Beirut weather 23.41 ° C
تاريخ النشر December 17, 2019
A A A
الى اين سيؤدي المأزق المتعاظم بعد هذا الانهيار السياسي؟
الكاتب: النهار

لم يكن الارجاء الثاني للاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة من البارحة الى الخميس التطور السلبي الاساسي الذي سجّل أمس، على خطورة النمط الجاري تارة في استئخار الاستشارات وطورا في ارجائها ولكن ما اعقبه من تداعيات سياسية متسارعة شكل الحدث الاكثر اثارة للرصد في المسار المازوم للاستحقاق الحكومي كما لمجمل المشهد السياسي في البلاد.
ذلك ان ما جرى أمس، بدءاً من “اعلان الفجر” لكتلة “القوات اللبنانية” بانها لن تسمي مرشحاً للتكليف بعدما كان الجميع في اجواء ترقب تأييد “القوات” تسمية حليفها رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري لهذه المهمة المتجددة، مروراً بارجاء الاستشارات بناء على طلب الحريري من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وذلك قبيل موعد بدء هذه الاستشارات، وصولاً الى اندلاع السجالات الاشد حدة بين قصر بعبدا و”بيت الوسط” و”تيار المستقبل”، كل هذا يمكن ادراجه ضمن اطار الانهيارالسياسي الاكبر والاشد وطأة على المشهد المأزوم منذ انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول. ويكتسب هذا التطور ابعاده ودلالاته المؤثرة من خلال انفجار حقيقي للعلاقات التي قامت بين الرئيسين عون والحريري منذ انتخاب رئيس الجمهورية بدفع وتأييد من رئيس الوزراء. كما ان تداعيات الانهيار العوني – الحريري تزامنت واقترنت بانهيار مماثل ولو أقل حدة بين الحريري و”القوات اللبنانية “، مع ان رئيس حزب “القوات” سمير جعجع ظل متحفظا عن تصعيد التوتر مع حليفه “السابق”.
والواقع ان “القوات” التي استمر اجتماع كتلتها النيابية ليل الاحد الماضي حتى الثانية فجر الاثنين واطلقت موقفها الممتنع عن تسمية الحريري أو أي مرشح سواه لرئاسة الوزراء، باغتت “بيت الوسط” الذي كان موفده الوزير السابق الدكتور غطاس خوري الى معراب السبت الماضي لمس موقفاً مغايراً من تسمية الحريري، ربطه جعجع بتركيبة الحكومة التي تمسك بان تكون حكومة اختصاصيين مستقلين. ويبدو ان جعجع الذي أبلغ موفد الحريري ان “تكتل الجمهورية القوية” سيناقش الموقف من كل جوانبه، عاد وتحدث مع الرئيس الحريري هاتفياً خلال وجود خوري في معراب. لكن الحريري فوجئ امس بموقف “القوات”، كما بدا ان معطيات جدية أشارت الى اتجاه نواب “تكتل لبنان القوي” العوني لاستعادة تجربة “التفويض” التي حصلت في مستهل عهد الرئيس السابق اميل لحود بحيث يفوض النواب اصواتهم في الاستشارات الى رئيس الجمهورية ليوظفها في الاتجاه السياسي والشخصي الذي يرغب فيه خلافا للاصول الدستورية. وثمة نقطة ثالثة اضيفت الى ثلاثي العوامل والمسببات المتفجرة التي اشعلت السجالات العلنية العنيفة بين ثلاثة افرقاء أساسيين جمعتهم تسوية انتخاب الرئيس عون وهي مسألة ميثاقية التكليف. ذلك ان موقف “القوات” بالامتناع عن تسمية الحريري كما سواه وموقف “التيار الوطني الحر” الرافض لعودة الحريري على رأس الحكومة العتيدة سيفقدان الحريري التغطية المسيحية لأكبر كتلتين وحزبين مسيحيين.
وسارعت دوائر القصر الجمهوري في ضوء ذلك الى التطوع لتعميم معطيات تفيد ان الحريري كان سيحصل على 18 صوتاً مسيحياً لنفي ذريعة الميثاقية. لكن ردود الحريري و”تيار المستقبل” سرعان ما أظهرت عمق الازمة الناشبة بين عون والحريري بما يؤكد معظم المعطيات التي كانت تشير الى ان رئيس الجمهورية وكبير وزراء العهد جبران باسيل كانا مصممين على ابعاد الحريري واستخدام كل الوسائل المتاحة لايجاد بديل منه ولما اقفلت الساحة السنية امام الترشيحات البديلة صار اللجوء الى سلاح تفويض الاصوات لعلمهما انه مخالف دستوريا وان الحريري لن يقبل المضي في الاستشارات تحت وطأة هذه المناورة.
ولكن الى اين سيؤدي المأزق المتعاظم بعد هذا الانهيار السياسي الذي يتزامن مع مرور شهرين اليوم على انطلاق انتفاضة 17 تشرين الاول؟ وهل من افق ولو ضيقاً لحل ازمة التكليف الذي عادت بقوة امس لتتصدر المشهد؟ الواضح من مجمل المعطيات ان ثمة ترقباً لموقف مفصلي قد يتخذه الرئيس الحريري قبل الموعد الجديد للاستشارات لن يكون ممكناً بناء أي تقديرات لما ستؤول اليه الامور قبل اعلانه. واذا كانت هذه المؤشرات ترجح ان يتخذ القرار الحاسم بتكليف أي شخص سواه، فان كرة اللهب ستنتقل الى مرمى العهد وسط شكوك في القدرة على بت البديل سريعاً، الامر الذي يفترض في اقل الاحوال مزيداً من ارجاءات لمواعيد الاستشارات وربما الى ما بعد رأس السنة الجديدة ما لم تطرأ مفاجأة ليست في الحسبان.