Beirut weather 18.41 ° C
تاريخ النشر November 19, 2023
A A A
الوضع العسكري في غزّة مختلف عمّا يعلنه الإسرائيليّون
الكاتب: دوللي بشعلاني - الديار

كيف تبدو صورة الحرب الدائرة في غزّة، والمواجهات العسكرية في الجبهة الجنوبية اللبنانية بعد 44 يوماً على عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول الفائت؟ وهل هي مرشّحة الى التصعيد، أم يمكن أن تتوقّف مع صعوبة تحقيق الأهداف الإسرائيلية منها، وأبرزها “القضاء على قادة “حماس”؟

“انّ حرب غزّة مرشّحة لأن تطول وتستمرّ عسكرياً وتُصبح أكثر تعقيداً، كما الجبهة الجنوبية في لبنان، إذا لم يحصل ضغط غربي لوقفها أو هدنة للإفراج عن الرهائن والأسرى لدى الطرفين”… هذا باختصار ما يراه العميد المتقاعد خليل الحلو من خلال المعارك الدائرة على أرض الواقع. ويصف الوضع العسكري على الأرض في غزّة في حديث خاص لجريدة “الديار” بالقول: “ما يُظهره الجيش الإسرائيلي للرأي العام يختلف عن الواقع، وعن حقيقة المناطق التي يسيطر عليها فعلياً في غزّة. فهو من خلال العملية البريّة التي بدأها، يمكن القول انّه يسيطر اليوم على الثلث الشمالي من غزّة، الذي يفصله عن الجنوب، ويضع خطّاً من الشرق الى الغرب في وادي غزّة حيث لديه اللواء المدرّع الرقم 441. وقد بدأ العملية هناك بعد أن شقّ غزّة الى قسمين”.

ولفت النظر الى أنّ “حركة حماس” في جنوب غزّة لا تقوم بشيء اليوم، على هذا الخط أبداً، متسائلاً: هل هو عجز، أم أنّ “حماس” تُفضّل الاحتفاظ بقواتها في منطقة الجنوب في حال حصلت عملية إسرائيلية عليها؟!

وعن صحّة دخول الإسرائيليين مستشفى الشفاء وإغلاقه ووجود أنفاق تحته أم لا، أجاب: “هذه أمور لا أستطيع تأكيدها أو نفيها في ظلّ ما يقومون به من تضليل إعلامي. ولكن من المؤكّد أنّه في منطقة صغيرة جغرافياً مثل شمال غزّة تضمّ شبكة أنفاق ضخمة، وعلى طول قطاع غزّة هناك أكثر من ألف مدخل للأنفاق، فمن الطبيعي وجود نفق تحت كلّ مبنى. ولهذا عمدوا الى تدمير مبانٍ عديدة بهدف إقفال مداخل الأنفاق. ولم يهتمّوا بما اذا كان يسكنها مدنيون، فهذا الأمر بالنسبة للإسرائيليين هو موضوع ليس ذا أهمية أي مسألة الأرواح البشرية والممتلكات”.

وتابع العميد الحلو: “كان من المنطقي بعد دخول الإسرائيليين الى غزّة أن يستكملوا الهجوم إمّا من الشمال الى الجنوب، أي لوصل الخط الجنوبي الذي أقفلوه في الشمال بهدف تسكير المنطقة، أو يُكملوا من الشرق الى الغرب بالكامل، غير أنّهم لم يفعلوا. ما قاموا به، هو فقط أنّهم شقّوا غزّة الى قسمين وأخدوا الخط البحري أولاً، وهو شارع الرشيد، بطريقة الكماشة، أي أنّهم صعدوا من الجنوب الى الشمال ومن الشمال الى الجنوب، ووقفوا أمام مخيم الشاطىء فسقط هذا الأخير منذ 5 أيام تقريباً. وهذا يعني أنّهم سيطروا على الجهة الشمالية بالكامل أي معبر “هيريتز” ومدينتي بيت حانون وشمال بيت لهيا”.

