Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر March 4, 2020
A A A
تأثير كورونا على الاقتصاد العالمي وخطط المعالجة

تسبب فيروس كورونا الجديد في خسائر ضخمة، وإن كانت بدرجات متفاوتة، لأكبر اقتصادات العالم، كما لأصغرها وأفقرها، بعد أن تعطل الإنتاج في شركات ومصانع أغلب مدن ثاني أكبر اقتصاد في العالم (الصين)، ليتسبب في تعطيل سلاسل الإمداد في العديد من الدول، ويتباطأ الإنتاج في كبريات الشركات، من مصنعي الطائرات والسيارات إلى منتجي ومشغلي أجهزة الحاسب الآلي والهواتف الذكية، وما بينها.

وخلال الأسبوع الماضي، خسرت أسواق الأسهم حول العالم نحو 6 تريليونات دولار، استحوذت الأسهم الأميركية على ما يقرب من ثلثيها، بعد أن أجمع خبراء الاقتصاد على حتمية حدوث تراجع في معدلات نمو الاقتصاد الأميركي والعالمي، مصحوباً بتراجع ربحية الشركات، على الأقل حتى يتم إيقاف الانتشار السريع للفيروس القاتل حول العالم.

ومع وجود احتمالات ضعيفة لارتفاع أسواق المال والبورصات خلال الفترة القادمة، لتعويض جزء من الخسائر التي تحققت الأسبوع الماضي، لا يبدو أن الأزمة في طريقها للحل قبل أن يتم التوصل إلى لقاح يمنع انتقال الفيروس، إلا أن المؤكد أيضاً أن تأثيره سيكون متفاوتاً بين الصناعات المختلفة، كما الشركات المختلفة، وبالتأكيد بين الدول وبعضها البعض.

وعلى سبيل المثال، ومع نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، ورغم الأحداث الدامية في سوق الأسهم الأميركية، والذي بلغت خسائر مؤشره الأشمل اس آند بي لأكبر 500 شركة أميركية ما يقرب من 13% منذ تحقيق أعلى مستوى له في 19 شباط المنتهي، حققت أسهم 3 شركات منها مكاسب، بلغت عند أكثرها استفادة من الأحداث، شركة ريجينيرون (لصناعة الأدوية بالتأكيد)، أكثر من 11% خلال نفس الفترة، وأكثر من 30% خلال شهر شباط.

وعلى الناحية الأخرى من المؤشر، ظهرت أسهم شركات قطاع التكنولوجيا، التي قادت أسواق العالم صعوداً خلال الفترة الماضية، بعد أن تعطلت السوق الصينية، التي كانت المصدر الأهم لأغلب حلقات سلسلة القيمة المضافة فيها. وحققت أسهم أكبر شركتين في القطاع، وهما آبل ومايكروسوفت خسائر بلغ مجموعها أكثر من أربعمائة مليار دولار، خلال الأيام الأخيرة. وتشير التقديرات إلى انخفاض حجم البضائع الواردة إلى ميناء لوس أنجلوس، أكبر الموانئ التجارية الأميركية، من الصين خلال شهر شباط الماضي بنسبة 25%.

وفي صناعة السيارات، التي تعد واحدة من أكبر الأنشطة الاقتصادية حول العالم، تحتفظ شركة فولكسفاغن الألمانية، التي تنتج ما يقرب من 10 ملايين سيارة كل عام، بنحو 2100 وكيل للبيع في الصين، التي تحقق فيها الشركة 40% من مبيعاتها حول العالم، تم إغلاق 1400 منها، منذ اندلاع أزمة انتشار الفيروس.

وبعد انتشار الهلع بين مواطني أغلب دول العالم، وإلغاء الكثير من الحجوزات في الفنادق، توقعت سلسلة فنادق ماريوت العالمية تراجع إيراداتها بمبلغ 25 مليون دولار شهرياً، مقارنة بالتوقعات السابقة، وانخفض الطلب على حجوزات السفر إلى منطقة آسيا باسيفيك لدى شركة طيران يونايتد إير لاينز بنسبة 75%.

