Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر April 17, 2017
A A A
بنادق للايجار في عين الحلوة
الكاتب: جاد صعب - الديار

يرى جمهور واسع من الفلسطينييين في مخيم عين الحلوة، حجم الدمار والاضرار التي خلفتها الاشتباكات الدامية التي شهدها المخيم على مدى ستة ايام متتالية، ان هناك وجه شبه بين ما حصل من اشتباكات جرت هذا الاسبوع، وبين ما حصل قبل سنوات في مخيم نهر البارد، والى حد ما، ما جرى قبل عامين في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق، انطلاقا من قاعدة، ان اي تفجير واسع داخل اي مخيم، من شانه ان يهدد وجوده، سيما في عصر الازدحام في الحسابات المحلية والاقليمية والدولية.
فالاهتزازات الامنية الكبرى التي جرت في نهر البارد واليرموك وعين الحلوة، اطاحت حالة الاستقرار التي كانت سائدة من قبل، وفتح الابواب على مصراعيها، امام طرح ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، وهو بات مطروحا اليوم في سوريا، بعد ان اظهرت الاحداث فيها، ان الوجود الفلسطيني يمكن له ان يكون عامل تفجير للساحة «المضيفة»، اذا ما جرى اسثماره في السياسة والامن، الامر الذي ترك الكثير من التداعيات، ابرزها تصدع العلاقات التي كانت قائمة بين الدولة السورية وحركة «حماس» التي نقلت مكان اقامة قيادتها من دولة على تماس مع فلسطين المحتلة، تحتضن القضية الفلسطينية وتأوي قياداتها الذين ضاقت بهم عواصم العالم، والا لماذا فُتحت امام الجيش السوري النظامي جبهة المخيم الفلسطيني في اليرموك؟، وفي معركة عبرا في حزيران العام 2013، لماذا فُتحت النيران على الجيش اللبناني؟
وتتوقف اوساط قيادية فلسطينية عند سيناريو الاخراج الذي تمت فيه وقف الاشتباكات، والابقاء على الاسباب التي تسببت بها، وهو سيناريو صاغته قوى اسلامية لها وزنها في الساحة الفلسطينية، وهو نال رضى الجماعات الاسلامية المتطرفة، المتهمة بالارتباط بمنظمات وجماعات ارهابية تقاتل في سوريا والعراق، وبالوقوف وراء عشرات الهجمات الارهابية داخل المخيم وخارجه، ومنها عمليات اغتيال استهدفت كوادر وعناصر من حركة «فتح» على مدى السنوات العشر الماضية، وتضع ذلك في خانة استهداف حركة «فتح» واضعافها امام الجمهور الفلسطيني، الامر الذي يسهم في توفير مناخات ملائمة لتنامي الجماعات المتطرفة، لاستثمارها في ملفات، اكان في الداخل الفلسطيني وما يرتبط بالصراع القائم بين سلطة رام الله التي تقودها حركة «فتح»، وحكومة قطاع غزة التي تقودها حركة «حماس»، ام في الداخل اللبناني الذي يعاني من تعقيدات سياسية وامنية، منها ملف سلاح المخيمات الفلسطينية في لبنان، الذي بات مستعصيا على الحل، بالرغم من تأكيدات اطلقها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن استعدادته لاجراء بحث جدي لتسليم السلاح الفلسطيني في مخيمات لبنان.
وتلفت الاوساط نفسها، الى ان ما جرى في عين الحلوة، لم يشكل عامل اطمئنان لاحد، فانتشار القوة الامنية الفلسطينية المشتركة في حي الطيري الذي كانت تتمركز فيه الجماعات المتطرفة بقيادة المدعو بلال بدر، تم بالتراضي، على طريقة «لا يموت الديب ولا فنى الغنم»، فالقوى الاسلامية هي التي انتشرت، بعد ان اعترضت الجماعات المتطرفة على دخول مقاتلي حركة «فتح» المنضورين في القوة الامنية الحي، وواقفت على ان تكون عناصر القوة من حركة «حماس» و«عصبة الانصار» و«الحركة الاسلامية المجاهدة»، في حين لم يؤكد احد ان المجموعات المتطرفة قد غادرت الحي بالكامل، لتتحول القوة الامنية الفلسطينية الى قوة فصل بين الجماعات المتطرفة وحركة «فتح»، ما يُنذر بان الملف الامني في المخيم، ما زال داخل العناية الفائقة .
مخيم عين الحلوة الذي اجمعت عدة جهات لبنانية واقليمية على وصفه بـ «البؤرة الامنية»، ربما جاءت الاشتباكات لتؤكد على هذه الحقيقة، وتقول : ان الوجود الفلسطيني في لبنان، بات مستهدفا اكثر من اي وقت مضى، وبعد ان «تقاعدت» جهات لبنانية، فان جهات عديدة لها نفوذها الامني والعسكري في المخيم، تقدم نفسها على انها «بندقية للايجار»، فعديدة هي الجهات المحلية والاقليمية .. وربما الدولية، التي تمتلك نفوذا امنيا داخل مخيم عين الحلوة، ومتعددة الغايات والاهداف التي تعمل وفقها تلك الشبكات الامنية المعشعشة وراء الرايات الاسلامية السوداء التي تعلو شوارع عدد من احياء المخيم.
معظم القوى الاسلامية في المخيم، شعرت بمصلحتها في عدم تمكين حركة «فتح» من تحقيق انتصار عسكري على جماعة بلال بدر، فمن يتهم حركة «فتح» بأنها اخذت فرصتها ووقتها للحسم العسكري ولم تفعل، يدرك جيدا حجم الموانع التي وجدته «فتح» واعاقت استكمال عمليتها العسكرية، وهي اتهمت بانها حشدت اعدادا كبيرة من المقاتلين، جاؤوا من مخيمات في منطقة صور، لكن «الخطوط الحمر» برزت امام مقاتليها عند عتبة حي الطيري، وهؤلاء يدركون ايضا ان معركة الطيري لن تنتهي عند حدود الطيري، بل ستشمل كل المربعات الامنية التي تقيمها الجماعات الاسلامية المتطرفة، في حي الطوارىء وحي الصفصاف… وصولا الى حي حطين.