وهنا يُطرح السؤال الآتي: لماذا لم تحصل عمليات عسكرية في الجهة الشرقية من هذه البقعة حتى الآن، خصوصاً في مدينة غزّة، بل حصل فقط قصف على مخيم جباليا، وقد ضُرب أيضاً السبت، لكنهم لم يدخلوا اليه بعد، وشرق مدينة غزّة لم يدخلوا اليها أيضاً. فما الذي يُحاولون فعله إذاً؟ يُجيب: “يحاولون فتح خط من المستشفى باتجاه الشرق حتى شارع صلاح الدين، ويقولون بأنّهم سيفتحون ممرّاً لإخلاء المنطقة من سكّانها”.

وانطلاقاً من هنا، ثمّة إحتمالان، بحسب رأيه، لا ثالث لهما: إمّا أنّ حركة “حماس” تُحضّر للمعركة الكبرى، في منطقة شرق غزّة (أي في الثلث التي استولى عليها الإسرائيليون) أو تريد الإختباء لتبدأ بعد مدّة معيّنة بحرب إغارات على الإسرائيليين. فاليوم مقاومو “حماس” يقومون بالقتال التأخيري ( أي لتأخير التقدّم الإسرائيلي ولتنظيم أوضاعهم في المنطقة التي ينوون الصمود فيها إذا كان لديهم نيات كهذه) على تخوم المناطق التي دخلوا اليها الإسرائيليون، وليس قتال تفخيخ، ولا نرى العبوات الناسفة، وهو أمر مستغرب. فما نراه هو استهداف للدبّابات، ويعلنون أنّهم استهدفوا العشرات منها، ويظهر أنّ ثمّة عمليات تحصل على الإسرائيليين ورمي على الآليات، ولم نسمع سوى بعمليتين تفخيخ. الأولى، استشهد فيها ضابط إسرائيلي و3 جنود عند مدخل نفق، والثانية، بالأمس قتل فيها 5 إسرائيليين. وبالتالي فالى أين تُترك العبوات الناسفة؟ بتقديري هي متروكة للمقرّ الأساسي الذي توجد فيه “حماس”كقيادة وكقوى لم تظهر من الخارج بعد، أو كما قلت، ربما لا تحصل معركة كبيرة في شرق غزّة، وتقوم فيما بعد بعمليات إغارة، على ما حصل في العراق بالأميركيين رغم أنّ غزّة صغيرة الحجم.

وأوضح أنّه إذا أردنا الإستناد الى الأرقام المعلنة من قبل الفلسطينيين عن أنّه أصبح لديهم 12 ألف شهيد بينهم 5000 طفل، و3500 امرأة، ما يعني أنّ هناك 3500 رجل، إذا قلنا أن نصفهم لحركة “حماس”، فهذا يعني أنّها قدّمت نحو 1500 أو 2000 شهيد حتى الآن، ما يعني أنّه لا يزال لديها حسب ما تُعلنه 35000 مقاتل، من بينهم 5 أو 10 آلاف جريح، يبقى هناك 20 ألف، فأين هم؟! في حين أن أرقام الغرب تقول إنّ “حماس”لديها 20 ألف مقاتل وليس 35 أو 40، على ما تُعلن الحركة. في مطلق الأحوال يبقى هناك 10 أو 15 ألف مقاتل، أين هم؟ إذا كان نصفهم في شرق غزّة، فهذا يعني أنّه ستحصل معركة كبيرة بعد أو أنّ هناك “كيريللا” والباقون في جنوب غزّة.

