Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر March 5, 2018
A A A
“اليسار المأزوم” والمستقلون لمواجهة حزب الله
الكاتب: ابراهيم حيدر - النهار

معركة الجنوب الانتخابية ليست “شيعية”… “اليسار المأزوم” والمستقلون لمواجهة حزب الله
*

لم ينتهِ النقاش بين قوى الاعتراض في الجنوب حول خوض الانتخابات النيابية في مواجهة لوائح السلطة. ينسحب هذا النقاش على مناطق عدة في البقاع امتداداً إلى الشمال، إذا كان الحديث عن أحزاب اليسار والشخصيات المستقلة والمجموعات المدنية غير الممثلة في الحكم أو المحسوبة عليه.

لكن معركة الجنوب خصوصاً في الدائرتين الثانية والثالثة تحمل رسائل مختلفة ولها دلائل تتصل بخاصيّة المنطقة وموقعها التاريخي في المقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، فيما الهيمنة اليوم يتولاها “حزب الله” ويتصرف على أنها ساحته ومنزله، ولا يحتمل خروقاً فيها، كما في دوائر أخرى يعتبرها خزّانه الرئيسي سياسياً وطائفياً كبعلبك والهرمل. وعلى هذا تكتسب المعركة الانتخابية بعداً وطنياً أيضاً تحاول خلاله قوى الاعتراض استعادة النبض والبناء والاستقطاب الشعبي مجدداً، وإن كانت أزمات كثيرة تعصف بمكوناتها بصرف النظر عن الأحجام والمواقع.

تعرف قوى الاعتراض وتشكيلاتها أن المعركة في الجنوب ليست سهلة. الأهم انها ليست معركة شيعية وفق سياسي متابع للوضع الجنوبي وتركيبته، علماً أن الكتلة الناخبة تشكل الأكثرية الساحقة جنوباً، ففي الدائرة الثالثة التي تضم النبطية وبنت جبيل ومرجعيون – حاصبيا يبلغ عدد الناخبين الشيعة 361 ألفاً من أصل 450 الف ناخب، لذا عندما يصبح عنوان المعركة شيعياً تصبح الأمور خاسرة، وإن كان المعترضون يخوضونها في مواجهة “الثنائي الشيعي”، إلا أن النجاح في التأثير أو حتى الخرق رهن خوضها من موقع مستقل بعيداً من شعار المعركة الشيعية، وباستقلالية أيضاً عن كل أطراف السلطة أو استغلال ناخبي الطوائف الأخرى وتجيير اصواتهم لحسابات خاصة. لذا ليست المعركة سهلة، لكنها ليست مستحيلة، إذا كان الرهان أولاً على التأثير وإعادة بناء كتلة شعبية معارضة تعيد الاعتبار للحركة الديموقراطية وتكسر الهيمنة وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي جنوباً. وانطلاقاً من ذلك لا يعول السياسي على بعض المعارضات التي تنطلق من خلفية “شيعية” أو شخصية أو مرتبطة بأهداف خاصة، ويرى في لائحة أحمد الأسعد الذي أعلنها وتضم زوجته في الدائرة الثالثة مع الأمين العام لحزبه، أنها تساهم في التعمية على المعركة الديموقراطية للانتخابات ولا تعطي المعارضة أي قيمة مضافة.

