Beirut weather 20.41 ° C
تاريخ النشر June 25, 2019
A A A
انخفاض سندات الأوروبوند…. فهل دخلت دائرة الخطر؟
الكاتب: سلوى بعلبكي - النهار

تواجه سندات الأوروبوند اللبنانية ضغوطا كبيرة أدت الى انخفاض أسعارها، على وقع التأخير في إقرار الموازنة وتصاعد وتيرة التشنجات في المنطقة وانعدام الثقة والقدرة على تطبيق السياسات الإصلاحية.
وفقا لمؤشر “بلومبرغ باركليز”، فقد بلغت فوارق العوائد على السندات اللبنانية فوق سندات الخزانة الأميركية، أي معدل العوائد الإضافية الذي يطالب به المستثمرون للاستثمار في سندات الدين اللبناني، أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات مع 946 نقطة أساس هذا الأسبوع. وهو من أعلى الهوامش (بعد زامبيا والأرجنتين فقط) بين الأسواق الناشئة التي لم تتخلف عن سداد ديونها.
من المؤشرات الأخرى التي ذكرتها وكالة “بلومبرغ” عن تأزّم الأوضاع، الاتجاه العكسي في العوائد على سندات الأوروبوند اللبنانية، إذ إن بعض السندات ذات آجال الاستحقاق الأقصر تؤمّن عوائد أكبر من تلك التي تصبح مستحقة السداد بعد آجال أطول. ووفق “بلومبرغ” فإنه في معظم الحالات، يحدث ذلك عندما يكون البلد المعني على شفير التخلف عن سداد ديونه أو عندما يتخلف فعلاً عن سدادها، وفنزويلا مثال على ذلك”.
تتقلب اسعار سندات الأوروبوند تبعا لعوامل عدة، منها ما هو داخلي متعلق بالوضع المالية والنقدية في لبنان، ومنها ما يتعلق بشهية المستثمرين لزيادة نسبة الانكشاف على المخاطر في الأسواق الناشئة وحصة تلك الأسواق في محفظتها، وفق المديرة التنفيذية في مؤسسة Jefferies International Ltd في لندن علياء مبيض. ولكن في رأيها، يبقى العامل الداخلي، أي تدهور المؤشرات الماكرو اقتصادية وازدياد هشاشة الميزانية السيادية للدولة (sovereign balance sheet) في ظل انعدام السياسات الإصلاحية، أكبر عبء يؤثر سلبا على تقييم المخاطر.
وتكشف مبيض أن أسعار السندات “شهدت هبوطا حادا، في الاسبوع الثاني من شهر حزيران، لكنه ما لبث ان تحسّن على أثر المناخ العام في الأسواق الناشئة حيال قرار الفيديرالي والبنك المركزي الأوروبي. الا اننا شهدنا بعض التراجع مجددا أخيرا، في ظل استمرار العوائد ما فوق الـ 11% للسندات الدولارية قصيرة الأجل وأكثر من 10% للسندات المستحقة في العام 2037”.
لا تخفي مبيض أن “الأسعار الحالية لبعض السندات قد تكون جاذبة، ولكن ليس مقارنة ببلدان أخرى لديها التصنيف الائتماني نفسه، والتي يعرف المستثمرون ان حكوماتهم جادة بمعالجة المشاكل من جهة، وأن آفاق النمو والإصلاح المالي والتدفقات الرأسمالية في هذه البلدان واعدة، من شأنها رفع أسعار سنداتها بشكل كبير، على عكس لبنان حيث خابت آمال الصناديق الاستثمارية التي قامت بزيارات متعددة له منذ بداية السنة، وهي أصبحت تشكك في النية والقدرة على تطبيق الإصلاحات، مما يفسر نظرتها بأن توقعات تحسن أسعار السندات ستبقى محدودة”.
أما أبرز التحديات في رأي مبيض فتتعلق بالأسعار التي كلما هبطت ارتفعت العوائد وازدادت كلفة خدمة الدين، وهذا أحد أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة حاليا ومستقبلا، أي كيفية خفض العجوزات المالية للموازنة والخارجية للميزان الجاري، لينعكس ذلك خفضا في المخاطر وتاليا كلفة الاستدانة من الاسواق الخارجية والداخلية”.
سلبيات تأخير الموازنة؟
يبدو واضحا أن تأخير الحكومة ومن بعدها لجنة المال والموازنة في إقرار مشروع موازنة العام 2019 دفع الأسواق المالية إلى التفاعل سلبا مع سندات الخزينة اللبنانية بالدولار الأميركي، أي سندات الأوروبوندز. وهذا الأمر أدّى تلقائيا وفق الباحث الاقتصادي والاستراتيجي جاسم عجاقة إلى “رفع الفائدة على سندات الخزينة في الأسواق المالية عملا بمبدأ أن الفائدة تحوي المخاطر القائمة”، لافتا الى عوامل أخرى أدت الى التفاعل السلبي مع السندات التي في رأيه “ستستمر في الانخفاض حتى منتصف تموز المقبل”، وهذه العوامل تتعلق بعدم ثقة الاسواق بالاصلاحات الموعودة، وعدم وجود استثمارات بما يعني أنه ليس ثمة ما يشجع على قدرة الدولة على الصمود أمام الاستحقاقات… وفوق ذلك كله تلعب السلطات لعبة خطرة عبر محاولتها عجز الدولة الى مصرف بواسطة قروض بفائدة 1% وهذا الاجراء وفق عجاقة “لا تستسيغه الأسواق”.
