Beirut weather 17.41 ° C
تاريخ النشر August 15, 2019
A A A
الوضع دقيق وحساس… ما هي المصادر المهدّدة للاستقرار في لبنان؟
الكاتب: محمد حمية - البناء

لم يكن مستغرباً أن يقف لبنان على حافة الانهيار نتيجة حادثة أمنية في الجبل كادت تهدّد بفتنة طائفية لولا مسارعة أركان الدولة لاحتوائها باتفاق تلاه اجتماع مصالحة في بعبدا. فالأمن أساس استقرار الدول، فكيف في لبنان البلد الذي يحوي طوائف ومذاهب وشرائح وتيارات سياسية متنوّعة وارتباط بالخارج الإقليمي والدولي!
لقد خطا لبنان خطوات عدة للخروج من دائرة الخطر الأمني والعسكري، بدءاً من تحرير جروده الشرقية من الوجود الإرهابي وتعزيز انتشار الجيش في الجنوب والبقاع وفي محيط المخيمات الفلسطينية ما حقق استقراراً أمنياً الى حدّ كبير شعر به اللبنانيون وشكل مدماكاً صلباً لتعزيز الوضع الاقتصادي والاستثمار وتشجيع السياحة.
لكن مع مرور الوقت بدأت تتظهّر عوامل أخرى تهدّد الأمن اللبناني. منها ما هو داخلي يتعلق بأزمة النزوح وحالات التطرف القائمة في مناطق عدة ومنها خارجي يتعلق بما يسمّى بـ «صفقة القرن» ومحاولات توطين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان واستخدام كافة الوسائل السياسية والأمنية والمالية لفرض ذلك.
فإلى جانب هذه المخاوف الأمنية، يتعرّض لبنان لضغوط مالية أميركية قاسية تواكب صعود التوتر العسكري في الإقليم على محور طهران – واشنطن مع إمكانية خروج «إسرائيل» عن اتفاقات ترسيم الحدود البرية والبحرية مع لبنان ولجوئها الى خيارات الحرب!
فما هي العناصر المهدّدة للاستقرار؟
يُبدي مرجع أمني رسمي تخوّفه إزاء التطورات الأمنية التي تحصل في صيدا والمترافقة مع توتر في المخيمات الفلسطينية عقب صدور قرار وزير العمل بحق الفلسطينيين»، وأشار المرجع في حديث لـ»البناء» الى أنّ «الوضع في صيدا دقيق وحساس لوجود جهات أمنية عدة داخل المخيمات ودخول أطراف أخرى على الخط: داخلية وخارجية لاستثمار ما يجري لأهداف مرتبطة بصفقة القرن»، ويكشف أنّ «التحقيقات في بعض الملفات أظهرت تواصل واتصال مجموعات متطرفة في مخيم عين الحلوة بجهات استخبارية خارجية»، لكنه أكد أنّ «الجيش اللبناني يقوم بإجراءات أمنية مشدّدة في جميع مداخل صيدا وفي محيط المخيمات وعلى تواصل وتنسيق دائم مع القيادات الأمنية الفلسطينية للحؤول دون انفلات أمني أو عمليات اغتيال لمسؤولين حزبيين صيداويين أو فلسطينيين تؤدّي الى فتنة في صيدا تتسع دائرتها لتطال كلّ لبنان»، لذلك طلب الجيش بحسب المعلومات عند اغتيال علاء الدين «الخميني» من الفصائل الإسراع في توقيف الفاعلين لا سيما بلال العرقوب وحماية المخيم من أيّ مخطط لضرب اسقراره وهذا ما أقدمت عليه الفصائل بسرعة فائقة بالقضاء على العرقوب وتسليم أولاده الى الجيش، كما لفت الجيش نظر الفصائل لئلا تخرج التظاهرات ضدّ قرار وزير العمل عن مسارها الاحتجاجي الى مظاهر مسلحة مخلة بالقانون»، كما أبدى المرجع الأمني تخوّفه من بعض الحالات المتطرفة في صيدا المرتبطة بالحالة الأسيرية، إذ ألقى الجيش القبض مؤخراً على عدد من الأشخاص الذين ينتمون الى هذه الحالة ما يؤكد بأنّ الحالة الأسيرية ببعدها الفكري المتطرف لم تنتهِ.
