Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر June 17, 2025
A A A
بين الخديعة والمفاجأة
الكاتب: الدكتور رفعت البدوي

كتب الدكتور رفعت البدوي:
بعد اربعة ايام من العدوان الاسرائيلي على ايران، نستطيع القول ان ايران قد نجحت في استيعاب الضربة الاسرائيلية الاولى، والتي كادت ان تقطع راس النظام العسكري والعلمي في ايران، وبالتالي القضاء على البرنامج النووي الايراني.

ايران تمكنت من امتصاص وهم النشوة الاسرائيلية الاميركية، بل ان ايران الان هي التي تشعر بالنشوة، بعد تمكنها من استعادة زمام المبادرة عبر الرد الفعال والسريع والناجع بكل المقاييس، بصواريخ دقيقه فرط صوتية وبصناعة ايرانية انطلقت من الاراضي الايرانية و اصابت بدقة قلب الكيان الصهيوني.

لا نتنياهو ولا ترامب توقعا شكل الرد الايراني من ناحية السرعة والفعالية، ولم يتبادر الى اذهانهم مشاهدة كل هذا الدمار الهائل غير المسبوق داخل الكيان، واصابة المراكز الاسرائيلية الحساسة وخصوصاً في تل ابيب.

نتنياهو الان يستنجد يصرخ طالباً تفعيل التدخل الاميركي المباشر، مع العلم ان الاميركي اصلاً هو الذي اعطى نتنياهو الضوء الاخضر للبدء بالاعتداء الصهيوني وهو يمول ويسهل ويدير حرب نتنياهو ضد ايران.

نتنياهو استعمل كل ما في جعبته الحربية الاميركية من دعم سياسي و ذخائر وقنابل خارقه واغتيالات لكبار الضباط والعلماء الايرانيين، ذلك لأجل اسقاط نظام ايران، لكن نتنياهو فشل بعملية “قطع راس الاسد” اما رأس ايران فقد نجا من الاغتيال، وبقي يخطط وبهدوء لضمان وسائل الصمود وايضا لكسب معركة ربما تكون طويله.

ايران ورغم وقوعها في شرك الخداع الاميركي، بيد انها استطاعت استيعاب وافشال العملية الاسرائيلية الاميركية المشتركة، ورغم الخسائر في صفوف القيادة العسكرية والعلماء، الا انه حتى اللحظة يسجل لايران انها حققت نجاحاً باهراً ترجم عبر قدرتها الصاروخية الدقيقة، الامر الذي ادهش الاعداء قبل الحلفاء وبذلك لم يبق امام نتنياهو الا ان يطلب من اميركا استعمال التدخل الاميركي المباشر او ربما طلب استعمال النووي الاسرائيلي ضد ايران.

الحرب فُرضت على ايران، وهي الان في مركز الدفاع عن حقها وسيادتها وكرامتها لا بل وكرامة المنطقة برمتها، ونلفت الى ان المنطقة بعد العدوان الصهيوني على ايران لن تكون كما قبلها كيفما انتهت نتائج الحرب، فاما سقوط المنطقة ومعها مصر والاردن والعراق وتركيا وحتى باكستان في الحضن الاميركي وممارسة الاستعباد والاستكبار على شعوبنا لمئة عام قادمة وبالتالي طمس القضية الفلسطينية، واما ضمان صمود ايران مهما كلف من تضحيات وبالتالي صمود المنطقة وضمان عدم تفككها وبقاء فلسطين شوكة في بلعوم اسرائيل.

حالياً لا بوادر لاي تسوية في المدى القريب ولا احد قادر على لعب دور الوسيط بانتظار الصرخة الاولى، فاما ان تصرخ ايران اولا وهذا مستبعد لانها تخوض حرب وجود وكرامة أمّة، واما ان تصرخ اسرائيل اولاً جراء دمار وايلام ايراني قادم وهذا هو الارجح.

الكرة الان في ملعب ترامب ونتنياهو فإما العمل على وقف هذه الحرب وتجنيب اسرائيل المزيد من الدمار، واما استمرار تساقط الصواريخ الايرانية على مجمل مناطق الكيان الصهوني مع مشاهد الدمار غير المسبوق والذي يقترب من تهديد اسس الكيان الصهيوني، وهذا ما لم يتحمله لا نتنياهو ولا ترامب.

بين الخداع والمفاجأة، ترامب قد يفاجئ الجميع بإلتقاط فرصة سانحة تجنبه الانخراط المباشر بالحرب، فهو الذي يردد دائماً اميركا اولاً.
من قال ان ترامب المخادع لن يمارس خداعه حتى على نتنياهو، فهو اي ترامب يبدو وكأنه ينتظر مشاهدة نتنياهو وهو يجثو على ركبتيه راجياً التدخل لانقاذه خصوصاً بعد ان ادرك ترامب نفسه، ان الاطاحة بالنظام الايراني وتفكيك برنامجها النووي و اجبار ايران التنازل عن سيادتها ودعوتها الى المفاوضات وهي مضرجة بالدماء، امر غير ممكن بل مستحيل.

لكن جينات ترامب تميل الى الحفاظ على اسرائيل وهو اي ترامب لن يجد غضاضة بإلتقاط فرصة تمنحه حرية ابرام اتفاق مع ايران من دون نتنياهو، وبذلك يكون ترامب قد تجنب الانخراط المباشر بالحرب الدائرة، فيظهر ترامب للعالم بصورة المنقذ لاسرائيل وليس منقذا لنتنياهو، وبذلك يكون قد حفظ مصالح اميركا اولاً ومصالح دول المنطقة من دون التورط بالحرب.

نشير الى ان ايران حتى الان تدير معركتها باقتدار ويبدو انها استعدت جيداً لحياكة سجادة عجمية مطرزة بعلامة النصر مشغولة بصواريخ ايرانية باليستية فرط صوتية، فكيفما انتهت الحرب الا ان ايران سجلت موقفاً غير مسبوق في تاريخ الصراع مع اسرائيل واميركا وبذلك نستطيع القول ان ايران ضمنت لنفسها موقعاً مميزاً وفاعلاً في المستقبل وكيفما كان شكل المنطقة.

*رفعت ابراهيم البدوي
رئيس ندوة العمل الوطني