Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر May 9, 2023
A A A
تداعيات النزوح السوري على الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية في لبنان
الكاتب: اميمة شمس الدين - الديار

يتصدر موضوع النزوح السوري الاخبار على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وتعلو الاصوات المطالبة بعودتهم الى بلادهم.

لن ندخل هنا في البعد السياسي لهذه القضية فلندع السياسة لأهلها بل سنتناولها من الناحية الاقتصادية لجهة تداعيات وجود السوريين في لبنان على الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

في هذا الصدد أشار الخبير الاقتصادي الدكتور بلال علامة في حديث للديار الى ان لبنان يمر حالياً بأسوأ أزمة اقتصادية معيشية ربما لم يشهد لها مثيلًا منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى في ذروة الحرب الأهلية بين عامَي 1975 و1989، حيث بلغ العجز بالموازنة السنوية مستويات خطرة، والديون فاقت 100 مليار دولار، والبطالة تخطّت الـ 40%، .

ووفق علامة البطالة الآن أصبحت بأعلى معدلاتها وقد تكون وصلت الى 50 % من أفراد المجتمع اللبناني آخذين بعين الاعتبار أن البطالة أنواع وضمن معدل ال 50% هناك البطالة المقنعة التي تطبق على جزء كبير من موظفي القطاع العام الذين يتقاضون رواتب ولا يعملون منذ ثلاث سنوات تقريباً وهنالك البطالة الجزئية والموسمية يضاف اليهما عاملا الهجرة والنزوح .

وتحدث علامة عن تقييم سريع أجرته اليونيسف في نيسان 2021 الذي أظهر أن الفتيان والفتيات وأسرهم يواجهون نقاط ضعف متعددة بسبب الازمة الإقتصادية المستمرة. وبيّن الاستطلاع أن 10 في المئة من الأطفال باتوا يعملون في أحد أشكال العمل مقابل أجر- أما في ما يتعلق باللاجئين المقيمين في لبنان فإن 22 في المئة من أطفال اللاجئين السوريين و7 في المئة من الأطفال الفلسطينيين يمارسون أعمالا مقابل أجر يومي.

وبحسب علامة يوجد مليون سوري تقريباً مسجلون على قوائم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في لبنان إضافة الى حوالى مليون ومئتي الف سوري غير مسجلين يدخلون عن طريق المعابر الغير شرعية وبالتالي فإن آخر تصريح رسمي اعتبر أن هناك مليونين ومئتي الف نازح ولاجئ سوري موجودين على الأرض اللبنانية.

ورأى علامة ان سياسات لبنان لإقامة النازحين السوريين تصعّب علىهم الحفاظ على وضع قانوني، مما يزيد خطر الاستغلال والانتهاك حيال النازحين ويحد من حصولهم على العمل، والتعليم، والرعاية الصحية مشيراً الى ان 78% من السوريين في لبنان اليوم يفتقرون إلى إقامات قانونية وهم معرضون لخطر الاحتجاز والترحيل بسبب الوجود غير القانوني في البلد. وفي مؤشر تقديري من الممكن احتساب معدل للبطالة ضمن النازحين قد يصل الى 50 % بشكل عام.

ويقول علامة لبنان في وضع كارثي فقدّ تحوّل إلى ّ مخيم كبير لسجون صغيرة.

مع تزايد اعداد اللاجئين السوريين، وبالمقابل ارتفاع أعداد التسجيل لدى المفوضية العليا للاجئين بالالاف أسبوعياً ، وعندما وصل عددهم إلى نحو مليون لاجئ في نيسان عام 2020، حيث كان أكثر من نصفهم من الأطفال (نحو 520.000 طفل)، أدركت المفوضية العليا أن لبنان البلد الصغير بمساحته وعدد سكانه، قد بات في وضع كارثي، وهو مهدد بالانيار، «ان تدفق مليون لاجئ، مسؤولية ضخمة في أي بلد، فكيف بلبنان دولة صغيرة تعاني من صعوبات داخلية، « إنه لتأثير مذهل» هذا ما قاله المفوض السامي لشؤون اللاجئين في الامم المتحدة.

واردف علامة تشكل مخيمات وعشوائيات يزيد تعدادها على 3200 محلية وعشوائية، وهي تضاف إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين المنتشرة على الاراضي اللبنانية، والتي باتت تشكل ضغطاً متزايداً على البنى التحتية، حيث يتم تقاسم الخدمات وتتفاقم مشكلات نقص المياه وإنقطاع الكهرباء ومشاكل الصرف الصحي، مما بات يهدد حياة اللبنانيين ومستقبلهم بينما لا تتأمن وسائل الدعم اللازمة للصمود ولا تكفي المساعدات التي تقدمها الجهات المانحة، مما أدى إلى حدوث مواجهات بين المجتمع المضيف والنازحين، وذلك في غياب الحكومة عن مواجهة الازمة وعدم التحرك وفق خطة واضحة الاهداف وضمن مدة زمنية، ثم عدم وفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه النازحين.

ويتابع علامة في نهاية عام 2013، أفادت منظمة العفو الدولية في تقريرها حول أزمة اللاجئين السوريين، أن المجتمع الدولي قد فشل في تحمل أعباء النزوح السوري، حيث تستقبل الدول المجاورة لسوريا وحدها 97 في المائة من النازحين، وهذا ما أدى إلى تدهور الاوضاع الامنية في لبنان، الذي استقبل وحده نحو 39 في المائة من النازحين، بحيث كان للنزاع في سوريا اثراً كبيراً في البيئة السياسية والامنية في لبنان.