لكن المرجع الأمني طمأن من جهة اخرى الى أنّ «الوضع الأمني عموماً مستقرّ، ويمكن القول إنّ لبنان ينعم بالاستقرار رغم الاهتزازات الأمنية بين الحين والآخر كما حصل في الجبل ما يُعكّر صفو الأمن ويؤثر سلباً على السياحة والاقتصاد، لكن الحالة الإرهابية بشكل عام تراجعت الى حدّ كبير ولم يعد هناك في لبنان إرهاب بمعناه العسكري أو الأمني الواسع باستثناء بعض الخلايا الأمنية النائمة أو «الذئاب المنفردة» كما حصل في طرابلس في شهر رمضان الماضي أو بحالة الانتماء الفكري لبعض الاشخاص التي من الممكن أن تتحوّل الى حركة عسكرية أو أمنية فيما لو توافرت لها الظروف اللوجستية والمادية والامكانات».
وفي هذا السياق يُحذر المرجع الأمني المُشار إليه من خطر أزمة النزوح على لبنان من الناحية الاقتصادية والاجتماعية مع عدم انتهاء خطرها الأمني مع وجود أفكار متطرفة وحركة أمنية جوالة بين النازحين واحتمال استثمار الخارج لهم كورقة في ملفات داخلية واقليمية، وقد يتضاعف خطرهم فيما لو توافرت ظروف إقليمية تخدم أهدافهم، فيعودون الى تنظيم أنفسهم عسكرياً لتنفيذ عمليات ضدّ الجيش والمدنيين ومراكز تجارية وحزبية ودينية، لا سيما أنّ الكثير منهم كما أثبتت تحقيقات الأجهزة الأمنية تلقوا دورات تدريبية في معسكرات تنظيمي داعش والنصرة في سورية والعراق وعرسال، وقد ضُبطت في هواتف موقوفين سوريين رسائل وفيديوات تثبت ولاءهم لتلك التنظيمات فضلاً عن انّ معظم النازحين أنهوا الخدمة العسكرية الإجبارية في سورية»، وأكد المرجع أنّ «خطورة أزمة النزوح تفوق كثيراً خطورة أزمة اللجوء الفلسطيني، إذ أنّ المخيمات الفلسطينية معروفة ومحدّدة والأجهزة تضبط اللعبة الأمنية داخلها لكن في المخيمات السورية الأمر أكثر صعوبة مع وجود مليون ونصف مليون نازح منتشرين على الأراضي اللبنانية».
وعن ملف العفو العام، يكشف المرجع أنّ قانون العفو المزمع صدوره لن يشمل المطلوبين الفارّين من وجه العدالة بل فقط الموقوفين الحاليين كما لن يشمل المحكومين والمتهمين بجرائم إرهاب واعتداء طالت الجيش والقوى الأمنية، وبالتالي لن يشمل الفار فضل شاكر والكثير ممن لم يسلموا أنفسهم مثل بلال بدر وغيره الذين إما ينتظرون قانون العفو وإما يراهنون على متغيّرات وظروف إقليمية تنعكس سياسياً على لبنان تصبّ في صالحهم كحرب أميركية على إيران أو أنهم لا يثقون بالدولة وبالقضاء، علماً أنّ شاكر بحسب معلومات «البناء» تلقى ضمانات أمنية وقضائية بأن يلقى محاكمة عادلة عند تسليم نفسه لكنه رفض بحجة عدم ثقته بـ»القضاء»، وعلق المرجع الأمني على ذلك بالقول: «لو سلم فضل نفسه سابقاً لكانت انتهت فترة محكوميته الآن علماً أنه لم يتورّط مباشرة بالقتل بل بالتحريض ودعم الإرهاب معنوياً وإعلامياً».
أما على خط الجبهة الجنوبية فاستبعد المرجع الأمني أيّ حرب إسرائيلية على لبنان رغم وجود مصلحة لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بحرب محدودة للخروج من مأزقه السياسي وإعادة اللحمة الداخلية بعد تشظيها في الفترة الأخيرة، ما يمكنه من تشكيل حكومة جديدة بعد انفراط عقد الحكومة الماضية، ويكشف المرجع أنّ قوات الجيش المرابطة في الجنوب لم تلاحظ أيّ تحركات غير اعتيادية لجيش الاحتلال على الحدود الشمالية يوحي بحرب وشيكة رغم الإجراءات الاسرائيلية الدائمة والخروقات المستمرة والسبب يعود لعجز «إسرائيل» عن حسم الحرب مع لبنان لصالحها، لا سيما بعد الحرب السورية وتمرّس المقاومة في القتال وتوسع وامتداد وتشابك الجبهات فضلاً عن جهوزية الجيش العالية للدفاع عن لبنان»، وأشار الى تشييد الجيش اللبناني برج مراقبة على الحدود للمرة الأولى الأمر الذي استفزّ الجانب الاسرائيلي».