقّدة بعض الشيء، وتحضّر لإجراء عمليّات مشتركة في ظروف معيّنة. وقد خلق رؤساء الأركان آليّة للتشاور الاستراتيجي. وفي مجال التكنولوجيا العسكريّة فإنّ صادرات الأسلحة صار يكملها تطوير محدود للتعاون الصناعي. في الحقيقة، تضيف الدراسة نفسها، يفتقر الاتفاق الأساسي إلى إجراءات تعاون مُحدّدة بوضوح في كل الموضوعات التي تُعقّد التخطيط وتعني أنّ الأساس القانوني للتعاون ليس ثابتاً وراسخاً. وبصراحة وفي ظل هذه الحال فإنّ كلّاً من الطرفين يستطيع بسهولة التخلّي عن الاتفاقات السابقة وإعادة التفاوض على جوهر التعاون ومضمونه عندما تطرح خطّة أو خريطة طريق أخرى للبحث. وحتّى مرحلة معيّنة ناسب هذا الوضع موسكو وبيجينغ معاً. لكن أخيراً استعمل كل من الدولتين الأخرى كقوّة موازنة في “ألعابهما” السياسيّة المُعقّدة مع الولايات المتّحدة. وكان ذلك ممكناً عندما كانت الدولتان تتمتّعان بعلاقات مركّبة ومُعقّدة ومُتعدّدة الحجم مع واشنطن أهم ميزاتها اثنتان: التنافس والتعاون. روسيا كانت الأولى في دخول صيغة ما لمواجهة طويلة مع أميركا. ولهذا السبب وضعت إطاراً طويل المدى لتعاونها مع الصين، وظهر ذلك واضحاً باقتراح وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خريطة طريق لثلاث سنوات. أمّا الآن وبعدما انخرطت الصين في مواجهة “نظاميّة” (Systematic) مع الولايات المتّحدة فقد صار توصّلها مع روسيا إلى اتفاق دائم أكثر احتمالاً. ومن شأنه إذا توصّلتا إليه إعطاء الصفة الرسميّة لعناصر التعاون العسكري الحالي بينهما ووضعاً قانونيّاً دائماً ولا سيّما في موضوع التمرينات البحريّة، وتمرينات الدفاع الصاروخي العملاني أو اشتراكاً في تمرينات عسكريّة أخرى. وربّما تظهر مجالات تعاون أخرى. انطلاقاً من ذلك يبدو أنّ هناك تغييراً مهمّاً في العلاقات الثنائيّة. وقد أعطت الدوريّات العسكريّة الجويّة المشتركة انطباعاً أنّ روسيا صارت مُنخرطة بنشاط في سياسة الصين الرامية إلى احتواء الولايات المتّحدة في آسيا. وهدفها من ذلك المحافظة على موقعها المواجه لأميركا رغم رغبتها الواضحة في البقاء بعيدة من المشكلات الآسيويّة للصين.