ومع تراجع معدلات السفر، بعد إلغاء 200 ألف رحلة طيران من وإلى وداخل الصين، وتباطؤ عمليات التجارة الدولية، انخفض الطلب على النفط، فخسرت أسهم شركتي اكسون موبيل وشيفرون أكثر من 70 مليار دولار. وتوقع رئيس مكتب الطيران الدولي أن تصل خسائر شركات الطيران والمطارات والصناعات المرتبطة إلى 100 مليار دولار بسبب الأزمة الحالية.

ومع انخفاض أسعار الأسهم، خسر أغنى 500 شخص في العالم ما تصل قيمته الإجمالية إلى 444 مليار دولار، ولم يسلم المواطن الأميركي العادي من الخسائر، حيث تُستثمر التأمينات والمعاشات المستقطعة من الموظفين مع مساهمة صاحب العمل، فيما يعرف بنظام 401K، في أسواق الأسهم والسندات، الأمر الذي ساهم في تحملهم خسائر كبيرة، لم يعرفوا لها سبباً إلا تناول أحد أو عشرات الصينيين شوربة الخفاش أو الثعابين!

وفي مصر، ستتأثر السياحة، التي كانت تعوّل عليها الدولة كثيراً لإصلاح الخلل في الحساب الجاري، مع إلغاء الحجوزات وتفضيل السائحين تأجيل السفر، وستتراجع إيرادات قناة السويس مع تباطؤ حركة التجارة العالمية، وربما تكون هناك تأثيرات سلبية أخرى، وإن كان بنسب أقل.

لكن المشكلة الكبرى التي قد تتعرض لها مصر ستكون عند استمرار انخفاض أسعار الأسهم في أسواق العالم، لأن الخبرات السابقة تشير الى أن مثل تلك الانخفاضات تدفع بالمستثمرين، من أصحاب الأموال الساخنة، الذين يحتفظون بأذون وسندات الخزانة بالجنيه المصري، إلى تسييل محافظهم الرابحة هنا، لأسباب مختلفة.

كذلك طاولت مخاطر فيروس كورونا اقتصادات كل من المغرب وتونس والجزائر وليبيا، الأمر الذي أدى إلى شلل في بعض القطاعات الاقتصادية.
وتكبدت شركة الطيران المغربية خسائر كبيرة جراء تفشي كورونا بالصين، حيث كانت أطلقت أولى رحلة طويلة نحو العملاق الآسيوي قبل أيام من الإعلان عن المرض القاتل.
وأكد المدير العام للناقلة المغربية، عبد الحميد عدو، قبل يومين، أن تداعيات وقف الرحلات، كانت حقيقية بالنظر للاستثمارات التي أنجزت من أجل ذلك الخط. وينتظر أن ينعكس وقف الخط سلبا على تدفق السياح الصينيين على المملكة.

وتوالت إلغاءات حجوزات السياح الصينيين بالفنادق، حيث وصلت إلى 28 ألفا في شهر شباط و24 ألفا في شهر آذار الجاري. ويمثل هذا العدد حتى الآن حوالي ثلثي السياح الصينيين، الذين استقبلتهم المملكة في العام الماضي، حيث كانوا قد بلغوا 150 ألفا.

وبعد تسجيل حالة واحدة بإصابة بفيروس كورونا في المغرب، بدأ القلق يظهر بين مستوردين وتجار حول تأثيرات الفيروس على أنشطتهم.
ويعتبر المغرب مستهلكا كبيرا للمنتجات الصينية، حيث إن حوالي 20 في المائة من العجز التجاري للمملكة مصدره المبادلات التجارية مع الصين.
التي تعتبر رابع شريك تجاري للمغرب، وقد ارتفعت المبادلات التجارية بين البلدين في الثلاثة أعوام الأخيرة، بنسبة 50 في المائة وزادت صادرات المملكة في اتجاه العملاق الآسيوي بنسبة 60 في المائة.

