Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر January 4, 2025
A A A
بانتظار اليوم الـ 61
الكاتب: ناصر قنديل

كتب ناصر قنديل في “البناء”

كثيرة هي الوقائع التي تقول بوجود قراءات متفاوتة داخلياً وخارجياً لموازين القوى في ضوء نتائج الحرب التي خاضتها المقاومة في مواجهة جيش الاحتلال كحصيلة إجمالية، أو في ضوء النتيجة الإجمالية لهذه الحرب مضافاً عليها ما جرى في سورية وانعكاسه على هذه الموازين، حيث لم يعد ممكناً إنكار حقيقة أن الاحتلال ومن خلفه اللاعب الأميركي المزهو بوصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومعهما لاعبون كبار وصغار في المنطقة ولبنان يتصرّفون على قاعدة اعتقاد يقول بأنه بات بالإمكان التعامل مع حزب الله كقوة مهزومة، تعيش حالة إنكار وعليها أن تعترف بالواقع الجديد.

ما جرى في مطار بيروت فجر أمس، كان مثالاً عن هذا الاعتقاد، فما كان ممكناً لهذا أن يجري قبل عام أو عامين، لكن هذا بدأ خلال الحرب عندما مُنعت طائرة إيرانية من الهبوط في مطار بيروت بعد تحذير إسرائيليّ، وجرى المنع تحت شعار تفادي ضربة إسرائيلية. وهو الشعار ذاته الذي استخدمه وزير الداخلية في تبرير الإجراءات التمييزيّة التي تمّ تطبيقها على الطائرة الإيرانية وركابها من بيئة حزب الله، دون سائر الطائرات الوافدة إلى المطار وركابها.

نسمع يومياً على الشاشات العربية واللبنانية سياسيين وإعلاميين، يعترفون بأن اتفاق وقف إطلاق النار هو امتداد للقرار 1701، الذي عاش ثمانية عشر عاماً دون أن يقول أحد إنّه يتضمن نزع سلاح المقاومة، لكنهم لا يترددون في القول إن الظروف تغيّرت الآن، لأن حزب الله برأيهم تلقى هزيمة تفرض عليه تقبّل القراءة الإسرائيلية للاتفاق او للقرار لا فرق. المهم أن زمن السلاح برأيهم انتهى، وإلا فلن توقف “إسرائيل” ما تقوم به في جنوب لبنان، ويصبح الحديث عن مصير السلاح شبيهاً بالحديث الذي ردّده الكثيرون في الأيام الأولى لحرب تموز 2006، عندما قالوا إن الحرب لن تتوقف ما لم يقبل حزب الله بإلقاء السلاح، لكنّهم الآن يضيفون إلى الخلطة مكوّنات جديدة، حزب الله لم ينجح بتطبيق الردع الذي وعد به اللبنانيين قبل الحرب، سورية حجر الرحى في الجغرافيا السياسية والعسكرية لمحور المقاومة انقلبت إلى عكس الاتجاه، وهي إضافة لإسقاط نظام الأسد تتباهى بلسان قادتها الجدد أنها أنجزت إنهاء تهديد حزب الله لأمن “إسرائيل” عبر سورية، وهي لا تريد أن تكون مصدر قلق أمنيّ لـ”إسرائيل”، حتى عندما تقوم “إسرائيل” بشنّ غارات متواصلة لتدمير مقدّرات الجيش السوري التي آلت إليها، أو عندما تتوغل القوات الإسرائيلية في الأراضي السورية. وهذا انقلاب برأي أصحابه يعادل الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، وهذا التشبيه حاضر في ترشيحات رئاسة الجمهورية في الداخل اللبنانيّ.

على خلفيّة هذا المشهد الذي يعتقد خصوم المقاومة أن فصوله مستمرّة وسوف ينال اليمن نصيباً منها، وسوف تصل التردّدات إلى إيران، تجري مقاربة مصير اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يفترض وفق الاتفاق أن تنسحب قوات الاحتلال من كل الأراضي اللبنانيّة حتى الخط الأزرق، وتتوقف كل الانتهاكات التي يقوم بها جيش الاحتلال في جنوب لبنان منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، والمهلة المحدّدة لذلك تنتهي في السابع والعشرين من الشهر الحالي. وبالمقابل هناك من يقول إن هذا لن يحدث وإن جيش الاحتلال سوف يواصل ما يقوم به ما دام حزب الله يقرأ الاتفاق بعين لا تعترف بالهزيمة ولا تقبل بوضع ملف السلاح ومستقبله على الطاولة فوراً، كشرط لضمان وقف التوغّل والتغوّل الإسرائيليّ، وإن حماية لبنان ترتبط بحجم الضمانة الأميركيّة المشروطة بإنهاء سلاح حزب الله ضمناً.

بغض النظر عن كل النقاش حول معنى الحديث عن ضمانات أميركيّة وغير أميركيّة، تنفع لمنع العدوان الإسرائيليّ، وكل المواقف الأميركيّة تجيب بحجم الاستعداد الأميركي لفعل كل شيء لمساندة العدوان الإسرائيلي، فإن السؤال العمليّ هو المهم هنا، ماذا سوف يحدث في اليوم الحادي والستين من وقف إطلاق النار، أي في السابع والعشرين من الشهر الحالي، فإذا توقفت الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية وتمّ الانسحاب وفق ما هو متفق عليه وما هو متوقع، فإن هذا يعني أن القراءة الإسرائيليّة لموازين القوى الفعليّة لا علاقة لها بما يتمّ ترويجه إعلامياً للرأي العام الإسرائيلي عن صورة النصر، وأن قيادة الاحتلال تعلم أنّها لا تتحمّل خوض اختبار مواجهة خاسرة مع المقاومة. وفي هذه الحالة سوف يكون الشعور بالخيبة والمرارة نصيب كل اللبنانيين والعرب الذين روّجوا لهزيمة المقاومة؛ أما في حال واصل الإسرائيلي الانتهاكات والاعتداءات وبقيت قواته ولو في شبر من الأراضي اللبنانية المفترض الانسحاب منها، فإن الشعب اللبنانيّ، وخصوصاً في الجنوب، ومعه المقاومة، على موعد مع مواجهة لا بدّ أن تكون على درجة من القوة والشدّة والفعاليّة لإعادة رسم موازين القوى بصورة لا تقبل التأويل، لأن مستقبل استقلال لبنان ومصير تضحيات شعبه على المحك.

اليوم الحادي والستون يوم آخر في كل الأحوال.