Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر April 26, 2016
A A A
بين قانون الإنتخاب و«تشريع الضرورة»: لا هذا ولا ذاك
الكاتب: نقولا ناصيف - الأخبار

لا انتخاب وشيكاً لرئيس الجمهورية في مدى منظور، لأن الخارج منشغل بسواه. الا ان لا قانون جديداً للانتخاب في مدى منظور ايضاً لأن أياً من الأفرقاء اللبنانيين لا يريد انتخابات نيابية لا يخرج منها رابحاً.

يكاد قانون الانتخاب يصبح العقبة الكأداء غير القابلة للحل. على ابواب الانتخابات النيابية عام 2013 تسبب بتعطيلها من جراء الخلاف على قانون يخلف قانون 2008، وتالياً أفضى الى تمديد ولاية البرلمان مرتين على التوالي، عامذاك ثم في السنة التالية.
ها هو اليوم يمسي أيضاً مشكلة لمجلس النواب ويحول دون انعقاده لـ»تشريع الضرورة». اطاح الخلاف عليه عام 2013 الانتخابات النيابية رغم وجود رئيس للجمهورية، ويتحوّل اليوم الى ذريعة معاكسة: لأن لا رئيس للجمهورية يتعذّر أيضاً إقرار قانون الانتخاب. الأصح الإتفاق على قانون أولاً. تارة هي مشكلة قانون، وطوراً هي مشكلة رئيس للجمهورية حتى عندما يكون موجوداً لا يُصغى الى رفضه تمديد ولاية البرلمان.
هكذا على مرّ ما يقرب من ثلاث سنوات، قبل الشغور الرئاسي وبعده، أضحى قانون الانتخاب العقدة في المنشار.
ما عناه المؤتمر الصحافي لرئيس المجلس نبيه بري ــــ ونادراً ما كان يفعل ما خلا حالات استثنائية يتوجه فيها من هذا المنبر ــــ ليس دعوة اللجان النيابية المشتركة الى مباشرة البحث في قانون جديد للإنتخاب، ولا صرف النظر عن انعقاد مجلس النواب في ما تبقى من العقد العادي الأول الذي ينتهي في 31 أيار فحسب، بل توجيه اكثر من رسالة:
اولاها، على تمسكه بالتئام المجلس لـ»تشريع الضرورة» وتيقنه من أن النصاب القانوني المنصوص عليه في المادة 34 من الدستور (النصف+1) متوافر لها، أولى الميثاقية منزلة تتقدم ما عداها. بذلك وضع حداً لمواقف تتالت في الايام المنصرمة، منذ الجلسة الاخيرة لطاولة الحوار الوطني، اتهمته بمحاولة الانتقاص من الميثاقية، القاعدة الصلبة التي باتت تتحكم بمسار إجتماعات مجلس النواب، ويُعزى الى بري أنه الأب الاول لها.
ليست المرة الأولى يتأكد بري من غياب شريحة واسعة وأساسية، بل معظم طائفة تقريباً، عن جلسة للبرلمان. لم يستطع طيلة عام 2015 سوى عقد جلسة واحدة في تشرين الثاني خصصت لقوانين مالية. عامذاك، في العقدين العاديين الأول والثاني، راح يردد أمام زواره أن إلتئام المجلس ليس مجرد توجيه دعوة، بل حضور الكتل الرئيسية وعدم تغيّب أي مكوّن أساسي. تمسّك بهذا الموقف، فلم يدعُ الى جلسة حتى أزف تشرين الثاني بإجراء مزدوج لتيار المستقبل: حضور الجلسة بعد إمتناع تضامناً مع الشركاء المسيحيين، وتطمين هؤلاء الى عدم مشاركته في جلسة سواها لا يكون قانون الإنتخاب في رأس جدول أعمالها. فالتأمت الجلسة العامة اليتيمة.
منذ بدء العقد الحالي الشهر الفائت ردّد بري مراراً أنه سيدعو إلى جلسة، وأقرن هذا الموقف بمشاركة الكتل الرئيسية، إلى أن قرّر عشية الجلسة الأخيرة لطاولة الحوار عقد جلسة تبعاً لنصاب المادة 34. إلا أنه عوّل على استجابة طلبه ما دام في سياق «تشريع الضرورة».