ويقول عجاقة: “لنفترض انهم عمدوا الى خفض موازنة الوزارات، فما الذي يضمن أن هذه الوزارات لم تصرف سنة 2019 أكثر من نصف موازناتها؟ وبهذه الحالة يؤكد عجاقة أنه ستفتح اعتمادات للوزارات من خارج الموازنة بما يزيد نسبة العجز في الدولة.
من المعروف أن الدولة تموّل على الأمد البعيد من المصارف ومن الأسواق المالية. والفوائد التي تطلبها الأسواق (بما فيها المصارف) تعكس مستوى المخاطر الائتمانية للدوّلة. فكلما زادت المخاطر الائتمانية للدولة زادت متطلبات الأسواق المالية من الفوائد، أي بمعنى آخر يقول عجاقة: “ترتفع الفوائد ومعها خدمة الدين العام”. وبما أن تصريحات وكالتي التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز” و”فيتش” كانت سلبية عما ستؤول إليه موازنة 2019 واحتمال أن يكون العجز فيها أعلى من 9% من الناتج المحلّي الإجمالي، يتوقع عجاقة أن “تعمد إلى خفض تصنيف لبنان الائتماني عند أول اجتماع لها (أي الوكالات). وهذا الأمر سيزيد حكما خدمة الدين العام بدءا من 2020، وتاليا ستتأثر سندات الخزينة”.
السندات ليست متعثرة؟
على خلاف مبيض وعجاقة، يعتبر كبير الاقتصاديين رئيس مديرية البحوث والتحاليل الاقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس نسيب غبريل “أن سندات الأورو بوندز اللبنانية ليست قريبة من المستويات المتعثرة. فهوامش مقايضة المخاطر الائتمانية (CDS spreads) ليست مؤشرا أساسيا في حالة لبنان، نظرا إلى أن السوق العالمية لمقايضة المخاطر الائتمانية محدود، وغير شفاف وليس منظّما. كما أن تداول بضعة ملايين من الدولارات من سندات الأورو بوندز يمكنه أن يؤثر على هذه الهوامش”.
والأهم في رأيه أن “ما يحتاج المستثمرون الاجانب حاملو سندات الأورو بوندز اللبنانية الى النظر إليه هو أن 75% من إجمالي الدين العام اللبناني يحتفظ به القطاع المصرفي المحلي و86% منه تحمله المؤسسات المالية المحلية (المصارف التجارية والمؤسسات المالية المحلية الأخرى). كما أن 61% من الدين العام محرّر بالليرة اللبنانية ولا يستطيع المستثمرون الأجانب الولوج إليه. علاوة على ذلك، فإن مدة استحقاق سندات الأورو بوندزز المُثقَل هو 7,62 أعوام ومدة استحقاق سندات الخزينة بالليرة 4,4 أعوام. كذلك، فإن القسم من الدين العام المتداول في السوق او ما يعرف ب Market Debt يشكل نسبة 58,6% من الدين العام”.
كل هذه المؤشرات تُظهِر أن “الدين العام مستقر وأن حاملي سندات الأورو بوندز لا ينبغي أن يتجاهلوا هذه التفاصيل ولا أن يركزوا فقط على هوامش مقايضة المخاطر الائتمانية”، في رأي غبريل الذي يشير أيضا الى “أن ما يؤثر على سعر سندات الأورو بوندز هو الافتراض السائد لدى بعض المستثمرين الأجانب أنه سيكون هناك دائما دعم محلي، أي رغبة في شراء سندات الأورو بوندز، خصوصا من المصارف اللبنانية، في حال قرّر المستثمر الأجنبي بيعهم. لكن ليس من الواضح من أين تأتي هذه الفرضية، وهل هناك سوق ناشئة واحدة يمكنها تقديم مثل هذا الالتزام؟”.
واذ اعتبر “أن تنفيذ التدابير التي من شأنها خفض العجز في المالية العامة وتحفيز النمو، من شأنه أن يعزز الثقة، ويظهر جدّية السلطات في معالجة هذه التحديات، وتاليا، في العمل على وضع الاقتصاد والمالية العامة على المسار الصحيح، رأى أن هذا بدوره سيساعد على خفض أسعار الفائدة، وسيكون له تأثير إيجابي على الأسواق المالية، لا سيما على سوق الدخل الثابت بالليرة اللبنانية والعملات الأجنبية وعلى أسعار سندات الأورو بوندز”.