Beirut weather 24.41 ° C
تاريخ النشر October 19, 2024
A A A
انتصار المقاومة في الجنوب إنقاذٌ للداخل اللبناني
الكاتب: بدر الحاج - الأخبار

كل احتلال عبر التاريخ كان ينتهي، كما بدأ، بالقوّة. حروب الجزائر وفييتنام وأفغانستان خير أمثلة. الاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 خلق مقاومة، أطلقتها في البداية أحزاب وطنية، ثم انطلقت المقاومة الإسلامية التي هزمت العدو مرتين: الأولى بإنجاز التحرير عام 2000، والثانية الهزيمة المدوية في تموز 2006، والتي كانت أطول حرب في تاريخ العدو.

منذ البدء كانت أعداد المقاومين قليلة نسبياً، وكانوا يدركون جيداً مخاطر الطريق التي اختاروها في ظروف غاية في التعقيد والخطورة، وفي أجواء من الإحباط واليأس وبتواجد قوات الاحتلال الإسرائيلية والأطلسية. كانت صفوف المقاومة تضم شباباً تحولوا إلى قادة لاحقاً، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر السيّد عباس الموسوي والسيّد حسن نصر الله وعماد مغنية وغيرهم كثيرون.
لم يكن أي فرد منهم يتوقّع أن يموت حتف أنفه في فراشه. حملوا دماءهم على أكفّهم وانطلقوا. وما أنجزوه شكّل انقلاباً جذرياً في رؤية قسم كبير من اللبنانيين وإدراكهم لخطورة المشروع الصهيوني على بلادنا.
صحيح أنّ المقاومة حرّرت الأرض عام 2000 وهزمت العدو عام 2006، لكن أهمّ عناصر النصر كانت تلك الأجيال التي تدرّبت وتثقّفت ودفعت ضريبة الدم لتحقيق تلك الانتصارات.
الاهتمام بالتنظيم وإقامة المؤسّسات والعمل الدؤوب المتواصل خرّج قادة بعضهم استشهد والبعض لا يزال مجهولاً حتى الآن. لا نعرف عنه شيئاً إلا حين يستشهد.
هذا الجيل المقاوم الضخم عدّة وعدداً أدرك بالممارسة أن دولة لبنان لم تحمه سابقاً، ولن تفعل لا حاضراً ولا مستقبلاً. فالأرض مستباحة كلّياً من العدو والدفاع عنها مرفوض كلّياً لدى السلطة الحاكمة التي ادّعت أن «قوة لبنان في ضعفه» وأنّ القرارات الدوليّة تحمينا. رغم كل ذلك، ومن المؤامرات المتواصلة التي حيكت ضدّ هذه الطليعة المقاومة، فقد حقّقت المعجزات وحرّرت لبنان من الاحتلال.
إنجازات التحرير وهزيمة المشروع الصهيوني الأميركي لم يحقّقها شخص واحد البتّة، إنّما جاءت نتيجة عمل جماعي مؤسّساتي منظّم، أفراده مؤمنون بقضية تساوي وجودهم.
بالطبع كانت هناك رموز ألهمت مئات الألوف من المقاتلين والمواطنين، بعض هذه الرموز استشهد في هذه المعركة وغيرها من المعارك. وكان أبرز هذه الرموز السيد حسن نصر الله، الذي كرّر مرات عدة في خطبه أن الأفراد زائلون لا محالة، وأنّ القادة قد يستشهد معظمهم، أمّا المسيرة الجهاديّة، فستستمر رغم استشهادهم ولا مجال إلا في إكمال المسيرة حتى النصر.
على ضوء كلّ ذلك، نحن نواجه اليوم جولة جديدة من الحرب الصهيونية – الأميركية المبدعة في حروب الإبادة الجماعية. يُضاف إلى ذلك حربٌ نفسيّة تستعمل الوسائل كافة، وتحاول عبرها إقناع اللبنانيين بصورة عامة وبيئة المقاومة بصورة خاصة باستحالة النصر. وسبق أن واجهنا منذ عام 1982 وحتى اليوم مثل هذه الحملة بشكل متواصل، وكانت النتيجة الفشل. إن الحرب النفسيّة التي تُشنّ علينا الآن ليست بجديدة، بل هي متوقّعة. فالمرتزقة اللبنانيون كثر، وبعض الأنظمة العربية ترى أن هذه هي الفرصة السانحة لسحق المقاومين. لكن هناك استحالة في الاختراق رغم كل المجازر والتهجير.
