Beirut weather 15.77 ° C
تاريخ النشر January 19, 2024
A A A
بكين تستنفر ديبلوماسيتها: مزاحمة واشنطن… من بوابة غزة
الكاتب: محمد عبد الكريم أحمد - الأخبار

 

للعام الـ34 على التوالي، نفّذ وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، جولته الأفريقية السنوية (بين الـ13 والـ18 من الشهر الجاري)، مستهلاً إياها بزيارة مصر وتونس في شمال أفريقيا، إذ حضرت أزمة غزة في لقائه الرئيسَين المصري عبد الفتاح السيسي، والتونسي قيس سعيد. وكان الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أجرى، قبيل انطلاق جولة وزيره، محادثات معمّقة مع نظيره الإيراني، إبراهيم رئيسي، والقيادة السعودية، ناقش فيها اقتراح بكين عقْد مؤتمر سلام دولي حول غزة. كذلك، شملت زيارة وانغ بلدَين في غرب أفريقيا، هما توغو وكوت ديفوار، إذ تراجع «بند غزة»، وإنْ ظلّ ملاحظاً حرْص بكين على حشد دعم ديبلوماسي دولي لجهودها في هذا الملّف.
الصين والموقف المصري من غزة: ماذا بعد التفهّم؟
حاول وانغ يي، في القاهرة، استكشاف إمكانات تعزيز التعاون الثنائي بين البلدَين، ولا سيّما في إطار مبادرة «الحزام والطريق»، ومجموعة «بريكس»، مؤكداً أن بلاده «ستظلّ شريكاً إستراتيجيّاً على المدى البعيد» للقاهرة. وفي المقابل، بدا موقف مصر الرسمي متقدّماً، لجهة التعبير عن تقديرها دعم الصين القوي لها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتأكيدها التزامها بمبدأ «الصين الواحدة»، ومعارضتها «التدخّل في شؤون الصين الداخلية»، في إشارة إلى رفض السياسات الغربية المتصلة بمسألة تايوان. كذلك، برز الوضع الفلسطيني – الإسرائيلي في صلب محادثات وانغ – السيسي، إذ اتّفقا على الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، وتجنّب توسيع الصراع. كما حضر الوضع المتدهور في جنوب البحر الأحمر، حيث للصين قاعدة عسكرية في جيبوتي المطلّة على مضيق باب المندب، هي الوحيدة خارج أراضيها، في محادثات وانغ مع نظيره المصري، سامح شكري. وفيما اتّسم موقف مصر من هذه الأزمة بالترقّب الحذِر، عبّرت الصين عن رفضها استخدام (الولايات المتحدة وبريطانيا) القوّة العسكرية ضدّ اليمن.
ورأى وانغ أن الوضع في البحر الأحمر يجسّد توسّع الصراع في غزة، وأن ثمّة حاجة ملحّة وعاجلة إلى وقف الحرب، والعمل على تأمين سلامة الملاحة. وفيما تواجه القاهرة ضغوطاً متزايدة بسبب خياراتها في التعامل مع الأزمة وتداعياتها، ومساعي تحميلها أعباء مضاعفة في هذا السياق، فإنّ مطالبة الصين بقيام دولة فلسطينية، ذات سيادة كاملة (على أراضيها)، تمثّل موقفاً مبدئياً مهمّاً، وتعزّز بالتالي جهود القاهرة لمواجهة الضغوط السابق ذكرها.
بدا «الصراع في غزة» مسألة هامشية في لقاءات وانغ في تونس مقارنة بحضور الملفّ في زيارته للقاهرة

