خلافا لكل ما يتردد عن ان جلسة مجلس الوزراء الفعلية الاولى، كانت اقل من عادية، تبين الوقائع عكس ذلك، مع كل ما حملته من رسائل ومؤشرات، فتحت الباب امام التحليل ورسم السيناريوهات، خصوصا انها استتبعت بلقاء امس بين الرئيسين عون وبري في بعبدا، حمل البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية بعده الكثير من المعاني.
فإقرار موازنة الحكومة السابقة واصدارها بمرسوم، مع اعطاء وزير المالية الحق باستخدام سلطته في “تعديل تنفيذها” استنسابيا، من جهة، وعدم صدور تعييناتها الامنية المرتقبة، من جهة، وتقدم رفع سن التقاعد للسفراء، مع ما رافق ذلك من معارضات وزارية، قواتية في ما خص الموازنة، واشتراكية، لجهة رفع السن، لحجة تخالف المطالعة السابقة للقاء الديمقراطي التي تحت عنوانها مرر رفع سن التقاعد للعمداء، كلها امور غير عادية، وقرارات استثنائية، لحكومة عهد “بعدو عم يقلع”.
وفي هذا الاطار لا بد من التوقف عند ثلاث نقاط رئيسية:
-اصدار الموازنة العامة لعام 2025 بكل شوائبها ومخالفاتها بمرسوم، على ان يطبق وزير المال صلاحياته التي اعطاه اياها قانون المحاسبة العمومية، فيما خص تعديل بعض المواد المتعلقة بضرائب ورسوم، خصوصا ان الجو العام الذي بلغ الوزراء يتحدث عن امكان تحرك الشارع في حال تنفيذها كما هي، في وقت تردد فيه ان المجلس الدستوري سيرد اي طعن يقدم، حيث علم ان كتلة لبنان القوي تدرس القيام بتلك الخطوة.
-قرار نقل جلسات مجلس الوزراء الى المقر الخاص في منطقة المتحف، والذي بدأت عملية ترميمه، في بادرة شكلية وانما معبرة، لجهة تمسك رئيس الحكومة بتطبيق اتفاق الطائف حرفيا، رغم كل التداعيات التي قد يخلفها هذا القرار على حرية الحركة في العاصمة.
وعلى هذا الصعيد رات أوساط متابعة ان الحديث عن تطبيق الطائف والمباشرة بذلك أمر مهم، الا ان الخطوة لن تكون سهلة، لما ستؤدي اليه من اشتباك طائفي ومعارك صلاحيات، خصوصا في تلك الفترة المفصلية، اضف الى ذلك مشكلة “الشعبية” التي يعاني منها رئيس الحكومة نواف سلام.
-الاختلاف حول ملف التعيينات، بوجهها الأمني، والتي سادت حالة من الارباك الواضح بشأنها بدليل التسريبات المتناقضة التي استمرت حتى مع انطلاق الجلسة، عن امكان طرحها من خارج جدول الاعمال كما درجت العادة، ووفقا لآلية استثنائية خاصة، حيث يحال اسم وحيد لمجلس الوزراء من قبل الوزير المختص، بعد اتفاق الرؤساء الثلاثة.
وقد لفت في هذا الخصوص كلام وزير الاعلام الذي قال فيه ان “الحكومة غير مستعجلة التعيينات”، فالمطلوب وفقا لمصادر مواكبة للاتصالات “السرعة وليس التسرع”، فالامر على درجة عالية من الدقة، وتحديدا فيما خص التعيينات الأمنية والمالية، نظرا لضرورة وجود تقاطع دولي – داخلي حولها، في ظل الظروف الحالية.
وتتابع المصادر بان تلك التعيينات ستكون احد المؤشرات على جدية العهد والحكومة، في تنفيذ التعهدات المقطوعة بالتغيير والاصلاح، واحدى اوراق الاعتماد التي ستقدمها بيروت للدول التي تقدم الدعم والمساعدة وعلى راسها الولايات المتحدة الأميركية، التي تتابع وتراقب عن كسب هذه العملية، خصوصا امنيا وعسكريا، حيث الاستثمار الاميركي الاكبر في لبنان، لاجتياز القطوع الاول في رحلة اعادة ترميم الثقة بالدولة والمؤسسات، حيث ما عادت الاقوال والنوايا كافية او قابلة للصرف.
وتضيف المصادر ان “الترويكا الرئاسية” تدرك جيدا مدى الجدية الخارجية في متابعة كل خطوة يتم القيام بها، وعلى هذا الاساس، يخضع ملف التعيينات لبحث جدي ومعمق بين الرؤساء لتعيين الاكفّاء والمؤهلين للمناصب الحساسة امنيا وقضائياً، من دون ان يخلو الأمر من الاخذ والرد ومحاولة الضغط لتعيين هذا او استبعاد ذاك.
وختمت المصادر بان نقطة الاختلاف الاساسية، وفقا لمعطيات وزارية، تتمحور حول وجهتي نظر، الاولى تدعو الى تعيينات “بالتقسيط” اما الثانية، فإلى “سلة كاملة”، للحفاظ على معنويات الضباط، خصوصا ان ثمة قانونا قد صدر مدد للجميع، بمن فيهم من سيوضعون بالتصرف، مع اقرار التعيينات الجديدة، وهي مشكلة بنيوية تحتاج الى معالجة سريعة، في موازاة ملف التعيينات، لاطلاق عجلة العمل.
فهل ينجح الرؤساء في تمرير تعيينات توحي الثقة وتعيد الاعتبار للدولة الموضوعة تحت المجهر، ام ان الاعتبارات التقليدية والتاريخية ستفعل فعلها في مجال وضع العصي في دواليب العهد منذ بداياته؟