Beirut weather 17.43 ° C
تاريخ النشر September 4, 2016
A A A
امّ الفقراء… قدّيسة
الكاتب: جوزفين ضاهر - موقع المرده

 

 

 

هناك ألوف من الناس ترغب في أن تكون مثلنا، ولكن الله اختارنا نحن لنكون حيث نحن، وذلك لكي نساهم في فرح الآخرين ونحن نحبّهم. إنّ الله يريد أن يحبَّ بعضنا بعضاً، وأن يقدّم واحدنا ذاته للآخر حتى ولو كان ذلك صعباً للغاية. ما مهم كم نعطي للآخرين، المهم أن نعطي الحب. وحيثما يكون الحب، يكون الله هناك. وحيثما يكون الله، يكون الحب كذلك هناك. فالعالم عطشان إلى الحب، لذلك علينا أن نحمل إليه هذا الحب الذي هو الله”.
هي ام الفقراء، الراهبة ذات الأصول الألبانية والحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 1979.
ولدت آغنيس غونكزا بوجاكسيو في 26 آب 1910 في قرية سوكجية من عائلة متدينة للغاية مهاجرة إلى يوغسلافيا أصلها من ألبانيا كانت تعمل في الفلاحة، وعندما كانت في سن العاشرة توفى والدها فإزدادت تعلقا بالإيمان، ودخلت في سلك الرهبنة حيث اتخذت اسم الأخت تريزا  لها، وفي عام 1937 نذرت نفسها وأصبحت الأم تريزا.
اهتمت الأم تريزا بالعناية بالأطفال المهملين وعلى أثر ذلك خلعت زي الرهبنة ولبست الساري الهندي القطني بلونه الأبيض والخط الأزرق على كمية الذي عرفت به فيما بعد حيث توجهت إلى دير للرهبنة الأمريكية يعنى بالعناية الطبية والتمريض.
أسست جمعيتها لراهبات المحبة عام 1950 التي اهتمت بالأطفال المشردين والعجزة. ومع اتساع عملها في الجمعية تعرضت الام تيريزا لانتقادات عديدة منها أن فريقها لم يكن له دراية واسعة بالطب, وأيضا أن الأساليب المتبعة في العناية الطبية لم تراع المعايير الطبية مثل استخدام الحقن عدة مرات وبدون تعقيم, كما أن عدد الذين تمت العناية بهم قد تم التشكيك به كثيرا. وكان رد الأم تيريزا على بعض تلك الانتقادات هو أن النجاح ليس المقياس بل الصدق والأمانة والإخلاص في العمل هي المقياس.
لم تهتم الأم تريزا بالمال يومًا ما فقد عرفت برفضها للمال والتبرعات المالية حيث كانت تصر على المساعدة والمشاركة الشخصية.
وكانت تردد دوما: “لكل مرضٍ هناك عدد كبير من الأدوية والعلاجات، ولكن إذا لم يكن هناك يد ناعمة وحاضرة للخدمة، وقلب كريم حاضر للحب، فإنني لا أعتقد أنّه بالإمكان شفاء ما يسمّى بنقص الحب. إنّ الأشياء التي تؤمّن لنا دخول السماء هي أعمال المحبة والكرم التي يجب أن يمتلئ وجودنا بها. هل نعرف كم تقدم بسمة محبة إلى مريض؟ هكذا نعلن من خلال بسمتنا كم أنّ الله سامحنا إذا أحببنا مرضانا وساعدنا الفقراء. إنّه بذلك يغفر لنا جميع خطايانا”
حولت الأم تريزا جزءا من معبد كالي في كالكوتا إلى منزل لرعاية المصابين بأمراض غير قابلة للشفاء والعناية بهم في أيامهم الأخيرة لكي يموتوا بكرامة، ويحسوا بالعطف والقبول بدل البغض والرفض من مجتمعهم، وتوالت بعد ذلك المؤسسات التي أنشأتها الأم تريزا، فأقامت “القلب النقي” (منزل للمرضى المزمنين أيضا)، و”مدينة السلام” (مجموعة من المنازل الصغيرة لإيواء المنبوذين من المصابين بأمراض معدية). ثم أنشأت أول مأوى للأيتام. وبازدياد المنتسبات إلى رهبنة “الإرسالية الخيرية”، راحت الأم تريزا تنشئ مئات البيوت المماثلة في طول الهند وعرضها لرعاية الفقراء ومسح جروحاتهم وتخفيف آلامهم، والأهم من كل ذلك لجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر. وقد اختارت الأم تريزا لرهبنتها ثوبا بسيطا هو عبارة عن ساري أبيض اللون ذي إطار أزرق مع شارة الصليب على الكتف الأيسر، لكي يصير بإمكان المحتاجين معرفة الراهبات.
وكان للبنان حصّة كبيرة من حياة الام تيريزا فقد زارته 3 مرات، فخلال أشد أيام الحرب الإسرائيلية على لبنان، وفي منتصف شهر آب عام 1982، قامت بزيارة بيروت لتقديم المعونة لمتضرري الحرب. فخلال الاجتياح، استطاعت الحائزة على جائزة نوبل للسلام أن توقف إطلاق النار لفترة من الوقت، ريثما يتم إنقاذ مجموعة من الأطفال المرضى كانوا محاصرين في أحد المستشفيات. ويعد هذا العمل من أبرز المواقف الإنسانية للأم تريزا. كما ساعدت على إخلاء 37 طفلاً من المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة في مستشفى الأمراض النفسية، في مخيم صبرا للاجئين. وما إن دخلت مستشفى الأمراض العقلية والنفسية التابع لجمعية دار العجزة الإسلامية، حتى انقلبت تجاعيد وجهها إلى ابتسامة عريضة، وبدأت بمعانقة مجموعات الأطفال الملقيين على الأرض.
لم تكن حياة امّ الفقراء سهلة فبالرّغم من التعب الجسدي أصيبت بذبحة قلبية عام 1985 فيما كانت في روما. وأخرى عام 1989 كانت أخطر وكادت تودي بحياتها، ما اضطرها إلى أن تخضع لعملية جراحية جرى خلالها زرع منظم للنبض ،عام 1991 كانت في المكسيك وأصيبت بمرض ذات الرئة فأثر ذلك على عمل القلب، كما عانت من مرض الملاريا والتهاب الصدر وخضعت لعملية جراحية في القلب عام 1996.. كلّ ذلك والبسمة لم تفارق وجهها وظلّت تقدّم المساعدة الى آخر نفس في حياتها فتوفيت في كالكوتا في 5 ايلول 1997.
ها هي اليوم بعد 19 سنة على وفاتها تعلن قدّيسة، فايتها الام تيريزا صاحبة الوجه الملائكي والبسمة الدائمة تضرعي لأجلنا فاطفالنا اليوم بحاجة اليك وعالمنا اليوم يتوق الى المحبة فكما كنت ترددين ” فالعالم عطشان إلى الحب، لذلك علينا أن نحمل إليه هذا الحب الذي هو الله”.