في تونس: غزة وسياقات «نظام عالمي متعدّد الأقطاب»
صادفت زيارة وانغ إلى تونس (15 الجاري)، مرور 60 عاماً على العلاقات بين البلدَين. ولذا، افتتح الوزير الصيني، خلالها، «الأكاديمية الديبلوماسية الدولية»، وهي الأولى من نوعها التي تساعد بكين في تأسيسها في دولة عربية. وظهّر وانغ مخاوف بلاده المتصاعدة من اختلالات النظام العالمي، داعياً إلى بذل جهود لتعزيز إقامة عالم متعدّد الأقطاب يتّسم بالمساواة والنظام، وإلى «عولمة اقتصادية شاملة» تفيد الجميع. كما لا يمكن، على أيّ حال، فصل زيارة وانغ إلى تونس عن إعلان إيطاليا خروجها من مبادرة «الحزام والطريق»، والتوتّر المتصاعد منذ عام 2023 بين تونس والاتحاد الأوروبي حول حُزم المساعدات المالية التي يقدّمها الأخير لها لوقف الهجرة إلى أوروبا. وفي ما يخصّ القضية الفلسطينية، كرّر وانغ، من تونس حيث التقى نظيره نبيل عمار، الدعوة إلى قمّة دولية موسّعة حول «الصراع في غزة». وشدّد وزيرا خارجية البلدَين على أهمية وقف الحملة العسكرية الإسرائيلية، مؤكدَين دعم بلادَيهما «لاسترداد حقوق الفلسطينيين الكاملة والمشروعة». مع ذلك، بدت الحرب على غزة مسألة هامشية، على الأقلّ مقارنة بحضور الملفّ في زيارة وانغ إلى القاهرة، وهو ما يمكن تفسيرع بالحذر الذي لا تزال تونس تبديه في التعامل مع مجريات الحرب، والذي تجلّى، الأسبوع الماضي، في إعلانها عدم نيّتها الانضمام إلى دعوى جنوب أفريقيا ضدّ إسرائيل لـ«تفادي الاعتراف بالأخيرة». كما يمكن تفسيره في ضوء رؤية الصين أساساً لتونس المقابِلة للسواحل الإيطالية الجنوبية، والتي ربّما تمثّل – في المقام الأول وفقاً للأجندة الصينية – البديل المثالي أمام «الحزام والطريق» في نقطة مركزية في البحر المتوسط.

توغو وكوت ديفوار: دعم الديبلوماسية الصينية
بادر وزير الخارجية التوغولي، روبرت دوسي، إلى تقديم أوراق اعتماد بلاده حليفاً موثوقاً للصين في غرب أفريقيا، بإعلانه صراحةً أن مسألة تايوان «تقع في نطاق شؤون الصين الداخلية»، وأن توغو ملتزمة بمبدأ «الصين الواحدة»، وبالدعم الكامل لها «في تأمين سيادتها وسلامة أراضيها». ومن جهته، ردّ وانغ بتأكيدات مماثلة، مبدياً دعم بكين للومي في مساعيها لمواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة في الإقليم. وعلى رغم تراجع بند غزة في زيارة وانغ للبلدَين الغرب أفريقيَّين، فإن مخرجات هذه الجولة ستصبّ بالضرورة في مصلحة بناء اصطفاف أفريقي واضح خلف دعوة الصين إلى عقد مؤتمر سلام دولي بخصوص «الأزمة في غزة»، ولا سيما بالنظر إلى صلات توغو الوثيقة بإسرائيل، ورجحان تحوّل الأولى نحو الاعتماد على دعم بكين عسكريّاً وأمنيّاً. واتّضح من زيارة وانغ للومي وأبيدجان، نجاح الصين بشكل كبير في ترجمة حضورها في غرب القارة على شكل شراكات محورية مع دول الإقليم، في مقابل دعم تلك الدول لتوجهات الدولة الآسيوية في تحقيق توازن في النظام العالمي، من بوابة اختبار القضية الفلسطينية راهناً.

خلاصة
احتلت الحرب الإسرائيلية على غزة، حيزاً مهماً في أجندة جولة وانغ يي الأفريقية، لاعتبارات خاصة بتداعياتها على مجمل الأوضاع في شرق المتوسط وجنوب البحر الأحمر، وهي نقاط ارتكاز مهمّة للمنافسة الصينية – الغربية. وفيما شكّل هذا الحضور أولوية في محطّة وانغ في القاهرة، فإنه تراجع في المحطّات التالية، وإنْ ظلّ قائماً بصورة غير مباشرة في سياق تأمين الصين مواقف أفريقية داعمة لرؤيتها الخاصة بـ«أزمة غزة»، ضمن استراتيجية أكبر تسعى وراء تحقيق «توازن» في النظام الدولي، و«عولمة اقتصادية» أكثر مرونة وأقلّ استقطاباً.