Beirut weather 19.41 ° C
تاريخ النشر May 25, 2023
A A A
الياس سابا رجل الإصلاح و«حساب الدكنجي»
الكاتب: كمال ذبيان - الديار

يخطفهم الموت، ولا احد يستطيع ان يقف بوجهه لأنه القدر، واليه سلّم الانسان نفسه، حيث لكل شيء نهاية، هذه هي الحياة للانسان كما للاشياء والحيوانات، وكل مخلوق على الارض ما اسميت الكرة الارضية، احد الكواكب.

وآخر من نفتقدهم النائب والوزير السابق الدكتور الياس سابا، الذي نفخر بعلمه المالي والاقتصادي، وعقله العلمي وتقديراته الصائبة، فعندما اختير لشغل منصب وزاري، فكان للاسباب التي ذكرناها، وكانت البداية في حكومة ترأسها الرئيس صائب سلام في اول عهد الرئيس سليمان فرنجيه عام 1970، وسميت بـ «حكومة الشباب»، التي ضمت اسماء معلومة مجهولة، لكنها كانت فاعلة، وسعت الى تقديم نموذج في الحكم جديد، ومن هؤلاء الياس سابا الذي تسلم وزارة المال، وخاض معركة بوجه الاحتكار، والغاء حصرية الشركات، فكان المرسوم الشهير 1943، الذي اصطدم سابا في تطبيقه بالتجار الذين لهم وكلاء في السلطة، فلم يتمكن من هؤلاء، وان حدّ من احتكارهم.

وفي وزارة المال للمرة الثانية، في حكومة الرئيس عمر كرامي، التي شكلها بعد التمديد للرئيس اميل لحود في رئاسة الجمهورية في ايلول 2004، فحاول وزير المال في الحكومة ان يوقف الهدر، وينظم الجباية، ويوزع العدالة الضريبية، وبدأ العمل لاخراج لبنان من ازمة مالية بدأت تعصف به منذ العام 1997 في حكومات الرئيس رفيق الحريري، الذي اعتمد سياسة الاستدانة على اقتصاد غير منتج، وذهب الى الاقتصاد الريعي، فحاول سابا ان يوقف ما بوشر منذ ما بعد «اتفاق الطائف»، لا سيما في ايام «الحريرية السياسية»، لا سيما الاداء الاقتصادي منها.

فالراحل سابا، كان من النواب الذين تصدوا في العام 1991، وقد عُين نائباً عن الكورة، لمشروع «سوليدير» في وسط بيروت ووقف ضده، واستضفته في برنامج سياسي حواري اسمه «مساء الخير يا لبنان»، على شاشة تلفزيون «كيليكيا»، الذي كان من ضمن مؤسسات شركة «النهضة» التي يرأسها الاستاذ شارل أيوب، حيث نبّه الى هذا الاستثمار الذي سيحّول لبنان الى قطاع خاص، وانهاء دولة الرعاية، وهذا ما حصل.

ومع تفاقم الازمة المالية والاقتصادية في عهد امين الجميل، سألت الصديق الياس سابا، عن اسباب ما نمرّ به، فكان جوابه بان في لبنان «اقتصاد مقنع»، وهذا ليس باقتصاد لانه يقوم على ثلاث دعائم وهي: اموال المغتربين، المال السياسي والمخدرات، وهذا لا يؤسس لاقتصاد بل لمزيد من الازمات.

وفي حكومة الرئيس عمر كرامي الثانية، كنت في عداد الوفد الذي ترأسه كرامي، وزار دولا عربية وتحديداً خليجية في كانون الاول 2004، وفي جلسة معه في جدة في حضور الوزراء محمود حمود وياسين جابر وموريس الصحناوي، عرض سابا لما سيقوم به في وزارة المال، واول عمل وقف الاستدانة التي تكلف خدمة دينها ثلث الموازنة.

وفي احدى المرات، حضر سابا الى منزل الرئيس كرامي في الرملة البيضاء وكنت حاضراً، فسأله رئيس الحكومة ما عندك «يا الياس» فرد قائلاً: عملت في وزارة المال جردة «حساب الدكنجي»، كما يقال في القرى، وتبين لي من «نفدات» لوقف المزاريب التي يصرف فيها المال فظهر لي من خلال ذلك، انه بامكاننا توفير 4 مليارات دولار سنويا في الموازنة.

فسأله كرامي ما هي؟ فرد سابا بلائحة مفصلة للمؤسسات والمصالح التي يجب اقفالها، او تلك التي لا عمل لها، وتصرف لها موازنات، وبذلك نبدأ اول خطوة في طريق الاصلاح، اضافة الى تحسين جباية الضرائب والرسوم، فعلق كرامي فوراً، ابدأ يا معالي الوزراء وكلنا معك.

لكن حكومة كرامي كانت قصيرة العمر، مع اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط 2005، فاستقالت بعد اسبوعين، وتوقف الاصلاح، واستمر الهدر والفساد، ودخل اللبنانيون في ازمة وحروب باردة، وبشغور رئاسي، وحكومات مشلولة، و«ثورة بلا برنامج وقيادة»، حتى وصل الى «الفوضى الخلاقة».

ان الياس سابا ترك بصمات في لبنان، وبمثله يرجى الاصلاح.