Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر April 2, 2021
A A A
بين الصراعات وتخصّص الشركة في علاج السرطان… هل كان اللغط حول أسترازينيكا مبرراً؟
الكاتب: بي بي سي

“الطريقة التي تم التعامل بها مع شركة أسترازينيكا كانت مثيرة للغضب. لن ألوم القائمين عليها إذا شعروا بالغضب وقرروا الخروج من سباق لقاحات كورونا”. هذا كان رأي أحد أكبر المستثمرين البريطانيين في الشركة.
لم تتوقع الشركة ورئيسها، باسكال سوريوت المعاملة المجحفة التي لقيتها بعد نجاحها في تطوير لقاح آمن في سرعة قياسية، وتوقيع عقود لتوفير ملياري جرعة، وكل ذلك من دون تحقيق ربح.
يمكن أن نتفهم توقع سوريوت الحصول على جائزة لقاء جهوده. لكنه بدلاً من ذلك يتعرض للهجوم من ساسة أوروبيين مثل عضو البرلمان الأوروبي، البلجيكي فيليب لامبرتس، الذي اتهم الشركة بالتعالي وخيانة الأمانة، إذ يراها “بالغت في وعودها، وقصرت في الوفاء باتفاقاتها”. ويرى البعض أن كل هذا السجال مثير للمشاكل بلا طائل. وضيعت أسترازينيكا أرباحا بقيمة 20 مليار دولار، في الوقت الذي أصبحت فيه أسماً معروفاً في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لكن لدواع سلبية.. وتحولت أسترازينيكا إلى كرة في لعبة السياسة الأوروبية. فتارة يصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اللقاح بأن “لا فاعلية له تقريبا”، ثم يتطوع لأخذ جرعة من اللقاح ويطالب بمنع تصديره خارج أوروبا.
حتى العاملون في الشركة يقولون إنهم “يشعرون بعدم الراحة في ظل وضعهم الحالي”. وقال أحد المستثمرين لـ بي بي سي إن باسكال سوريوت “يكتشف الآن ما يحدث عندما ينخرط في السياسة بدلا من عالم الأعمال”. ومن المستحيل فصل مغامرة أسترازينيكا الأخيرة مع اللقاح والسياسات عن خلفية المسؤول عن الشركة. ويقول أحد المنافسين إن “باسكال هو مالك الشركة، ومن الصعب أن تعرف أين تنتهي حدوده الشخصية وتبدأ حدود الشركة”. ورغم أن رئاسة سوريوت للشركة بدأت عام 2012، إلا أنه يستمد سطوته عليها من نجاحه في حمايتها من استحواذ فايزر عليها في صفقة بلغت قيمتها مئة مليار دولار عام 2014. وقال أحد العاملين في الشركة إنه “عند تولي سوريوت رئاسة الشركة، كانت في حالة فوضى، وخاض مجازفة بضخ المزيد من الاستثمارات في عمليات البحث والتطوير. وعندما برزت صفقة فايزر، شعر أنه في موقف الدفاع”.
“فكر في أنه طالما أرادت فايزر شراء الشركة، فذلك يعني أنه على الطريق الصحيح”. واستخدم سوريوت كل خدعة دفاعية ممكنة، بما في ذلك إبراز عنصر التراث البريطاني، وأن بريطانيا ستخسر تاريخها الذي امتد على مدار عقود من الريادة العلمية في المستقبل. وقدم سوريوت نفسه على أنه مبتكر الحلول، بدلا من تخفيض النفقات المعتاد في الشركات.
لم يكن لشركة أسترازينيكا خبرة كبيرة مع اللقاحات، فموقع قوتها هو علاج السرطان. وعند ظهور كوفيد، لم تكن أسترازينيكا من بين الشركات التي عُلقت عليها الآمال. وكانت التكهنات تشير إلى أتفاق بين جامعة أوكسفورد وشركة الأدوية الأميركية العملاقة ميرك. لكن الحكومة البريطانية كانت حريصة على أن تتشارك أوكسفورد مع شركة بريطانية ليكون للمملكة المتحدة حضور قوي في مسألة اللقاحات. وبدا الأمر منطقيا بالنسبة إلى أسترازينيكا، فجامعة أوكسفورد قامت ببحوث مكثفة، أغلبها بتمويل من الحكومة البريطانية. وعند ظهور النتائج الأولية، سادت أجواء من النشوة. أوكسفورد وأسترازينيكا سيساعدان في إنقاذ العالم بلقاح آمن وفعال ورخيص، تقدمانه بسعر التكلفة. ومنذ ذلك الحين، دخلت أسترازينيكا في سجال مع الساسة والجهات التنظيمية للأدوية، وكانت ضحية جانبية لحملات التطعيم البطيئة في الاتحاد الأوروبي. ويقول أحد العاملين في الشركة إن المشكلة تكمن في صعوبة إنتاج اللقاح، “فالأمر أشبه بصناعة الجعة”.
“بعض الدفعات يكون تأثيرها أفضل من الأخرى، وقد تتعقد الأمور وأحيانا تتعطل عند إضافة تعقيدات سلسلة الإمدادات المحلية”. فإذا كانت هذه هي حقيقة الأمر، أليس من السذاجة التعهد بتسليم كميات محددة من هذا المنتج المتعلق بالحياة والموت؟
وأضاف المصدر العامل في الشركة: “وقعنا عقودا بناء على الحد الأقصى لجهودنا، وفعلنا كل ما في وسعنا”.
وهنا يبرز عنصر عدم خبرة الشركة في تصنيع اللقاحات، خاصة في ما يتعلق بالتعامل مع توقعات الآخرين من خلال التواصل الفعال والبسيط. وقال أحد المصادر لـ بي بي سي: “إذا نظرت للهيكل التنظيمي للشركة، ستجد الجزء الخاص بإدارة اللقاح شبه خاوٍ”. وكانت الشركة قد قالت إنها ستراجع فكرة “سعر التكلفة” الخاصة باللقاح عند الوفاء بتعاقداتها الحالية. ويرجح أحد كبار المستثمرين إنه عند الوفاء بالتعاقدات، ربما تراجع إدارة الشركة فكرة عملها في إنتاج اللقاحات بالأساس. وأضاف: “ربما حان الوقت لعرض براءة الاختراع للبيع وتجاوز هذا الأمر”، لكن الشركة قالت إنها لا تفكر في ذلك في الوقت الحالي.