كتب رضوان عقيل في “النهار”
لبّى المشيّعيون النداء ورفعوا أيديهم التي أتعبتها ارتدادات أعمال الحرب وآثارها من تدمير وقتل بعدما تحوّلت بيوت الجنوبيين إلى الكثيرين من البقاعيين والضاحية الجنوبية حقول اختبار لأحدث أنواع المسيّرات وآخر أجيال من الصواريخ.
لم يكن جمهور السيد حسن نصرالله ومن يحبّه في حاجة إلى إثبات أنه يعيش في وجدانهم وأحلامهم في تشييعه أمس مع بروز أسئلة عدة تقلقهم، وهم ينتظرون اليوم التالي وما سيحمله لهم في ظل كل هذا اللهيب في الإقليم من أكثر من جهة.
زحف عشاق نصرالله وهم ما زالوا يرون في أفكاره والمقاربات التي خلفها الملاذ الذي يلجؤون إليه. من كل الأعمار أرادوا وداعه وحضروا باكراً إلى مدينة كميل شمعون الرياضية واحتلوا كراسيّها، وبقي أكثرهم خارج احتفال التأبين بسبب تدفق المشاركين.
رفعوا صور نصرالله إلى جانب أحبّتهم الذين سقطوا في قراهم التي دمّرتها الحرب الأخيرة. أتوا من بلداتهم التي دُمّرت والتي لم تبقِ فيها إسرائيل حتى أشجار الزيتون ولم توفر أضرحة موتاهم التي فتّتتها جنازير الدبابات. كان المشاركون ممّن يدورون في فلك “حزب الله”، وليس من الضروري أن يكونوا من الذين يحملون بطاقات حزبية، ولم يغمضوا عيونهم وهم ينظرون إلى صورة ضخمة تتوسّط مدرج المدينة تجمع السيدين نصرالله وهاشم صفي الدين وهما يضحكان ويتطلعان نحو السماء حيث ظهرا وكأنهما يقولان إنهما على اطمئنان لمسيرة خطّهما الذي يؤمن أصحابه بأنهم يقدرون على الاستمرار رغم كل الجراح.
لبّى المشيّعيون النداء ورفعوا أيديهم التي أتعبتها ارتدادات أعمال الحرب وآثارها من تدمير وقتل بعدما تحوّلت بيوت الجنوبيين إلى الكثيرين من البقاعيين والضاحية الجنوبية حقول اختبار لأحدث أنواع المسيّرات وآخر أجيال من الصواريخ. ولم تشأ المقاتلات الإسرائيلية إلّا “المشاركة” على طريقتها في التشييع وهي تقول إنها على جهوزيتها لخلق المزيد من الأزمات والانقسامات في البلد.
وبعيداً من نوستالجيا الغرق في عشق القائد، ونصرالله ليس في حاجة إلى اختبار من هذا النوع، فكيف إن كان في حجم نصرالله الذي سيبقى في وجدان أحبته، تتكاثر الأسئلة المحمّلة بأثقال من التحديات وهي كيف سيواجهها المكوّن الشيعي اللبناني الذي لا يخفي أركانه أنه في حاجة إلى إعادة قراءة على مستوى الخيارات التي يؤمنون بها، لأن دروس الحرب الإسرائيلية تتطلب جملة من القراءات والمراجعات على مستوى تقديم مقاربات جديدة للتأقلم مع جملة من المسائل التي فرضت نفسها على الأرض من تطبيق القرار 1701 في جنوبي الليطاني حيث لم تتأخر إسرائيل في استغلال أيّ ثغرة مع استمرارها في احتلال النقاط الخمس وهي تعمل على زيادتها وهذا ما تبلغه لبنان في الأيام الأخيرة بواسطة “اليونيفيل”حيث لا قرارات دولية ولا موانع عندها من التوغل إلى أماكن أخرى كلما دعت الحاجة من منظارها التوسّعي الذي لا تقف في وجهه أيّ روادع.
لا خشية عند جمهور الحزب من إبراز حضوره في أيّ استحقاق بلدي أو نيابي ولو من دون إخفاء جملة الضغوط الملقاة على رأس قيادته من إعمار الجنوب إلى “ترسيم” حدود علاقاته مع إيران في “زمن دونالد ترامب” الذي لم يوفر في حلقات مسلسله فرض سياساته على الاتحاد الأوروبي.
ويبقى على الحزب، وهذا ما يطالبه به كثيرون من اللبنانيين الذين لا يلتقون مع مدرسته، أن يقدم على “تسييل” هذا التشييع في مشروع بناء الدولة في وقت ينادي فيه الشيخ نعيم قاسم بشعار “النصر أو الشهادة” وأن “المقاومة مستمرة” في ردّ واضح يقول بأن حزبه لن يقدم على التخلي عن سلاحه فكيف إن كانت إسرائيل توسّع شعاع احتلالها في الجنوب وخرقها سماء لبنان ساعة تشاء.
وبعد كل هذه الحشود التي شاركت في وداع نصرالله وصفيّ الدين سيزداد حضور هذا المكوّن السياسي في بيئته وترجمة هذا الأمر في صناديق الاقتراع في وقت سيواجه فيه امتحان تثبيت دعوة ما قاله قاسم أن لبنان سيبقى وطناً نهائياً لكل أهله.