هذه هي خارطة النفوذ داخل مخيم عين الحلوة

حركة «فتح» ومنظمة التحرير.. والتحالف
المؤكد ان حركة «فتح»، ما تزال تشكل الفصيل الاكثر نفوذا على المستويين الشعبي والعسكري، فالمخيم، في نظر الفتحاويين، هو «عاصمة» الشتات الفلسطيني التي لا يمكن ان تحيد عن وجهتها، لمصلحة اجندات طارئة، لا صلة لها بتاريخ الشعب الفلسطيني وبقضية اللاجئين بالعودة.
تتصدر حركة فتح ترتيب القوى الفلسطينية، ومعها فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وابرزها الجهة الشعبية لتحرير فلسطين، الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، حزب الشعب الفلسطيني ( الشيوعي سابقا) وجبهة التحرير الفلسطينية، كذلك هناك نفوذ، وان بنسبة اقل، لتنظيمات تنضوي في تحالف القوى الفلسطينية، وابرزها الجبهة الشعبية القيادة العامة التي شاركت في المعارك العسكرية الاخيرة في المخيم، الى جانب حركة «فتح»، علما ان الحالة الانقسامية التي ظهرت من خلال خروج او طرد القيادي في الحركة محمد دحلان، اثرت سلبا في الواقع الفتحاوي داخل المخيم، حيث ظهرت حالة «دحلانية» اطلق عليها اسم «التيار الاصلاحي» في حركة «فتح» ويقودها محمود عبد الحميد عيسى الملقب بـ «أللينو» الذي اخذ من الجسم العسكري الفتحاوي في المخيم، ليشكل قوة عسكرية، اظهرت تحمسا للحسم العسكري مع الجماعات الاسلامية المتطرفة.

