Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر November 13, 2020
A A A
بكركي في موقف النأي اللافت والمعبر
الكاتب: روزانا بومنصف - النهار

بالنسبة الى مراقبين سياسيين وديبلوماسيين، كان لافتا جدا ومعبرا ان نأت بكركي بنفسها وكذلك مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك عن الادلاء باي موقف من التطورات الاخيرة ربطا بالعقوبات الاميركية على النائب جبران باسيل وتداعياتها على تأليف الحكومة التي يدعو البطريرك الماروني بشارة الراعي في الاونة الاخيرة الى سرعة تأليفها من دون ان يلقى اي تجاوب. فيما كان الامين العام ل” حزب لله” السيد حسن نصرالله دعا الى التضامن معه ولكن الحزب بقي وحيدا على هذا الصعيد. وهذا التضامن امر متوقع وليس مفاجئا قياسا الى جملة اعتبارات واضحة ومعروفة اولها ان الاميركيين هم من يفرض العقوبات ولان احد ابرز الاسباب لهذه العقوبات يتصل ايضا بارتباط باسيل بالحزب في ظل اقتناع بان الموضوع يتصل بالفساد لكنه ايضا موضوع سياسي بامتياز. لكن المسألة اكثر تعقيدا في اطارها الداخلي كما في تداخلاتها الاقليمية بحيث يصعب على اي فريق داخلي عدم احتساب خطواته ومواقفه في شكل جيد حتى لو ان غياب التضامن يثقل على العهد لا سيما من جانب مرجعيات مسيحية. الاشكالية تكمن في الدرجة الاولى بعدم كون العقوبات الاميركية استهدافا للمسيحيين او لفريق مسيحي بل لسياسي معين اظهرته السفيرة الاميركية دوروثي شيا على نحو واضح فيما ان موقف بكركي دقيق ومؤثر في اي اتجاه كان ولن يكون مفيدا ان يفهم احد من المسيحيين غير ذلك نظرا لحساسية الموضوع. ما يجعل الموضوع معقدا اكثر هو الطابع السياسي وفق ما ادرجه باسيل نفسه في اطار عدم فك ارتباطه ب” حزب الله” والذي اثنى عليه نصرالله بقوله ان ” مشكلة اميركا في لبنان هي ليست فعلا الفساد. فالفساد مشكلة عمرها عشرات السنوات, مشكلة اميركا الاساسية في لبنان هي المقاومة ” كما قال و” المشكلة مع حزب الله ليس انه حزب سياسي بل لها علاقة بالمقاومة”. مضيفا” من الواضح ان الاستخدام هو سياسي وهل اذا فك باسيل التحالف مع حزب الله لا يعود فاسدا”. والاشكالية التالية هي انه اذا كانت العقوبات نتيجة خيار سياسي لرئيس التيار العوني وفاوض او لم يفاوض الاميركيين في شأنه فهو مسؤول عنه واذا كانت العقوبات بتهمة الفساد فالوضع اكثر صعوبة علما ان اللبنانيين جميعهم يتهمون الطبقة السياسية بالفساد وتاليا يصعب التضامن مع اي عقوبات اذا كانت تحت هذا العنوان.
المشكلة الكبرى في ظل كل هذه الاعتبارات وما قد تجد بكركي نفسها معنية به في شكل خاص ان الاهتمام منصب على مصالح اشخاص او افرقاء واعتباراتهم وحساباتهم السياسية فيما ان البلد يعاني انهيارا كارثيا واللبنانيين يواجهون الامرين في يومياتهم من دون ادنى اهتمام من اهل السلطة بمصيرهم او بحاضرهم كما بمستقبلهم وبكركي ركزت على مدى الاسابيع الماضية في شكل خاص على وجوب المسارعة الى استلحاق سبل الانقاذ وليس تضييعها. فاي كان ما يواجهه شخص او فريق فان المأساة تتمثل في محاولة اشغال اللبنانيين بمسائل ثانوية لهموم واهداف تتعلق باهل الحكم. ولا يساعد اطلاقا الكلام على تشدد في الشروط لتأليف الحكومة العتيدة بذريعة عدم القدرة على التعاون في ظل احتمال استقواء الاخرين على رغم الانذارات المتتالية من المجتمع الدولي عموما ومن فرنسا خصوصا بضرورة عدم تفويت الفرصة لانقاذ ما يمكن انقاذه. فبكركي في شكل خاص قد تجد صعوبة في ردع هجرة المسيحيين في ظل الانهيار المتدحرج لا سيما الشباب منهم وعدم ايلاء اي اهمية لوقف ذلك خصوصا بعد انفجار المرفأ وتداعياته.
والواقع ان مراقبين كثيرين يعتبرون ان للعقوبات بعدا سياسيا كبيرا وهي ايضا موضوع سياسي. ففي اوج الصراع بين واشنطن وطهران لن يرغب الافرقاء اللبنانيون اخذ جانب الموقف الايراني باي شكل من الاشكال لا سيما في ظل الشكوى المتعاظمة من وطأة النفوذ الايراني على لبنان. وحتى لو بدا ان ايران تهلل لانتصارها بفشل الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية، فان غالبية الافرقاء اللبنانيين يظهرون حذرا كبيرا في مجاراة ذلك على رغم مواقف البعض منهم غير المؤيدة للرئيس الاميركي الحالي على خلفية ان هناك تبسيطا مبالغا به على تغييرات جذرية بين الادارتين الاميركيتين الجمهورية والديموقراطية حتى لو ان الرئيس الاميركي المنتخب زار لبنان والتقى عددا من مسؤوليه. فهناك دوما المخاوف اللبنانية من ان يأتي اي انفتاح اميركي على ايران على حساب لبنان فيما لم تغب عن اذهان السياسيين اللبنانيين تلك المعزوفة السياسية التي راجت في الاعوام الاخيرة عن انتصار ايراني في الاقليم على حد تعبير المروجين لهذه النظرية او في المنطقة وعواصمها الاربع الممتدة من العراق الى سوريا ولبنان واليمن والاثمان الباهظة التي دفعها لبنان نتيجة ذلك لا سيما بعد توقيع الاتفاق النووي بين ايران والدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن زائد المانيا. يقول مطلعون انه يسهل على ايران التهليل نتيجة الضغط الهائل للعقوبات التي فرضتها ادارة ترامب على ايران ما ادى الى شللها الى حد كبير كما نتيجة مقتل قاسم سليماني من دون ان تمتلك ايران القدرة على اي رد فعل. ولكن انفتاح بايدن بالعودة الى الاتفاق النووي سيكون لا سيما اذا ضمن الجمهوريون استعادة السيطرة على مجلس الشيوخ، وهو ما لن يتضح قبل 5 كانون الثاني المقبل مظللا بثمن سياسي باهظ لن يقل عن وضع موضوع البحث في الصواريخ البالستية وكذلك نفوذ ايران في المنطقة على طاولة التفاوض ايضا. ويشبه المراقبون الديبلوماسيون العقوبات الاميركية على باسيل بلعبة البليارد التي تصيب عدة كرات في وقت واحد اي وصولا الى ايران في هذه الحال ومعها الحزب من حيث امتلاك القدرة الكارثية على التعطيل الذي شكل عاملا مؤثرا في العقد الاخير في الانهيار الذي يواجهه لبنان نتيجة تحالف وجد التكامل السياسي في فرض التعطيل.