وبلغت قيمة تلك المبادلات التجارية بين المغرب والصين حوالي 5.2 مليارات دولار في العام قبل الماضي، أي ما يمثل 6.6 في المائة من مبادلات المملكة.
كذلك رجّح متعاملون في القطاعات الصناعية التونسية تباطؤا في وتيرة الإنتاج في مصانعهم في المدة القادمة بسبب تأخر وصول طلبيات من مواد أولية وشبه مصنعة من الصين بسبب فيروس كورونا.

وأعلن رئيس منظمة الأعمال “كونكت”، طارق الشريف، عن تسجيل مصانع تونسية لنقص في المواد الأولية المصنعة وشبه المصنعة، متوقعا زيادة أزمة الطلب على هذه المواد التي تعد الصين مزودها الأساسي.
وبلغ العجز التجاري لتونس المسجل مع الصين خلال شهر كانون الثاني الماضي أكثر من 5 مليارات دينار أي نحو 1.7 مليار دولار. وقال الخبير في استراتيجيات الاستثمار، صادق جبنون، لـ”العربي الجديد” إن كل تأخير في التزود بالمواد الأولية القادمة من الصين هو خسائر مراكمة للمصانع التونسية، مؤكدا أن التباطؤ الاقتصادي خطر يهدد كل دول العالم بسبب تفشي فيروس كورونا وتأخر إيجاد العلاج الفعال لمحاصرته. وبيّن جبنون أنّ تداعيات الفيروس ستطاول أيضا القطاع السياحي. وبلغ عدد السياح الصينيين الذين زاروا تونس عام 2019 وفق بيانات رسمية لوزارة السياحة 29974 سائحا.

وفي الجزائر يواصل فیروس “كورونا” الضغط على سعر العملة الصعبة في السوق السوداء، مسببا تراجعا للعملات العالمية أمام الدينار، بسبب الانخفاض الحاد في الطلب مقابل ارتفاع العرض. وحسب تجار عملة، تراجع سعر العملة الأوروبية الموحدة “اليورو”، إلى 190 دينارا بعدما كان قبل 10 أيام عند 200 دينار، أما الدولار الأميركي، من جھته، فهوى إلى 179 دينارا بعدما كان عند 184 دينارا مطلع شباط الماضي.

وليست العمرة والرحلات السياحية فقط، وراء ضرب سوق العملة السوداء، فالتراجع الكبير على طلب العملات الأجنبية، مرده عزوف المستوردين عن دخول السوق.
كما ان “حركة تدفق المسافرين في المطارات الدولية الجزائرية تراجعت بـ 35 بالمائة، وذلك بعد تجميد الرحلات مع الصين وتقليص الرحلات إلى دبي وإسطنبول، باريس وروما”.

وفي ليبيا كشفت مصادر من المؤسسة الليبية للاستثمار “الصندوق السيادي” لـ”العربي الجديد” أن خسائر أولية للاستثمارات الليبية في الخارج لا تتعدى ملايين الدولارات، وهي في مرحلة التقييم والمراجعة، بسبب خسارة الأسواق العالمية.
ويبلغ إجمالي أصول المؤسسة الليبية للاستثمار 68.8 مليار دولار، حتى نهاية أيلول من العام الماضي.
كما أن انتشار فيروس كرونا مع اقفال الحقول النفطية، أربك حساب التجار في ليبيا.
وأكد المحلل المالي، سليمان الشحومي، أن أعراض مرض كرونا الفتاك ظهرت على الاقتصاد الليبي المتأزم بسبب تعطل النفط وتصاعد الحرب، مما يعصف بكل أمل في إنقاذ الاقتصاد الهش.

مقابل ذلك تواجه الحكومات التي تكافح لاحتواء التداعيات الاقتصادية العالمية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا، دعوات متزايدة لإطلاق حافز مالي كبير يمكن أن يساعد في تخفيف حدة الصدمة.
وفي حين يراهن بعض المستثمرين بالفعل على أنّ الفيروس سوف يستلزم أول تحفيز نقدي مشترك للطوارئ منذ عام 2008، فإنّ حشداً كبيراً من المحللين يخشون من أن مساعدات الميزانيات في البلدان من الصين إلى ألمانيا لن تكون فاعلة كما يجب أن تكون.

