Beirut weather 11.41 ° C
تاريخ النشر May 30, 2022
A A A
تحسّن الليرة أمام الدولار: المضاربة تتقدّم على ما عداها
الكاتب: عبد الكافي الصمد - سفير الشمال

ما حصل بعد ظهر يوم الجمعة الماضي من إنهيار سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة اللبنانية 8 آلاف ليرة خلال نحو ساعتين، كان حدثاً جنونياً بكل معنى الكلمة لأنّه كان بعيداً عن المنطق وعلم الإقتصاد والمال، وأثار الكثير من التساؤلات، وترك علامات إستغراب كثيرة وراءه، من غير يتبرع أحد ويُفسّر ما حصل وكيف.

فلم يحصل في تاريخ لبنان أو أيّ بلد آخر، على الأغلب، أن انهار سعر صرف الدولار فيها خلال فترة زمنية قصيرة لا تتجاوز ساعتين 8 آلاف ليرة، أي أقل من قيمة سعر صرف الليرة أو أي عملة وطنية معينة أمام الدولار، وترك ذلك آثاراً وتداعيات مفتوحة على كلّ الإحتمالات بلا استثناء.

المراقبون وأصحاب الإختصاص في مجالي الإقتصاد والمال توقفوا عند هذا الحدث، وخلصوا إلى نتائج معينة، من أبرزها النقاط التالية:

أولاً: عادة عندما يتحسن صرف أي عملية وطنية فإن ذلك يعود إلى تحسّن إقتصادي شهده أي بلد تحسّن فيه سعر صرف عملته المحلية، وتطوّر القطاعات الإنتاجية، وهو تحسّن يكون عادة نتيجة جهد سنوات من تراكم الإنتاج والتطوّر والبناء الإقتصادي، وهي أمور لم يعرفها لبنان لا خلال الساعتين اللتين انهار فيهما سعر صرف الدولار، ولا خلال السنوات الأخيرة التي أصيب بها الإقتصاد اللبناني بشلل كبير، وبتراجع على مستويات عدّة.

ثانياً: أيضاً لم يُسجل خلال فترة الساعتين المذكورتين أي انهيار دراماتيكي يذكر في العملة الأميركية أو الإقتصاد الأميركي، حتى يبرر ذلك تراجع العملة الأميركية بهذا الشكل، ذلك أن الإقتصاد الأميركي ما يزال الأقوى عالميا، والعملة الاميركية ما تزال العملة الرئيسية في جميع التبادلات المالية والإقتصادية في العالم.

ثالثاً: لا ريب أنّ المضاربين في السّوق السوداء لصرف العملات في لبنان، وحيتان المال والسّياسة فيه، قد كانوا المستفيدين الأكبر من تراجع صرف العملة الأميركية، وجنوا من خلال هذه “اللعبة” أموالاً طائلة، حصلوا عليها بعدما نكبوا آلاف المواطنين الذين انهارت أموالهم في لمحة واحدة، وهؤلاء الحيتان يبدو أنّهم الطرف الأكثر قدرة أيضاً على التحكّم بسوق العملات وصرفها.

رابعاً: ما حصل وكان صاعقاً وجنونياً، طرح تساؤلات حول لماذا ترك مصرف لبنان هذا الإنفلات والتراجع في سعر صرف الليرة اللبنانية يحصل في السنوات الأخيرة منذ حَراك 17 تشرين الأول من عام 2019، من غير أن يبادر إلى لجمه والتقليل من خسائره وتداعياته على الإقتصاد المحلي والوضع المعيشي الذي يختنق يوماً بعد آخر، ولماذا تأخر في الإقدام على هذه الخطوة كل الفترة السابقة، وهل هناك خطوات أخرى مماثلة في سبيل دعم العملة الوطنية أمام الدولار؟

خامساً: هل هذا الإنهيار في سعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية هو مؤقت ولفترة زمنية محددة، حيث سرعان ما سيعود الوضع إلى حالته السابقة من التدهور والفوضى، أم أنه انهيار دائم ما سيحسن وضع الليرة اللبنانية مستقبلاً؟ الأجوبة القللية عن هذه الأسئلة وغيرها قليلة، ووحدها الأيّام كفيلة بالرد عليها.