Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر May 30, 2017
A A A
بلد التسويات
الكاتب: عامر مشموشي - اللواء

 

 

لبنان بلد التسويات، هكذا كان يقول المرحوم الرئيس صائب سلام، وهذا ما أثبتته كل الازمات التي مرّ بها لبنان عبر تاريخ الاستقلال، من عهد الرئيس بشارة الخوري الذي انتهى الى تسوية بعدما سمي بالثورة البيضاء الى عهد الرئيس كميل شمعون الذي انتهى ايضاً بتسوية بعد ثورة حمراء أتت بقائد الجيش آنذاك الرئيس فؤاد شهاب الذي يعود الى عهده الفضل الاكبر في نقل لبنان من دولة المزرعة والمحاصصات الطوائفية الى دولة المؤسسات.

وما نشهده هذه الايام من تقارب بين ممثلي الطوائف في المواقع السياسية على مبدأ النسبية الكاملة في قانون الانتخاب الذي يدور النقاش حوله منذ تسع سنوات وأكثر بلا جدوى اوضح دليل على ان القوى السياسية الفاعلة على الساحة الداخلية، انتقلت من مرحلة شد الحبال واللعب على حافة الهاوية ورضيت بتقديم التنازلات المطلوبة للوصول الى صيغة توافقية مبنية على مبدأ النسبية الكاملة وعلى تقسيم لبنان الى 15 دائرة انتخابية وهو ما وافق عليه الرباعي المسيحي في اجتماع عقدوه في بكركي عندما بدأ البحث في وضع قانون انتخابي جديد، يحقق العدالة والمساواة والتمثيل الصحيح بين مختلف الطوائف من دون المساس بالميثاقية التي كرسها اتفاق الطائف وهي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين بصرف النظر عن المتغيرات الديمغرافية التي حصلت في العقود الثلاثة التي مرت على هذا الاتفاق.

ثمة نقطة ما زالت موضوع خلاف تتعلق بطلب التيار الوطني الحر وعلى رأسه الرئيس العماد ميشال عون بنقل عدد من المقاعد المسيحية في دوائر ذات اكثرية اسلامية، لكنها لن تشكل في نهاية المطاف عقبة تحول دون الوصول الى اتفاق نهائي على المشروع الذي وضعه نائب رئيس حزب القوات اللبنانية النائب جورج عدوان وحصل حتى الساعة على موافقة كل القوى والاطراف السياسية من «حزب الله» وحركة «امل» الى تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي وشرع كل الابواب المقفلة امام تسوية جديدة تكمل التسوية التي أتت بالعماد عون رئيساً للجمهورية بشبه الاجماع بعد ازمة امتدت سنتين ونصف السنة واغرقت البلد كله بالفوضى المؤسساتية التي اوشكت ان تطيح بالدولة التي ارتضاه اللبنانيون بعد حروب اهلية ومعاناة ودماء طويلة لتكون اطاراً يحتكم له كل الطوائف وزعمائها السياسيين والروحيين.

الرئيس نبيه بري كان واضحاً امس في الضرب على الوتر الحساس الذي يطرحه التيار الوطني الحر وهو نقل عدد من المقاعد النيابية لا يتجاوز الاربعة من مناطق ذات اكثرية اسلامية شيعية وسنية الى مناطق ذات كثافة مسيحية لكي يتحرروا من الصوت الاسلامي رافضاً هذا الطلب كونه يؤدي الى الفرز الطائفي وصولا الى الفيدرالية والتقسيم التي ظهرت بوادرها في حرب الـ 1975، وما لبثت مثيروها ان تراجعوا عنها إدراكاً بأن لبنان الصغير لا يمكن ان يقسم او يجزأ والا فقد مبرر وجوده، وهذا التوصيف مر عليه رئيس مجلس النواب ورفضه بشكل قاطع كما رفضه تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله.

ان كل هذه المؤشرات تمهد الطريق للوصول الى تسوية تنتج قانوناً جديداً للانتخابات، وتطرد الاخطار التي تهدد هذا البلد كما كانت تهدده كل الازمات التي مرّ بها على مدى قرابة قرن من الزمن ذلك لأن كل الاطراف وكل الفرقاء توصلوا الى قناعة بأن لبنان هو بلد التسويات التي تحتم تقديم التنازلات من هنا وهناك وهنالك لمصلحة بقاء هذا البلد بتركيبته الفريدة.