بالإيمان الصلب، وبعقيدة قتالية تمّ ترسيخها في صفوف المقاومين عبر الممارسة، يواجه أبطال المقاومة على الحدود الجنوبيّة التفوّق العسكري والتكنولوجي الصهيوني والأطلسي بكل ثبات، ويواصلون حرب الإسناد لغزة.
وبنظرة واقعيّة على ما يجري منذ عام ونيّف في «طوفان الأقصى»، تتأكد لنا صحة ما قاله نتنياهو من أنّ المشروع الصهيوني يخوض حرباً مصيريّة. الموضوع ليس عناد حكّام إسرائيل وتطرّفهم كما يُشاع، ولا خوف نتنياهو من المحاكمة بسبب فساده. الموضوع الأساسي هو أنّ نتنياهو يعجز عن القبول بوقف إطلاق النار، لأنّ مجرّد قبوله يعني ضمناً الفشل واهتزاز أسس المشروع الصهيوني وبداية الهزيمة التدريجية.
وقف إطلاق النار يعني عملياً أنّه ليس هناك قوة على الأرض تستطيع إقناع المستوطن الذي نهب الأرض أنّ مكان وجوده ومستقبله آمن بعد أن شاهد خلال عام ما فعله المقاومون بجيشه ومستوطناته.
هذا هو الجليل الذي اعتبروه درّة المشروع الصهيوني، قد تمّ تهجير معظم مستوطنيه. وبما أنّ الاستيطان هو الدّعامة الأساسيّة للمشروع الصهيوني، فإنّه لأوّل مرّة تهتزّ دعائمه منذ أن وطأ أرض فلسطين أول مستوطن.
هذا الأمر دفع الصهاينة والأميركيين والغرب إلى الهجوم البرّي والجوّي على لبنان. نفوذ الغرب يتراجع في المنطقة رغم وجود القواعد العسكريّة المزروعة فيها، لذلك يغطي الغرب منذ عام ونيّف حرب الإبادة الجماعية في غزة والآن في لبنان.
حتى الآن يبدو أنّ الهجوم البرّي متعثّر والتقدّم بطيء، ولا تزال المقاومة تقصف المستعمرات والقواعد العسكريّة وتُكبّد نخبة العدو الخسائر اليوميّة.
الطموحات الصهيونية – الأميركيّة من هذه الحرب كبيرة، فقد أعلنت الخارجيّة الأميركيّة أنّها بصدد تغيير النظام السياسي في لبنان بواسطة الجيش الإسرائيلي، وسحق حزب الله. وكذلك سبق أن أعلن نتنياهو أنّه بصدد خلق شرق أوسط جديد. لكن في حال تعذّر إنجاز المهمّة بواسطة الجيش الإسرائيلي كما حدث عام 1982، وهذا هو الأرجح، فسيجري تفجير حرب داخل لبنان. فالداخل اللبناني يعجّ بتجّار السياسة والدم، وهم بانتظار الفرصة التي يعتقدون بأنّها سانحة للاستيلاء على السلطة التي ستؤدي إلى سلام دائم مع إسرائيل.

المشهد الحالي يُلخّص بالتالي: لبنانيون يقاتلون دفاعاً عن بلادهم و«لبنانيون» آخرون ينتظرون اقتناص الفرصة للبيع والشراء كعادتهم.
الدم اللبناني الذي يُراق حالياً سيلاحق كل من يتآمر مع العدو ولو بعد مئة عام.
التجارة بالمصير والأوطان ستؤدي بصاحبها إلى التهلكة.
تقع على عاتق المقاومين اللبنانيين مهمّة إنقاذ لبنان مرة أخرى. ومقاومتهم للغزو خلال الأيام المنصرمة دليل على أن زرع السيد نصر الله ورفاقه يعطي ثماره.
نحن أمام معادلتين لا ثالث لهما: إمّا أن يعود جنود العدو أفقياً كما وعد السيّد الشهيد، وهذا ما يحدث الآن. وإمّا أن تدخل بلادنا كلّها في العصر الإسرائيلي، وهذا من المستحيل، لأنّ الحياة عندنا «وقفة عزّ فقط».