ثانيها، مع انه لم يأت في المؤتمر الصحافي على ذكر الميثاقية، بيد أنه أعاد تأكيد موقفه مما تعنيه بالنسبة اليه على الأقل. يلحّ على الميثاقية في الجلسات التي تتطلب مناقشة القوانين والاستحقاقات الجوهرية، وتتطلب تبعاً لذلك ليس نصاب النصف+1 لانعقاد المجلس ومناقشتها، بل نصاب الثلثين سياسياً قبل أن يكون دستورياً. وهو ما يصحّ في النص على انتخاب رئيس الجمهورية وتعديل الدستور، لكنه يصح ايضاً على قوانين كقانون الانتخاب وتفسير الدستور. بذلك تمسي مواضيع أساسية كهذه مماثلة لما ترعاه المادة 65 في الدستور عندما تتحدث عن نصاب الثلثين لاقرار مواضيع أساسية في مجلس الوزراء.
في صلب هذا الموقف دفاع بري عن وجهة نظره ان انعقاد جلسة «تشريع الضرورة» ــــ ليس فيها بالتأكيد قانون الإنتخاب ــــ لا تحتاج الى ميثاقية المشاركة، بل تكتفي بالنصاب العادي المنصوص عليه في المادة 34، وخصوصاً في مواضيع تتصل بتسيير شؤون الإدارات والناس أو اتفاقات. ورغم معرفته بأن قانون الإنتخاب يحتاج إقراره في البرلمان الى النصف+1 على الأقل، سارع الى اعتباره مرة تلو أخرى في صلب القوانين الجوهرية التي تحتاج الى أوسع مشاركة سياسية وتمثيلية لاقراره.
على نحو كهذا وازن بين عمل اللجنة النيابية المكلفة مناقشة قانون الإنتخاب وبين مضي المجلس في «تشريع الضرورة»، ما دام الجميع ــــ رئيس المجلس كما الأفرقاء الآخرون جميعاً بلا إستثناء ــــ يعرفون أنه ليس أوان إنتخاب الرئيس بعد.
ثالثها، قبل عشرة أيام تسلم بري من اللجنة النيابية المكلفة وضع قانون الإنتخاب تقريراً عن أعمالها منذ 18 تشرين الثاني 2015، علّق على الأثر بالقول إنه شأن سواه. لا تفاهم فيه على الدوائر ونظام الإقتراع، بل عرض مبادىء عامة يعرفها رئيس المجلس سلفاً. كانت تلك إشارة إضافية الى إخفاق جملة لجان فرعية ناط بها في السنوات الأربع المنصرمة مهمة وضع قانون إنتخاب.
منذ ما قبل انتهاء ولاية المجلس الحالي في 20 حزيران 2013 عهد الى لجان نيابية مختلطة سياسياً ومذهبياً ضمّت ممثلي الكتل الكبرى والرئيسية وضع صيغة قانون جديد. كانت تلك بداية مهمة «لجنة التواصل النيابية» المنبثقة من جلسة اللجان المشتركة في 11 تشرين الأول 2012 اجتمعت مرتين فقط ونامت. اعيد بعث اجتماعاتها بعد تعديل في عضويتها فعقدت ما بين 8 كانون الثاني 2013 و16 شباط 19 إجتماعاً. ثم كانت ثمة لجنة ثالثة ترأسها رئيس المجلس عقدت ما بين 15 أيار 2013 و20 منه 8 إجتماعات لم تفضِ بدورها إلى نتيجة. ثم لجنة رابعة فور التمديد الثاني للبرلمان في 5 تشرين الثاني 2014 التأمت في 6 اجتماعات ما بين 17 تشرين الثاني و10 كانون الأول 2014 كلفت خلالها مهمة محددة تنتهي في غضون شهر، الى ان صار الى تعليق أعمالها بعد تعذّر توافق نوابها على تقسيم الدوائر ونظام الإقتراع، وانتهى الأمر بصدور توصية عن الهيئة العامة للمجلس بعدم مناقشة القانون مجدداً قبل إنتخاب رئيس الجمهورية. وهي العقبة التي لا يزال بري يرى أنها تقف في طريق وضع قانون الإنتخاب في جدول أعمال جلسة عامة للبرلمان ما لم يصر الى التراجع عنها والغائها، بالغالبية نفسها التي اقترعت لها ومثلت الكتل الكبرى والرئيسية. ثم كانت اللجنة النيابية الخامسة في تشرين الثاني سلمته تقريرها بلا جدوى.
على أن أخشى ما يُخشى منه، حتى نهاية العقد العادي الجاري ــــ على غرار ما هو متوقع ــــ أن يخرج الجميع خاليي الوفاض: لا اللجان النيابية المشتركة تتفق على قانون، ولا مجلس النواب يلتئم لـ»تشريع الضرورة».