Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر September 8, 2018
A A A
بالصور: أسرار صناعة الخزف والفخار بمصر.. والفضل لسيدة سويسرية!
الكاتب: سبوتنيك
1035148191 1035148257 1035148314 1035147028 1035147636 1035147830
<
>

فوق هضبة مرتفعة مطلة على بحيرة قارون، وسط نخيل شاهق، وأرض زراعية تزينها أغصان الزيتون والورد معا، يقطن المئات من رواد صناعة الفخار في إحدى محافظات مصر.
هنا وعلى بعد نحو ساعتين من الزمن من ميدان الرماية الواقع بجوار أهرامات الجيزة، تقع قرية تونس التي تقترب من نهاية حدود محافظة الفيوم الغربية، والتي تربطها مساحة صحراوية مع الجارة ليبيا، حيث كانت تستخدم الدروب أو ما يطلق عليها “المدقات” في الانتقال إلى ليبيا.
قبل الوصول إلى القرية تستغرق السيارة نحو نصف ساعة بموازاة البحيرة المشهورة قديما بأسماكها، على طول هذه المسافة تقع العديد من أشجار الزيتون والنخيل والمزارع السمكية الواقعة على جانبي الطريق، إلى جانب عشرات الفيلل والقصور لمشاهير الفن المصري منهم فريد شوقي وليلى علوي ويسرا، حسب روايات أهل المنطقة.
قرية تونس
بمجرد نزولك على مدخل القرية ستشعر أنك أمام مشهد سينمائي مغاير، فالقرية الواقعة على الهضبة المرتفعة تبدو من بعيد وكأنها لوحة مرسومة بعناية فائقة لفنان ماهر، التناسق الكبير ومظهر البيوت المبنية بالطوب اللبن وتناسقها يؤكد على الطبيعة الفريدة التي اضفت على القرية جمالا مغايرا.
صناعة الخزف والفخار
مع أول شارع تدخله بالقرية ستجد نفسك أمام مشاهد جمالية متعددة، خاصة وأن ورش الخزف والفخار تعرض أفضل منتجاتها للمارة، أو تفتح أبوابها على الجمال المبهج المنبعث من داخلها، كما أن شوارع القرية المترامية على حدود مصر الغربية يشع منها جمالا تفتقده شوارع العاصمة ، الأرض المرصوفة وسلات القمامة المتواجدة بأماكنها والرسومات المتناسقة على الحوائط تضيف الكثير من التفاصيل الجمالية.
تشتهر القرية بمدرسة الفخار التي أسستها إيفلين بوريه السويسرية الأصل والتي قضت معظم سنوات عمرها في القرية، داخل بيتها الريفي بقرية تونس التابعة لمركز يوسف الصديق بالفيوم بجمهورية مصر العربية، بعد أن تركت بلدها سويسرا، وقررت الاستقرار في ريف مصر لتعيش فلاحة مصرية ترتدي ملابسها وتسير حافية القدمين وتنير منزلها بلمبة الجاز، لتحول القرية فيما بعد إلى واحة من الجمال، يقصدها معظم جنسيات العالم للمكوث فيها، وتخرج من مدرستها الكثير من صناع الخزف والفخار اللذين شاركوا في معارض عالمية فيما بعد، ومثلوا مصر في المهرجانات الكبرى داخل وخارج الأراضي المصرية.
أم أنجلو
إيفيلين أو أم أنجلو كما تحب أن يناديها أهل القرية هي خريجة فنون تطبيقية، التي قررت الاستقرار في مصر منذ ستينيات القرن الماضي بعد زيارة مع والدها إلى القرية عام 1965.
للوهلة الأولى تبدو كارهة للصحافة والإعلام وترفض الحديث، إلا أنها سرعان ما تقول “لو أقل من 5 دقائق ممكن ” وبعدها تسترسل في الحديث عن أن الكثير من القنوات والصحف تتحدث معها دون فائدة، خاصة فيما يتعلق بما يحتاجونه أهل القرية من أساسيات لصناعة الفخار، وكذلك مطالبتها بعدم تغير ملامح القرية البدائية والابقاء على البيوت الطينية كما هي.
تقول إيفيلين في حديثها إلى “سبوتنيك ” إنها حين زارت القرية بصحبة زوجها في ذلك الوقت الشاعر سيد حجاب أعجبها المكان وقررت الإقامة فيه طيلة حياتها، بعد أن رأت أطفال القرية يصنعون بعض التماثيل من الطين، وأدوات الطهي وبعض الأشكال المتعلقة بالطبيعة التي يعيشون فيها، وهو ما دفعها إلى تأسيس المدرسة وتعليم الأطفال.
تضيف أنها تتمنى أن تدفن في حديقة المنزل بعد وفاتها، ولا تفكر في العودة لبلدها سويسرا، إلا للزيارات فقط، وأنها ترى في الفيوم موطنها وحياتها، كما تتمنى ألا تتغير ملامح القرية مثل المدن وأن تبقى على طبيعتها البدائية الهادئة.