وحتى نهاية عام 2014، بعد فشل محاولات إعادة النازحين وتخلي بعض المجتمع الدولي عن المساعدة ، بحسب تقرير منظمة العفو الدولية عام 2014 ترك النازحون وحدهم في مواجهة البرد والشتاء، لقد تخلى المجتمع الدولي عن السوريين .

ومع عدم تقيد مفوضية اللاجئين في الامم المتحدة بطلبات الحكومة اللبنانية لجهة وقف المجتمع الدولي عن استقبال النازحين وعدم تسجيلهم، بات لبنان وحده في مواجهة النكبة بحسب ما يقوله وزير الشؤون الإجتماعية هكتور حجار: « لقد طلبنا ان يكون اللاجئون الساكنون في المناطق الساخنة عند الحدود اللبنانية م الذين نستقبلهم، بحيث لا يتجاوز عدد النازحين اسبوعياً الف شخص .

وعلمنا ان المفوضية العليا لا تحترم ذا القرار وتستمر في تسجيل سبعة الاف نازح اسبوعياً حتى اولئك القادمين من مناطق بعيدة عن حدودنا ومن مناطق لا قتال فيها.

ولفت علامة الى انه بحسب التصاريح الرسمية قدم المجتمع الدولي والأمم المتحدة منذ عام 2011 وحتى العام 2020 9 مليارات دولار أميركي من خلال خطة لبنان للاستجابة لأزمة النزوح السوري. ولدعم النازحين السوريين والفئات الأكثر ضعفاً من الللبنانيين مشيراً الى إن أزمة القطاع المصرفي في لبنان التي بدأت في تشرين الأول 2019، وما تبعها من تداعيات منها انقطاع العملة الاجنبية من المصارف، أجبرت المنظمات الدولية على دفع المعونات التي تقدم بالعملة الاجنبية عبر مصرف لبنان إلى المصارف، علماً أنه قبل الأزمة، كانت تدار عملية الدفع بشكل مباشر، من حسابات المنظمات الدولية لدى المصارف إلى حسابات النازحين السوريين، وبدورهم يسحبون الأموال فريش دولار مباشرة من ماكينات الصراف الآلي. مصرف لبنان بدوره، ونتيجة عدم وجود سيولة في الفريش دولار في المصرف، بات يحّول كل التدفقات المالية التي ترد من الخارج بعملات أجنبية، ومنها معونات النازحين السوريين، إلى العملة الوطنية اللبنانية على سعر الدولار المصرفي ، وهو سعر الصرف المعتمد من المصرف المركزي مقابل الدولار الواحد، أقل من سعر صرف السوق السوداء

 

 

فوائد اقتصادية
ووفق علامة هنالك ثلاث فوائد اقتصادية لتحويل أموال المعونات الدولية للنازحين السوريين عبر مصرف لبنان: وهي: أولاً: تأمين حاجات تجارية : إن مصرف لبنان، ونتيجة انخفاض التدفقات المالية الأجنبية لديه بعد الأزمة اللبنانية وعدم القدرة على امتصاص العملات الأجنبية في السوق، اضطر أن يستخدم التدفقات المالية من المجتمع الدولي للنازحين لتمويل الحاجات الأساسية، مثلاً تمويل شراء السلع الاستراتيجية وخصوصاً المحروقات والأدوية والمواد الغذائية الأساسية وأهمها القمح والطحين.

ثانياً، تعزيز أرصدة المصارف في العملة الأجنبية خصوصاً بعد تهريب عدد كبير من المودعين العملات الأجنبية من حساباتهم المصرفية إلى الخارج، وبالتالي إن معظم المصارف أصبح لديها نقص هائل في السيولة، فجاءت المعونات الدولية بالفريش دولار كبديل عنها .

ثالثاً، ضخّ أموال لاستكمال عمل منصة صيرفة. إن مصرف لبنان أنشأ منصة الكترونية لعمليات الصرافة تسمى «صيرفة» بهدف ضبط السوق السوداء من خلال بيع الدولار بسعر يحدده «المركزي» عبر المصارف والصيارفة إلى التجار والعملاء. وفي مقابل هذه العملية، يضطر مصرف لبنان إلى ضخ ما بين 25-40 مليون دولار يومياً، وهي أموال كان يمولها من خلال تدفقات العملات الأجنبية، ومنها تحويلات النازحين السوريين التي كانت تؤمنها المنظمات الدولية.

بالنسبة للعودة المتوقعة للنازحين يقول علامة الاعتقاد السائد أن هذه العملية باتت صعبة جداً نتيجة عوامل متعددة وقد تأخذ عشرات السنوات إذا لم يكن هناك خطط محكمة منسقة مع الدولة السورية تتضمن كل الضمانات اللازمة التي تتوافق مع شروط الأمم المتحدة والضوابط التي تعتمدها المفوضية العامة للاجئين.

فالعودة الآمنة المشروطة من قبل المجتمع الدولي بحاجة الى ضمانات من قبل الدولة السورية بإخلاء المناطق من كل المليشيات ومظاهر الحرب والتي نزح منها النازحون الموجودون في لبنان. بالاضافة الى ضرورة تأمين مساعدات لإعمار المناطق المدمرة التي تعتبر موطن عودة النازحين إليها خاصة أن هناك الكثير من البلدات ما زالت مدمرة وبعضها تحول الى مناطق عسكرية غير آمنة.