Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر February 11, 2020
A A A
بري والغانم يعكِّران… “سبات” البرلمان العربي!
الكاتب: رضوان عقيل - النهار

لولا كلمتا رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم في مؤتمر الاتحاد البرلماني العربي في عمَّان للرد على “صفقة القرن” والتفريط بالقضية الفلسطينية، لانتهى هذا اللقاء الطارىء بسطور بيان من دون روح وبلا عصب للرد على أخطر تحديات تواجه الفلسطينيين اليوم منذ اقتلاعهم من ارضهم قبل سبعة عقود. وهي ليست المرة الاولى “يعكّر” فيها الرجلان “سبات” مثل هذه الاجتماعات وسكونها، علماً ان رئيس الاتحاد، رئيس البرلمان الاردني عاطف الطراونة، لم يقصّر في تبيان خطورة هذه الصفقة. ولم يختلف عنه نظيره التونسي راشد الغنوشي. وأبلغ عبارة في خطاب بري كانت: “فلسطين تحتاج الى ان تكون السيوف معها لا عليها” مع تشديده في رسالته – الوصية على غرس ثابتتين لا ثالثة لهما: “الوحدة والمقاومة” في التربة الفلسطينية التي لا يدافع عنها بالهوية التي فرّط بها كثيرون بل من خلال الانتماء الحقيقي والصادق اليها.
درجت العادة ان يغلب على المؤتمرات العربية الحكومية والبرلمانية طابع الرتابة والتكرار، ويأتي مضمونها على شكل نسخ منقّحة من دورات سابقة، حتى لو كان الموضوع في أهمية فلسطين وتوزيع اراضيها وتقديمها هدايا مجانية الى المحتل الاسرائيلي بناء على طلب الادارة الاميركية برئاسة الرئيس دونالد ترامب الذي يتعامل مع هذه المساحة على اساس انها عقار يملكه وورثه من اجداده ويريد ان يوزعه على من يشاء. وتكمن المفارقة – الصدمة في ان بلدانا عربية لا تقف متفرجة على هذه الصفقة فحسب، بل تروّج لها وتوفر المال لانجاح هذا المخطط وترجمته والذي يسوّق له مسؤولون وسياسيون في الصالونات وكتّاب ونخب على الشاشات وفي مقالاتهم الصحافية.
عمان الحائرة على مستقبلها هذه الايام من رأس تاجها الى ابناء شعبها من اردنيين وفلسطينيين، استضافت أعمال المؤتمر الـ30 الطارىء حيث حضر ممثلو المجالس المعنية ولم يظهروا في حجم التحديات المطروحة، باستثناء قلة منهم نتيجة جملة من الانقسامات التي يعانيها العرب في اكثر من حقل جراء سياسات خاطئة قامت على النكايات والخلافات الشخصية ولم تعرف سلوك طريق الوحدة. وكأنه ممنوع على هذه الشعوب التلاقي والتعاون ورسم خطط بناءة لجبه الاخطار الاسرائيلية التي تحولت وجهة نظر عند بلدان عدة.
تحدث اعضاء أسرة الاتحاد المنقسمون على انفسهم، ولم يجمعوا على فكرة واحدة حيال ما وصلت اليه الامور في فلسطين وتقديم عاصمتها للمحتل في مشهد لم يعرفه التاريخ إذ تُقدَّم ارض وممتلكات من بيوت ومساجد وكنائس ومقابر للاجداد تشربت تربتها العرق والدم، كرمى لعيون الاسرائيلي الذي يعبّر عن اطمئنانه لمسار تنفيذ مخططه وتسويقه في اكثر من عاصمة عربية وصولا الى الخرطوم.
في أروقة المؤتمر في فندق بعمان، تتكرر الوجوه البرلمانية نفسها ويحرص أكثرها في مواقفهم على عدم التمايز عن سياسات حكوماتهم او الحياد عنها ولو قيد أنملة، حيث تبدو هذه البرلمانات صدى اصوات لتوجهات حكوماتها. ولم يظهر ان البرلمانيين مستنفَرون كما يجب ومن دون تعميم ازاء ملف في حجم فلسطين الجريحة التي يحلو للعالم بتر اجزاء رئيسية من جسم خريطتها واقتطاع ترابها وصخورها في مشهد تتفرج عليه اكثر الامم والشعوب وسط سكوت مجلس الامن والامم المتحدة على هذه المسرحية التي حاكها جيدا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن سبقوه في منصبه مستفيدين من تخاذل قيادات فلسطينية اولا وتراخي انظمة عربية امام كل هذا الكم من الاخطار. واذا كان الفلسطينيون هم اول المتضررين من “صفقة القرن”، فإن الاردن هو ثاني المتضررين من دون حسم ما اذا كانت المملكة قادرة على البقاء وسط هذه الهزة السياسية – الجغرافية التي تهدد المملكة. ولا تخفي قيادتها هنا اطمئنانها الى ثبات شعبها من أردنيين والمجموع الاكبر من الفلسطينيين الذين يرفضون حجز مقعد لهم في قطار هذه الصفقة التي تحركها اصابع اجنبية بأموال عربية.
ويبدو ان الاردنيين على مختلف شرائحهم يظهرون قبضة واحدة لرفض هذه الصفقة. ولا يختلف موقف القيادة هنا عن شعبها إذ يرددون ان “اجتماع الاتحاد البرلمان العربي في عمان هو اصرار منا على اعلان رفض الصفقة ولن نمشي معها. وهناك امن قومي أردني لن نتخلى عنه لحماية ارضنا وحدودنا وعدم التفريط بها. وتواجه المملكة التحديات منذ تأسيس الاردن قبل مئة عام الى اليوم، وعندما يكون الشعب مع القيادة فإن التحديات تهون”.
ولم تكن كلمة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون على قدر التوقعات، بل كانت تحت سقف المستوى المطلوب رغم اعلانه ان هذه الصفقة تشكل عدواناً على الحقوق الفلسطينية والعربية.
… وبعد، يتبين ان معالم “صفقة القرن” ليست وليدة اليوم بل جاءت بعد رحلة طويلة من التنازلات الفلسطينية والعربية، بحسب مسؤول عربي كبير صارح شخصية لبنانية، “ولم تكن لتتم لولا قبّة باط من زعماء عرب استغلها ترامب”.