عصبة الانصار… والقوى الاسلامية
القوة التي تلي حركة «فتح» لناحية النفوذ داخل المخيم، تمثلها عصبة الانصار الاسلامية، وهي التنظيم الاسلامي الاقوى، بعد حركة «فتح»، والعصبة اظهرت مؤخرا سياسيات معتدلة من الناحية الامنية، بعد مرحلة وجهت اليها العديد من الاتهامات، وهي حاليا تربطها علاقات جيدة مع معظم الفصائل الفلسطينية، وتقوم بخطوات تنسيق وتعاون مع حركة «فتح»، لمعالجة الاشكالات والاحداث الامنية التي تقع بصورة دورية في المخيم، فضلا عن علاقات تعاون تربطها بالاجهزة الامنية اللبنانية، بدأت قبل سنوات مع مدير عام الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم، يوم كان مديرا لمخابرات الجيش اللبناني في الجنوب، وهذه العلاقات متواصلة مع قادة الاجهزة الامنية اللبنانية، لمعالجة اشكالات امنية في المخيم، وكان آخرها الاشتباكات المسلحة التي دارت في حي الطيري، وتستفيد العصبة من علاقاتها مع التنظيمات والمجموعات الاسلامية المتطرفة، وتمارس عليها «سياسة المونة»، اما لمعالجة حادث امني، واما لفض اشتباك مسلح.
تعمل عصبة الانصار الاسلامية على خط متواز مع الحركة الاسلامية المجاهدة التي يقودها الشيخ جمال خطاب الذي يحضر مع كل تحد امني في المخيم، وغالبا ما يشكل محورا اساسيا في معالجة اي تدهور امني، وهو على صلة بكل القوى والتيارات الفلسطينية.
وهناك حركة «حماس» وحركة «الجهاد اسلامي»، وهما فصيلان تجمعهما مع عصبة الانصار والحركة الاسلامية المجاهدة صيغة تحالفية هي «القوة الاسلامية»، اضافة الى «انصار الله» التي يتركز ثقلها اكثر، في مخيم المية ومية.

الجماعات الاسلامية المتطرفة
في مخيم عين الحلوة، تتكاثر الجماعات الاسلامية المتطرفة، التي تأثرت بالحركات والتنظيمات التكفيرية، وارتبط اسمها بالتنظيمات الارهابية الاكثر شهرة، «القاعدة» و«تنظيم داعش» و«جبهة النصرة»، وتنامي هذه الجماعات، مع اندلاع الحرب في العراق، ثم بعد سنوات في سوريا، وقبلهما في افغانستان، وقد سقط من صفوف هذه القوى العديد ممن قتلوا في العراق وسوريا.
وللتخفيف من وطأة التسميات الاسلامية المرتبطة بالتنظيمات الارهابية، لجأت قبل عام الى اطلاق تسمية على نفسها هي «تجمع الشباب المسلم»، ويضم جماعات بعضها من دون اسماء، وبعضها عرف قبل سنوات باسم « جند الشام»، «فتح الاسلام»، «جند الله» و«كتائب عبد الله عزام»، وكلها تسميات وردت ضمن المنظمات الارهابية لدى العديد من الدول، لكن الوقائع تؤكد ان لا صيغة واحدة تجمعها، بل ان لكل جماعة اميرها، وتطلق تسميتها نسبة لهذا «الامير»،.. جماعة بلال بدر، جماعة اسامة الشهابي، جماعة هيثم الشعبي، جماعة عماد ياسين (الذي اعتقلته فرقة كومندوس من مخابرات الجيش اللبناني من داخل معقله في حي الطوارىء)، وجماعة رامي ورد)، جماعة جمال حمد، وهذه جماعات تتراوح احجامها بين 20 الى 45 عنصراً، معظم عناصرها قاتلوا في سوريا الى جانب التنظيمات الارهابية.