Beirut weather 22.41 ° C
تاريخ النشر December 20, 2016
A A A
بالمقلوب!
الكاتب: سمير التنير - السفير

يتّصف بعض الإعلام المصري بانعدام الموضوعية خدمة للنظام الحاكم. وبعض كتّابه لا يملّون من إطلاق نغمة مفادها أن حراكات «الربيع العربي» هي التي سببت الحروب الأهلية في بعض الدول العربية، وأدت إلى الكوارث التي نرى آثارها الآن. من ذلك مثلاً ما كتبه محمد صلاح في جريدة «الحياة» تحت عنوان «طريق أبناء الربيع» مثلاً: «لم يقسّم «الربيع العربي» دولاً عربية، ولم يفتت مجتمعات ويؤسس لحروب أهلية، إنما كان من أهم إفرازاته ظهور ذلك الجيل من الشباب الذين اعتبروا أنفسهم أبناءه فرفضوا كل ما قبله». يمكن الرد على الكلام المذكور بالقول إن شباب الثورات رأوا أن الوضع في العالم العربي جامد، وأن الأزمات تتراكم من دون حلول، فطالبوا بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. فأين الخطأ في ذلك؟

ويقول أيضاً «بعض الناصريين واليساريين الذين وقفوا مع السيسي ومنوا أنفسهم بمواقع ومزايا لم يكافئهم بها الرجل، فانقلبوا عليه». ونحن نرد أنه إذا انفضّت الكتل السياسية تلك عن الرئيس، فمن هم أنصاره والمؤيدون له؟ هل هم موظفو الدولة وأفراد الجيش والشرطة وتلامذة المدارس؟ إن النظام العسكري في مصر يصور الإسلاميين كفزاعة لتثبيط حماسة الدعوة إلى الديموقراطية، ويواصل ممارسة أنواع القمع البوليسي والإداري والتشريعي والإعلامي، بما في ذلك حملات الاغتيال المعنوي عبر وسائل الاعلام.

ويقول أيضاً إن شباب الثورة «يحسدون ثوار ليبيا الذين ضربوا بلادهم وتفرقوا ليعيشوا خارجها، ويأملون لو أنهم مكان ثوار سوريا الذين دمروا وطنهم ويعيشون في أوروبا، ومعجبون بثوار اليمن الذين فتتوا يمنهم ليعيشوا في تركيا الآن. هم أبناء الربيع الذين يعيشون خريفاً مستمراً». ان ما تقدم قلب فظيع للحقائق. وإذا كان ما يقوله الكاتب صحيحاً، فأين دور أنظمة الاستبداد؟ وما هو دور الجماعات الدينية المتطرفة؟ وأين دور دول الجوار؟ وماذا عن دور القوى العظمى التي أقحمت نفسها في تلك الحروب؟

ويقول الكاتب نفسه في مقالة أخرى تحت عنوان «من توابع الزلزال»: «رفع الربيع العربي طموحات الشعوب إلى درجة تفوق قدراتها أو إمكاناتها وصوّر للناس أن اسقاط هذا الحكم أو ذاك كفيل بتحقيق الرفاهية والعدل». لقد طالب الشباب بالديموقراطية، وبحقوق عادية طبيعية يتمتع بها كل شعب متحضر في العالم. واختاروا النظام الديموقراطي لأنه برهن أنه النظام السياسي الأفضل. ودلت ممارساتهم في الأعوام الأولى للثورات، في مصر وتونس وليبيا على نضوج سياسي مميز. وفي السياق يكتب الصحافي الاماراتي راشد صالح العربي عن الخوف من تجدد «الربيع العربي»، في جريدة «الحياة» أيضاً: «نحن نقول إن الثورات فشلت لأنها جوبهت بقوة مادية قاهرة وغاشمة. ولكنها نزعت الشرعية عن أنظمة الاستبداد. وتبقى قوة كامنة في العقول والقلوب، في انتظار اللحظة الحاسمة».