ولعل طبيعة القوى في الجنوب تعطي المعركة الانتخابية معنى مختلفاً عن المناطق الأخرى. ففي طرابلس والشمال تخاض الاتتخابات بين أطراف في السلطة، فيما المعارضات الديموقراطية مفككة، إذ لم يستطع الحزب الشيوعي على سبيل المثال اقتراح إسم لترشيحه هناك، وكذلك في بيروت وغالبية دوائر جبل لبنان، وباستثناء البقاع الغربي الذي يمكن أن تخرج منه أسماء، تبين ان بعض مناصري الحزب الشيوعي في هذه المنطقة يدعون للتحالف مع الثنائي الشيعي، وهو ما دفع قيادة الحزب الى إصدار بيان ينفي فيه اي لقاء أو تحالف من هذا النوع، باستثناء لقاءاته مع منظمة العمل الشيوعي وأطراف يسارية أخرى. أما في الجنوب، فالأمور مختلفة لأسباب تاريخية وطنية وللموقع الذي كان يحتله اليسار في المنطقة ومساهمته في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإطلاق المقاومة الوطنية. لذا للانتخابات عنوان سياسي من خارج تفاهمات أطراف السلطة على ما تظهره المناقشات التي جرت في لقاءات عدة عامة بين مكونات الاعتراض الجنوبي، المتشكلة من أطراف يسارية ومستقلين ومدنيين وشخصيات متنوعة، حيث تم الاتفاق على نسق بياني سياسي يؤسس للاتفاق على خوض المعركة من موقع مستقل، وذلك بالتزام العمل على توحيد الجهود لتأمين الحضور السياسي الوازن في مواجهة القوى الطائفية والمذهبية وخوض الانتخابات النيابية ببرنامج مشترك ولائحة موحدة، واستنهاض حالة الاعتراض والتغيير الديموقراطي.

لكن مشكلات كثيرة تعاني منها قوى الاعتراض جنوباً، وان كانت بدأت بالبحث في الأسماء، وبينها ما جرى تداوله ثم انسحب من المعركة. ووفق السياسي المتابع، تظهر الأزمة في الحزب الشيوعي في عدد من المناطق، إذ كان لبعض أجنحته رهانات للأنضواء في لوائح الثنائي الشيعي، سابقاً وراهناً، فيظهر في منطقة النبطية أن منظمة الحزب لا تريد الانتخابات لأنها تخاف أن تخسر شبكة علاقاتها مع “حزب الله”، في حين أن مأزق الحزب يكمن في الفيتوات التي توضع ضد أسماء مستقلة لها حيثيات جنوبية، ويريد أن تكون الأسماء حزبية، فيما نقاشه مع منظمة العمل الشيوعي، بدءاً من اللقاء الاول مع أمينها العام محسن ابراهيم ثم قيادة المنظمة التي عادت وأطلقت نشاطها السياسي الاعتراضي، لم يصل الى توافق حول القضايا الخلافية، انما في الانتخابات أصرت المنظمة على الانطلاق من موقع مستقل ديموقراطي في مواجهة كل أطراف السلطة، انطلاقاً من دور الطرفين السياسي والاجتماعي، وكذلك في الدور الذي أدته المنظمة والحزب في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، وإعادة بناء حركة ديموقراطية مستقلة لا طائفية ولا فئوية، واعتبار العملية الانتخابية مناسبة لولادة كتلة شعبية مستقلة وديموقراطية تؤسس للمرحلة المقبلة. وهو أمر ليس مستحيلاً إذا تم الانطلاق من رؤية سياسية ومن موقف واضح وشفاف غير مرتهن لاي قوى أو هيمنة.

مقاربة المعركة الانتخابية لا تزال ضبابية لدى بعض اليسار وقوى أخرى لها رهانات مختلفة، فوفق السياسي الخبير إما أن تخاض الانتخابات للاستنهاض وإعادة تأسيس الموقع السياسي على قاعدة الاستقلالية، وإما الإنكفاء والانتهاء، ولا يمكن أن يكون الخرق عنواناً والمواقف التي تضخم الموقع والإمكانات. وبينما طرحت اسماء كثيرة متنوعة بين الدائرتين الثانية والثالثة جنوباً واتفق على بعضها، يبقى البحث بالحيثيات والخروج من المأزق الذي لا يزال ضاغطاً، فكيف يمكن مواجهة “حزب الله” انتخابياً في الجنوب الذي يعتبره عقر داره؟ وفق السياسي يكمن ذلك في أن تدفع بالموقع المستقل الديموقراطي والوطني وأسماء تنطق بإسمه وتترك تأثيراً واضحاً في بناء حالة اعتراض حقيقية، وكسر الهيمنة الثقيلة وعناوينها وشعارياتها الشعبوية…