تؤكد أن أطفال القرية استجابوا للتعلم بشكل كبير، وأنها خرجت المئات من المدرسة، وأصبح كل منهم لديه ورشة خاصة به، وأن الأطفال يذهبون إلى المدارس ويأتون إلى مدرسة الفخار بعد الدراسة، وفي أيام الإجازة لاستكمال تعلمهم فيها، وأنهم يجنون الأرباح من الصناعات التي ينفذونها بعد تعلمهم بعد بيعها.
مراحل صناعة الفخار والخزف
داخل القرية التقينا إبراهيم سمير صاحب أحد أكبر الورش والذي تتلمذ على يد السيدة إيفيلين.
يقول إبراهيم في حديثه إلى” سبوتنيك” إنه كان مديرا لمدرسة الخزف لمدة 15 سنة، ودرس الخزف في الجامعة الألمانية، وسافر إلى فرنسا خلال معارض دولية، وأنه شارك في معارض في أميركا وانجلترا وبلجيكا واليابان.
عن الصناعة يضيف: “نحن نعمل بطريقة مختلفة نسبيا، حيث نستخدم الطين الأسوانلي، نسبة إلى أسوان، ومنه ثلاثة أنواع ” الطمي الأسواني والكاولین والبوركليه” وأن الطمي يغمر في الأحواض، ويتم فلترته في حوض أخر، ومن ثم يتم إخراجه على القماش، ويستغرق الأمر نحو أسبوعين حتى تكون الطينة جاهزة للعمل، وفي الشتاء يحتاج الأمر إلى نحو الشهر.
يتابع أن أول مرحلة هي التشكيل، ويمكن القيام بها يدويا أو على الدولاب الكهربائي، أو على الفرمات الخشب أو القماش أو الجبس، وأنه يقوم كل يوم بعمل مرحلة بعينها، حيث يمكن إعداد 20 قطعة في المرحلة الأولى فقط، من ثم المراحل التالية، حيث تكون المرحلة الثانية هي التنظيف، والثالثة هي الدهان بالطين الرمادي والطين الأبيض، ثم الرسم بالحفر أو الفرش، وبعد ذلك ينتظر حتى تجف القطع، وأنه يستخدم بودرة الزجاج التي تتحمل 10150 درجة مئوية وهي الدرجة التي تحرق عندها القطع داخل الفرن.
مدة الحريق
يتابع أن فترة الحريق تستغرق نحو 7 أو 10 ساعات، ويتم استخدام السولار في أول 3 ساعات حتى يصل الفرن إلى 300 درجة مئوية، وبعد ذلك تستخدم الكهرباء في تقليب هواء الأكسجين لتصل درجة الحرارة إلى الدرجة المطلوبة، ويكون جهاز قياس الحرارة بجانب الفرن، ولا تخرج القطع من الفرن إلا بعد 10 ساعات من الإطفاء ، وذلك حتى تنخفض درجة الحرارة بحيث لا تتكسر القطع نتيجة تعرضها لدرجات حرارة متفاوتة، خاصة أنه إذا فتح الفرن قبل انخفاض الحرارة يمكن أن تكسر جميع القطع أو تصاب بالشروخ.
ورشة راوية
هي أبرز وجوه القرية، لها ألوانها المعروفة ورسوماتها الخاصة، حتى أن كل من يقصد القرية لابد أن يزور ورشة “راوية عبد القادر”.
تقول راوية لـ”سبوتنيك” إنها كانت شغوفة منذ صغرها برسم الرجل والمرأة والزهور والحيوانات وكذلك الأسماك على الأطباق، وأنها بدأت تلقي أساسيات هذا الفن قبل أن تبلغ العاشرة في مدرسة الفخار على يد إيفيلين.
تضيف راوية: “كنا ككل الأطفال في الريف المصري نلعب بالطين في طرقات القرية ونخلق منه أشكالا مختلفة ما بين الرجل والمرأة والتماثيل الأخرى، وهو ما دفع السيدة إيفيلين إلى الاهتمام بإنشاء المدرسة، وأنها علمتهم الأساسيات وتركت لهم الأشكال والتصميم والرسومات المستوحاة من الطبيعة.
تؤكد أن إصرارها على الاستمرار هو ما جعلها إحدى الرائدات في صناعة الخزف، خاصة أن معظم الفتيات امتنعن عن استكمال التعلم لأسباب متعددة منها الزواج، وأنها مارست صناعة الفخار لمدة 14 عاما تحت إشراف إيفلين، قبل أن تنفصل فيما بعد وتفتتح ورشة خاصة بها.
وتوضح أنها شاركت في معارض داخل مصر وخارجها، وأنها سافرت لمدينة مارسيليا بفرنسا، لعرض ما أنتجته من فن الخزف، وهي في سن الخامسة عشر عاما، خاصة أنها رفضت الزواج في بداية حياتها، لأن كل من تقدم لخطبتها كان يشترط عليها أن تترك صناعة الخزف.