مثل هذا الاحتمال من شأنه أن يثير ذكريات عمل مجموعة العشرين في عام 2009 مع تسابقها لوقف الأزمة المالية، مع ما وصفوه في ذلك الوقت بأنه “توسع مالي غير مسبوق ومتضافر” تعهد بضخ نحو 5 تريليونات دولار. ليس من الواضح ما إذا كانت ستحدث استجابة متزامنة مماثلة للفيروس، على الرغم من أنّ الضغط من أجل نوع من الجهد العالمي بدأ في التزايد وبدأت الحكومات بالفعل في التحرك.

وقال جيم ماكورميك رئيس الإستراتيجية العالمية لمكتب “ناتويست ماركت”، لتلفزيون “بلومبيرغ”، إنّ “التخفيضات الكبيرة في أسعار الفائدة ليست بالضرورة السياسة الصحيحة لما يحدث اليوم. ما تحتاجه الاقتصادات حقاً هو استجابة مالية، والخبر السار هو أننا نشهد بعضاً من هذا التوجه في آسيا، ونرى تزايد الدعوات لذلك في أوروبا، ولكن حتى الآن ليس هناك الكثير من المؤشرات على أن الولايات المتحدة ستسير في هذا الطريق”.
ومن المقرر أن يناقش وزراء مالية مجموعة السبع الوضع عبر سكايب، فيما حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس، من أنّ النمو الاقتصادي العالمي على وشك أن يتباطأ إلى وتيرة لم يشهدها منذ عام 2009.
ومن شأن السياسة المنسقة أن تعزز الاقتصادات في بلدان مجموعة العشرين، وقال لورانس بون كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية: “يتعين على الحكومات أن تعمل فوراً لاحتواء الفيروس ودعم نظام الرعاية الصحية وحماية الناس وتوفير شريان حياة مالي للأسر والشركات الأكثر تضرراً”.

وشرح تشيتان أهيا كبير الاقتصاديين في بنك “مورغان ستانلي”، أنّ سياسات الحكومات سوف تعتمد على التداعيات النهائية للفيروس. لكن بغض النظر عن حجم الصدمة، يتوقع أن يرتفع العجز المالي في الاقتصادات المتقدمة الأربعة الرئيسية بالإضافة إلى الصين إلى 4.7% على الأقل نسبة إلى إجمالي الناتج المحلي هذا العام، وهو أعلى معدل منذ عام 2011 ويزيد عن 4.1% الذي سجل العام الماضي.
من بين الحجج لاتخاذ الإجراءات المالية قدرتها على المساعدة في دعم الطلب أكثر من التيسير النقدي، بدلاً من التأثير الأكثر عمومية في الاقتصاد الذي تحدثه حوافز البنوك المركزية.

ومن الأمثلة على هذه التدابير في إيطاليا، وهي البلد الأوروبي الأكثر تضرراً من كورونا، تقوم الحكومة بالإعفاءات الضريبية ودعم المصدرين وزيادة السيولة للشركات. هذا جزء من التحفيز الذي قد يكلف ما لا يقل عن 3.6 مليارات يورو (4 مليارات دولار)، تضاف إلى رزمة الديون الضخمة بالفعل في هذا البلد.

وقال رئيس البنك المركزي الألماني ينس ويدمان على تلفزيون “بلومبيرغ”: “هناك أدوات متاحة، منها أدوات السياسة المالية والسياسة الاجتماعية. يجب أن يشغل هذا النقاش صانعي السياسات المالية”.

وهناك دعوات أخرى لتحفيز الموازنات العالمية، فيما تقل أسعار الفائدة مثلاً لدى بنك اليابان والبنك المركزي الأوروبي عن الصفر. وشهدت آسيا، حيث يشهد الفيروس انتشاراً كبيراً، جولة من التدابير المالية، مع احتمال توسيعها في المستقبل. في الصين، موقع معظم إصابات الفيروس، تعهد المسؤولون بخفض الضرائب لمساعدة الشركات. ويشمل ذلك تخفيض أو الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة للشركات التي تقدم السلع الأساسية أو الخدمات اللوجستية، مع ضح المزيد من الأموال للسلطات المحلية.