Beirut weather 21.41 ° C
تاريخ النشر March 30, 2023
A A A
تأثيرات اقتصادية تطال المنطقة على وقع انهيار البنوك الأميركية
الكاتب: د. حسن مرهج - البناء

لا شك بأنّ القطاع المصرفي، يرتبط بشكل مباشر بمجمل السياسات وأبعادها ومستوياتها، وحين نتحدث عن القطاع المصرفي في الولايات المتحدة، تتسارع إلى الأذهان الأزمة المصرفية والاقتصادية التي عصفت بالعالم في عام 2008، لكن اليوم ومع جملة المتغيّرات الإقليمية والدولية، يبدو أنّ القطاع المصرفي في عموم دول العالم، والولايات المتحدة خاصة، تؤطره جملة تحديات سياسية واقتصادية، تبدأ بالسياسات الأميركية في المنطقة وانخفاض مستوى الثقة بالسياسات الأميركية، ولا تنتهي عند رغبات اقتصادات الدول، بالبحث عن بيئة آمنة، لا تحدّدها سيطرة الدولار على التعاملات المالية، وبين هذا وذاك، ثمة تصدّعات جمّة لحقت ببعض البنوك الأميركية. هي تصدّعات أثرت سلباً على مؤشرات القطاع المصرفي في عموم دول المنطقة، وفي الخليج تحديداً، بالتزامن مع استمرار التوقعات بالمزيد من التأثيرات السلبية، والتي ستطال القطاع المصرفي الأوروبي والخليجي على السواء، وخاصة الدول التي تعاني من شحّ الدولار ومن مشاكل اقتصادية.
يرى محللون اقتصاديون أنّ الإعلان عن إفلاس بعض البنوك الأميركية، جاء صادماً للبعض، لا سيما مع التوقعات والمخاوف المتزايدة من تأثير انتشار هذه الظاهرة على البنوك والأفراد حول العالم.
المصارف التي أعلنت الانهيار هي «سيليكون فالي» و»سيغنتشر» و»سيلفر غيت». هذه البنوك تغطي احتياجات الشركات، وتعمل مع قطاع صناعة التكنولوجيا، والذي كان يعاني بسبب الانخفاضات الحادة في أسواق العملات المشفّرة وما تبعه من توتر بين المستثمرين. ووفق تقديرات رسمية، امتدّ صدى أزمة إفلاس المصارف الأميركية إلى بورصات عدد من الدول الخليجية بخسائر بلغت أكثر من 50 مليار دولار.
وفي ما يخصّ القطاع المصرفي في المنطقة، يرى البعض أنّ رأس المال العربي، والدول الصاعدة اقتصادياً في المنطقة العربية «مفتونة» بالنظام الأميركي الرأسمالي، الذي يقع ثم يصلح نفسه لارتباطه بالدولار والقوة الصناعية على مدى قرون بالاقتصاد الأميركي. إلا أنه وبحكم أنّ الاستثمارات في بنك «سيليكون فالي» ضخمة والمنطقة العربية مرتبطة بكلّ ما يحصل في أميركا مثل الشركات الكبرى كـ «مايكروسوفت» و«غوغل» وغيرها، فإنّ صناديق سيادية عربية وأثرياء عرب يشترون أسهماً في هذه الشركات، ما يجعل المصلحة مشتركة.
ويشير البعض إلى أنّ المنطقة العربية تتأثر بالقطاع المصرفي الأميركي وخصوصاً دول المنطقة الخليجية بسبب الاستثمارات العالمية المباشرة وغير المباشرة، وارتباط عملاتها بالدولار والارتباط الأمني والاستراتيجي مع واشنطن، وبالتالي فقد تتأثر الشركات والبنوك الخليجية التي لديها استثمارات في شركات التكنولوجيا الأميركية بشكل عام، والبنوك والقطاعات المصرفية بشكل خاص، لكنه شدّد على أنّ التأثير لن يكون كبيراً بالوقت الحالي فقط.
ثمة تحذيرات من أنّ عدم تعامل الولايات المتحدة مع الأزمة والمسارعة لوقف تدحرجها سيزيد الطين بلة، وستتوسع الخسائر، ومن ثم ستزيد الخسائر الخليجية والعربية عموماً، وعليه فإنّ وصول الأزمة إلى الشرق الأوسط سيعني انهيارات سريعة ومتدحرجة؛ لكونها أقلّ استقراراً وتحظى بمخاطر عالية. كما ستتأثر بعض الدول العربية بالأزمة المصرفية في الولايات المتحدة وأوروبا، خاصة مصر والسودان وتونس ولبنان، حيث ستعاني هذه الدول من ارتفاع أسعار الدولار والذهب، وارتفاع الأسعار عموماً في مقابل انخفاض قيمة العملة الوطنية.
الدول الخليجية تعدّ من أفضل الاقتصادات في العالم من ناحية القوة المالية والمؤشرات، مثل قطر والكويت والسعودية، وهناك احتياطيات مالية ضخمة جداً بالدولار تستطيع أن تنقذ أيّ بنك يتعرّض لأزمة. كما أنّ البنوك المركزية في الخليج قوية جداً، ولديها احتياطيات ضخمة جداً من النقد الأجنبي، لكن المشكلة في العالم العربي في ضرورة الخروج من إطار نمط الفوائد البنكية التقليدية للنظم الإسلامية؛ مثل نظامي المشاركة والمرابحة، وهذا بدوره يتطلب توفير معايير أخرى.
وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني، لفتت إلى أنّ التأثير سيكون محدوداً على مصارف الخليج، لتمتعها بمرونة كبيرة تجاه هذه الأزمة، بسبب الدعم الحكومي للمصارف في دول منطقة الخليج. لكن في العمق، هناك أكثر من نوع من التأثر، مثل التأثر المباشر، وهو ما يتعلق ببعض البنوك والجهات الموجودة في بعض دول الخليج التي أعلنت أنّ لديها بعض التعاملات والانكشافات مع هذا البنك. تلك العلاقة سيكون لها تأثير مباشر على أعمال هذه المؤسسات الخليجية، لكن التأثير لن يكون بأرقام ضخمة لا تتحملها هذه المؤسسات المالية، بل العكس فالأرقام تؤكد أنها غير مؤثرة بشكل كبير.
في المجمل، ووفق نظرة سياسية، فإنّ استمرار الارتباط بالاستراتيجيات الأميركية بشقيها السياسي والاقتصادي، فإنّ ذلك يعني انهيارات قادمة، وعليه، لا بدّ من الاعتماد على سياسات جديدة، تجنب دول المنطقة، أيّ كارثة اقتصادية أميركية، وهي لا شك بأنها آتية…