Beirut weather 14.41 ° C
تاريخ النشر August 24, 2016
A A A
تركيا الصغرى … سوريا الصغرى
الكاتب: نبيه البرجي - الديار

اذا كنا نتذكر ما قاله له جنكيز تشاندار «لا تدع في رأسك اي اثر لصهيل الخيول». لم يكن الصحافي التركي الشهير والذي ابتعد عن الكتابة يصدّق ان رجب طيب اردوغان يعطي الاولوية لصوت المؤذن. الاولوية دوما لصراخ التاريخ…
التاريخ الذي وصفه تشاندار بالقاتل. انه يقتل الدول، والمجتمعات. بطبيعة الحال انه يقتل …الله!
ما هو الشيء الذي لم يفعله السلطان النيو عثماني لتقطيع اوصال سوريا، ولتقطيع اوصال العراق؟ كان هاجسه الامبراطوري العودة الى حلب والموصل اللتين كانتا الجوهرتين على صدر السلطنة، قبل ان يشطح به الخيال نحو دمشق وبغداد. مكة في آخر المطاف، بعدما راح الكتبة حوله يتحدثون عن الفسطاط (في مصر)…
مشكلة رجب طيب اردوغان انه لم يكن يرى في المنطقة سوى رجل واحد ويدعى رجب طيب اردوغان، حتى انه كان يخطط لانتزاع لقب خادم الحرمين الشريفين من العاهل السعودي، والشيء الوحيد الذي لم يفرضه على الجنرالات هو ان يقبّلوا يده…
رئيس الدولة الذي لم يستطيع تحمل قول ملكة جمال بلاده «انك تجعل من المرأة قهرمانة». اقام دعوى ضدها، كما اقام دعوى ضد بائع بطيخ في ازمير كان ينادي بأن رأس البطيخ لديه مثل رأس اردوغان «لذيذ و…مرّ المذاق».
لولا انقرة لما حدث لسوريا ما حدث من ويلات. لا يعني ذلك تبرئة النظام من مثالب كثيرة لا تزال مستشرية حتى الان، ولولا انقرة لما كان لتنظيم «داعش» ان يغزو الموصل والفلوجة وغيرها وغيرها، دون اغفال الاهوال،اهوال الفساد داخل حكومة بغداد وحولها…
الرجل الذي يطارد الاكراد( او الكرد) في بلاده، كان يستقبل مسعود برزاني بالقبلات، ويحثه على توجيه البيشماركة الى كركوك، وحيث المنجم النفطي، والى الموصل التي من يضع يده عليها انما يضع يده على بغداد…
الان، الاميركيون الذين كان اردوغان يراهن، وبقصر نظر مروع، على انهم الظهير الاستراتيجي له في كل ما يفعل وفي كل ما يحلم، يخططون لكي يحتل برزاني الموصل وكركوك، في حين وضعوا كل ثقلهم الى جانب المقاتلين الكرد في سوريا لاقامة كردستان السورية، وبالتالي تفجير الحالة الكردية داخل تركيا…
هذا اذا علمنا ان قيام كردستان التركية، بالموقع الجيوسياسي الحساس، وبالموارد، وبالقوة البشرية، يعني العودة الى تلك الافكار الغربية التي شاعت في نصف الكرة الغربي غداة الحرب العالمية الاولى، اي اقامة «تركيا الصغرى».
الشيوعية زالت من الوجود. لم يعد هناك مبرر للحائط التركي، كما ان اللوثة الاردوغانية، حيث استخدام «الاخوان المسلمين» لاستعادة السلطنة، ازعج الاميركيين كثيرا. قيل له ان مفاتيح الشرق الاوسط في واشنطن لا في اسطنبول. ولكن ثمة «رأسا تركياً» على كتفي اردوغان…
الكرد لا يطرقون باب حلب وباب الموصل فحسب. انهم يطرقون باب اسطنبول. بكل سذاجة نسأل لماذا كل ذلك الدعم الاميركي للاكراد؟ اليس من اجل اقامة كردستان الكبرى التي تفجر اربع دول اساسية في المنطقة، بل ويفجر قيامها كل دول المنطقة ما دامت لعبة الدومينو قد استقرت في داخلها. اذاً، هذه هي النسخة الاخيرة من الشرق الاوسط الجديد…
في اواخر صيف 2011، نشر رسم كاريكاتوري في احدى الصحف التركية يظهر اردوغان وهو يضرم النار في ثيابه بعدما حاول ان يبدو كمن يمسك بالخيوط السورية كلها، وكمن يقرر مصير الدولة السورية. الرسم كان موحياً للغاية «لا تحرق نفسك، ولا تحرق تركيا». احرق نفسه واحرق تركيا، من اسطنبول الى انقرة، ومن غازي عينتاب الى ديار بكر. التفجيرات في كل مكان. لا بد ان يسأل احدهم من يقف وراء كل هذا؟ ومن يقف وراء المحاولة الانقلابية التي بدا ان مفاعيلها على الرئيس التركي لا تقل خطرا عن مفاعيل الانقلاب؟
فات الاوان لكي يمد يده الى بشار الاسد، وفات الاوان لكي يستعيد ثقة الاكراد به، بل وفات الاوان على كل شيء. الان في اسطنبول تسأل ماذا بقي من اردوغان؟ لا صهيل الخيول في اذنيه ولا صوت الآذان؟ ماذا اذاً؟
من يستطيع القول ان الشرق الاوسط الجديد يتوقف عند تركيا الصغرى وسوريا الصغرى. حدقوا مليا في خارطة الاكراد ومن يديرون الاكراد…