وفي ما يتعلّق بحنوب غزّة، وتحديداً في منطقة خان يونس، على ما أضاف العميد الحلو، هناك شبكة أنفاق أيضاً. وبوادر هذه المعركة بدأت تظهر خلال اليومين الأخيرين من خلال المنشورات التي يرميها الإسرائيليون للأهالي لمغادرة المنطقة. هذه بوادر غير أنّ المعركة لم تبدأ فيها بعد. وكلّ هذا يعني أنّ المعركة في غزة لا تزال طويلة ومستمرّة وعسكرياً لا شيء يوقفها لا من قبل “حماس” ولا من “إسرائيل”. وإذا كانت ستقف فبضغط غربي أو بهدنة للإفراج عن الرهائن أو الاسرى الفلسطينيين لدى “إسرائيل”، وذلك لبضعة أيّام. أمّا وقف الأعمال العسكرية بشكل نهائي، فمن خلال الضغط على الحكومات الغربية. علماً بأنّ المتظاهرين في الشارع بأعداد كبيرة، قد لا يكونون ناخبين بغالبيتهم، ولا بدّ من معرفة موقف الرأي العام الناخب من هذه الحرب.

وتحدّث العميد الحلو عن قدرة “حماس” كما “الإسرائيليين على الخوض في حرب طويلة، ما دام هناك إرادة للقتال، وما دامت الذخائر والإمدادات متوافرة، وهناك تخزين موارد لدى “حماس” من أسلحة وذخيرة وطعام وماء ووقود وما الى ذلك”…

وأوضح أنّ الأميركيين لا يضغطون اليوم على الإسرائيليين لوقف الحرب في غزّة، فكلّ ما يهمّها هو الرهائن الذين يحملون الجنسية الأميركية. هذا هو همّها الأساسي. أمّا الضغط الكبير عليهم فهو لعدم مهاجمة لبنان. فهذا أمر مؤكّد وعلني. فقد قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن خيراً: “أحذّر إسرائيل (وليس أطلب منها أو أتمنّى عليها) من القيام بعملية على لبنان”.

فالأميركيون يرفضون أي حرب على لبنان، لأنّها ستؤدّي الى اشتعال الخليج، ولديهم 50 ألف عسكري أميركي هناك، ولهذا لا يريدون الخوض في حرب في المنطقة، وهم اليوم في أوكرانيا وفي أماكن أخرى.

وعن الوضع على الجبهة الجنوبية، فقد دخل لبنان المعركة بناء على ما قاله الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في اليوم التالي لعملية “طوفان الأقصى”، لإشغال الإسرائيليين. وما يحصل على الحدود هو تبادل قصف، وهناك تصعيد تدريجي بالنسبة لعدد العمليات الآخذ في التصاعد. ففي اليوم الواحد هناك بين 15 أو 20 عملية عبر الحدود من قبل “حزب الله” والمجموعات الفلسطينية، لكنها لا تطال العمق. هذا التصعيد ليس تحت سيطرتنا، بل تحت سيطرة أميركا وإيران، فكّل منهما لا تريد حرب شاملة في المنطقة. هذه تمنيات، ولكن إذا تدحرجت العملية وذهبت الى مكان معيّن، فقد لا تتمكّن أميركا من الضغط على إسرائيل.

وختم العميد الحلو بأنّ الحرب في الجنوب هي “حرب مواقع” تحتدم لكنّها لا تزال كذلك، رغم استخدام الطيران والمسيّرات والصواريخ الدقيقة من الجانبين، وتقديم “حزب الله” لأكثر من 75 شهيداً. في الجانب الإسرائيلي هناك قتلى وتهجير 60 ألف إسرائيلي من المستوطنات، وفي القرى الجنوبية هناك عدد كبير من الاهالي نزحوا منها. ولكنها تبقى حرب مواقع وليس من محاولات حتى الآن من الحزب بالدخول الى شمال فلسطين المحتلّة ولا من الإسرائيليين بالدخول الى لبنان. ولكن مخاطر انزلاق الوضع الى حرب يبقى وارداً. وعلينا كلبنانيين بالتالي منع انزلاق الأمور الى حرب شاملة لأنّ نتائجها ستكون وخيمة وأسوأ من حرب العام 2006.